أضغاث إسلام وديمقراطية

علي بن مسعود المعشني

Ali95312606@gmail.com

أَضْغاثُ أَحْلامٍ : أَحْلامٌ مُخْتَلِفَةٌ مُتَداخِلَةٌ وَمُضْطَرِبَةٌ يَصْعُبُ تَأْوِيلُها وَتَفْسيرُها"قالُوا أَضْغاثُ أَحْلامٍ وَما نَحْنُ بِتاويل الأَحلامِ بِعالِمينَ" (يوسف آية 44) .

ونحن كمسلمين اليوم هناك بيننا من تمسك بأضغاث إسلام ويعمل جاهدًا وبكل ما أوتي من قوة وسطوة ونفوذ لبسطها وتمكينها على أنها حقيقة الإسلام ولبه وهامته.

أن تتدافع الأقوام من المحسوبين على الإسلام والمسلمين في كل زمن ويبعثون بفهمهم ونظرتهم للإسلام وسنة نبيه، فذلك متوقع ومفهوم، وستتناسله الأزمنة بلاشك طالما بقينا نجتر الإسلام ونعيد إنتاج السلف على أنه تجديد.

من غرائب الأمور وعجائبها والتي نعيشها كمسلمين منذ عقود، أن الكل ينادي بتجديد الخطاب الديني وضرورته، حتى نبرهن بأن الإسلام لكل زمان ومكان، وفي المقابل يرمون من يأتي بفهم يخرج عن إطار الفهم الموروث بالردة والزندقة!! فماهو التجديد إذًا إذا كان المطلوب هو تأطير الاجتهاد والخطاب التجديدي بالموروث والمتوارث من السلف، وليس التأطير بأصول الدين وثوابته والقواعد العامة للاجتهاد وشروطه ثم الانطلاق من خلالها.

نحن اليوم - بلا شك - في أرذل الفكر والوعي بمقاصد الدين وعمق تعاليمه، وفي فصام مثالي بين فهم الأمس ومتطلبات العصر، وبما إنّ الدين قيم وتشريعات ومنظم حياة ومعين أخلاق وحافز للفرد والجماعة، فبلاشك أننا قيدنا أنفسنا وعقولنا وتجنبنا التطور طوعًا، وغادرنا المستقبل بفعل جهل الدين وتجاهله، واستبدلناه بالشعائر بلا خشوع أو مقاصد، والسطحية الناتجة عن غياب القراءات العميقة وحضور الثقافة الشفهية بقوة في حياتنا، لهذا فمن الطبيعي أن ينشأ لدينا أضغاث إسلام ومشتقاته من إسلام وضعي لاعلاقة له بحقيقة الإسلام ومقاصده.

ما يؤسف له، أن نجد بيننا نُخب تعتبر الإسلام مادة للسخرية بفعل سلوك بعض المسلمين لا بفعل فهمها لقيم الإسلام وعمق مقاصده، فهي ترى في الحدود مثلًا وحشية وغلظة وقسوة، ولكنها لا ترى في الأفعال التي أوجبت تلك الحدود أيّ وحشية أو فُحش أو إدانة، كما أنّها لا تعلم شروط تلك الحدود، ولا تفرق بين المعصية الفردية والتي توجب التوبة على مرتكبها، وبين نشر الفاحشة والجهر بالمعصية والتي توجب إقامة الحد لتعديها على حدود الله وخطرها على قيم المجتمع وحصانته الروحية.

نمر اليوم بمرحلة دقيقة للغاية من تاريخ الإسلام، مرحلة تعصف بها الفتن والشكوك والتشكيك في كل شيء، حتى بالموروث نفسه، والكل يستشعر هذا ويدعو إلى تجاوز هذه المرحلة العصيبة بشيء من الوئام وبعث روح الإسلام والالتفاف حول أصوله والانتصار لها، ونبذ المذهبية والتعصب لها .

ولكننا حتى ونحن نستشعر هذا الخطر الماحق فإننا نتسلح بموروث كل مذهب في نظرته للتآخي وقبول الآخر، كبديل عن التجديد الحتمي المطلوب، ثم سرعان ما نركن للخمول والمذهبية مجددًا بعد هدوء العاصفة ومرور جذوتها.

لا نبالغ إذا قلنا بأن الملايين بيننا اليوم من علماء ودعاة ووعاظ يتسلحون بالمذهبية ويقتاتون عليها بوعي وبلا وعي، وبالتالي فليس من اليسير الحديث عن تجديد حقيقي للخطاب الديني أو الخوض فيه طالما بقيت هذه الجحافل تتخندق خلف هذه التجارة والوجاهة والمكسب.

مانراه ونعيشه اليوم من صنوف الجهل والتجاهل والتطرف والغلو، لم تكن بهذه القوة والبروز والتأثير لولا حاضنها التاريخي وخصوبة البنية الفكرية الجاذبة لها فقد نقلنا الاجترار التاريخي وإعادة إنتاج الفهم وتدويره بين الأجيال، فانتقلنا من خانة الجهل الطبيعي الذي تمحوه المعرفة إلى الجهل المُركب والذي يحتاج إلى معالجات جذرية عميقة، تحتاج إلى منظومات متكاملة ومتناغمة من الوعي وغرس قيم المنطق وأدوات العقل لنغادر دوائر وأغلال التخلف والجمود والجهل التي تحيط بنا رغم كل مظاهر العلم ومنشآته وأدوات التطور والتنمية من حولنا.

أضغاث ديمقراطية

الديمقراطية ومشتقاتها هي الشغل الشاغل للعرب اليوم، وعلى رأسهم النُخب وشريحة الشباب، ومن حق هؤلاء وغيرهم الاشتغال بالشأن العام وطرح قضايا الوطن للنقاش لتعميق مفهوم المواطنة والمشاركة، وتعميق الوعي السياسي والبحث عن مشروع نهضوي للأمة. فبعض الأقطار العربية أنشأت وزارات خاصة بالتنمية السياسية، بداعي الحاجة وبحكم التطور الطبيعي لوعي المواطن، وبقصد تنمية الوعي السياسي وتأطيره بنظريات الحكم ومكونات الدولة ومفرداتها، وبالتالي فمن الطبيعي وبالنتيجة بأن التعامل مع مواطن واعٍ ومدرك لمقتضيات الحكم وقواعد السياسة أسهل بكثير من مواطن يُترك وعيه فارغًا ليملأه أي عابر سبيل.

قناعتي الشخصية بأنّ منظومة الحكم الحقيقية والنافعة لحكم أي شعب وأي دولة هي المنظومة المتناغمة تمامًا مع منظومة الأسرة لذلك الشعب وتلك الدولة. فمنظومة قيم الأسرة الأخلاقية والتربوية وكنواة للعقل الجمعي للمجتمع، هي الركيزة والأساس لمنظومة الحكومة بشكل موسع وأكبر وهذا مانراه في الغرب.

فلايعقل في وطننا العربي أن نُطالب - وفي الحال - بتطبيق ديمقراطية ليبرالية غربية كمثال، ونحن لا تزال منظومة الأسرة لدينا تُدار بعقلية الأب الرشيد والديكتاتور المستنير . فالأب العربي مستبد بطبعه وبوراثته التربوية ولكنه يسعى بلاشك لمصلحة أبنائه والنافع لأسرته وهذه ليست عورة ولا مثلب - كما يفهم البعض - بل طور من أطوار المجتمعات. من هنا فمن المبكر الحديث بخيال واسع وأحلام يقظة، عن رأي ورأي آخر، وتعدد الآراء من جرة قلم وكما يقال.

فتغيير أنماط التفكير وترسيخ ثقافة الرأي الآخر بقناعة لا بشعارات، ليست بالبساطة أو التمني، بل نحتاج إلى جهد منظم تتعاون فيه وتتحمل مسؤوليته منظومة الأسرة والمدرسة والإعلام والمجتمع والجامع، ثم التشريع لاحقًا فالديمقراطية ليست حمية غذائية، ولاعقار طبي نبلعه فنصبح ديمقراطيين.

إلا إذا كنّا مغرمين بإعادة إنتاج تجربة دولة الاستقلال العربي في أضغاث الديمقراطية، حيث الأحزاب والجمعيات والنقابات والانتخابات البرلمانية والصحافة منذ قرن من الزمان والوطن والتنمية والحقوق محلك سر والانقلابات تتوالد.

قبل اللقاء: " الجاهل ليس من لا يعلم، بل من يعلم ولا يعمل بما يعلم " (المفكر والفيلسوف العربي السعودي د.إبراهيم البليهي). وبالشكر تدوم النعم .

مسقط : 31/8/2015م

تعليق عبر الفيس بوك