تأهيل الشباب لصناعة سوق العمل

حميد بن مسلم السعيدي

Hm.alsaidi2@gmail.com

تداعيات انخفاض أسعار النفط خلال عام واحد إلى أكثر من 65%، دفعت العديد من الحكومات الخليجية إلى اتباع سياسة اقتصادية قائمة على التقشف ورفع الدعم عن السلع والمحروقات، هذا الأمر لن يتوقف عند هذا المستوى وإنما سيستمر في التقليل من التوظيف في المؤسسات الحكومية، ويشمل ذلك أيضًا القطاع الخاص الذي سيتأثر بالأزمة الاقتصادية التي يشهدها سوق النفط، مما يدفعه إلى التقليل من التوظيف والبحث عن الأيدي العاملة الرخيصة، مما يؤدي إلى ارتفاع في نسبة البطالة في المجتمع، والتي تُعد من أهم القضايا الرئيسية التي تؤثر بدرجة كبيرة على النمو الاقتصادي، وتحدث ضررا اجتماعياً إذا لم تتم معالجتها بطريقة تستطيع معها توفير المجال الذي يسمح للشباب باستغلال أوقاتهم بصورة إيجابية، هذا الأمر دفعني للحوار مع أحد الشباب من حملة الدبلوم العام عن مستقبله وماهي خياراته التي يفترض تواجدها حتى يستطيع النجاح في هذه الحياة، فكان سؤالي له ماهي خياراتك في حال لم تتمكن من الحصول على مقعد لاستكمال الدراسة الجامعية؟ فأكد أن من خياراته البحث عن وظيفة في القطاع الحكومي والقطاع الخاص.

فكان السؤال التالي وإذا لم تجد هذه الوظيفة.

قال: سأسجل اسمي في قائمة الانتظار، وأظل انتظر إلى أن يفرجها رب العالمين.

ويعني ذلك أنّه ينضم إلى قائمة البطالة؛ مما دفعني لأتساءل لماذا لم يتم إعداد شبابنا بصورة تمكنهم من التخطيط لمستقبلهم بعيداً عن الاعتماد على الآخرين، والاستفادة من الدعم الحكومي المالي والمادي للشباب في بناء مشاريعهم التجارية، والصناعية، والزراعية، والتقنية، والفرص المتاحة لهم للانطلاق في مشاريع لها دخل أفضل من الدخل الوظيفي، هذا الأمر ربما يعود للسياسة التعليمية بالبلد والتي تهدف إلى "تأهيل الشباب لسوق العمل" بمعنى أن يتم تأهيل الشباب للانخراط في سوق العمل بحيث يمتلكون المهارات المتنوعة التي تؤهلهم لذلك مما يجعلهم يعتمدون على الآخرين، وهذه السياسة حان الوقت لتغييرها بحيث يتوجب تبني مشروع استراتيجي وطني يسعى إلى "تأهيل الشباب لصناعة سوق العمل" بحيث تسعى إلى تعزيز وجود الشباب في سوق العمل كرواد ورجال أعمال ومبتكرين قادرين على بناء مؤسسات تنطلق من فكر بنائي وإبداعي، والاعتماد على التشغيل الذاتي والعمل الحر بصورة مخططة بطريقة عملية وهادفة، واتخاذ القرارات بجرأة ومسؤولية تنطلق من خلال الدخول للمنافسة في سوق العمل، وهذا ما يحقق لهم الدور الرائد في القيام بواجبهم كمواطنين فاعلين في المجتمع،والوصول بالشباب إلى هذا المستوى الفكري يحتاج إلى بناء مناهج دراسية قادرة على تحقيق هذا الهدف بحيث تتيح لهم فرصة التعلم والتدريب مما يمنحهم الخبرة والكفاءة التي تجعلهم مؤهلين بعد تخرجهم للقيام بواجبهم.

فلا يمكن أن ننظر للمخرجات التعليمية وهي لا تملك شيئًا عن مستقبلها، وإنما تعتمد على الفرص التي يتيحها لها الآخرون وإذا لم تتوفر هذه الفرص يتوقف المستقبل، في حين أنهم بحاجة إلى أن يتم إعدادهم الإعداد الذي يمكنهم من خلق فرص العمل التي تبني لهمحياتهم مما يساهم في التطور والنمو الاقتصادي للبلد، وهذا ما نفتقده في مناهجنا الدراسية، فلا يوجد تضمين لهذا الفكر، واليوم ونحن في مرحلة إعداد معايير المناهج الدراسية، وفلسفة التربية العُمانية، يتوجب النظر إلى بناء الشباب بصورة تمكنهم من المساهمة الإيجابية، من خلال التفكير الإيجابي القائم على الابتكار أو إيجاد الحلول للمشكلات والتحديات التي يواجهونها والاستفادة من الإمكانيات التي تقدمها الحكومة والقائمة على الدعم المادي والمعنوي لهم من خلال تبني مشاريع هادفة وناجحة وغير تقليدية، خاصة وأن ما تم ملاحظته خلال الفترة الماضية عن المشاريع التي حصلت على الدعم الحكومي من مشروع الرفد الذي يهدف إلى دعم مشاريع الشباب المتوسطة والصغيرة أن هذه المشاريع ما زالت تقليدية، ولا تتيح المجال للابتكار الصناعي الحديث، في حين أن شبابنا يمتلكون من القدرات ما يمكنهم من ذلك ولكن يحتاجون إلى الإعداد الذي يؤهلهم لبناء مستقبلهم.

وما أود سرده هنا قصة مخترع أشهر برنامج للتواصل الاجتماعي "الواتس آب" الأوكراني جان كون حيث بدأت قصته مع البرنامج عندما تقدم في شهر سبتمبر من عام 2007 مع صديقه أكتون للعمل في شركة فيسبوك ولكن تم رفض طلبيهما وكذلك شركة تويتر، ثم في يناير 2009، اشترى كوم جهاز آي فون وبدأ مع صديقه في التفكير لإطلاق تطبيق جديد للدردشة يكون مجانياً وأفضل من خدمة الرسائل النصية، وكانا يعملان على تطويره في منزلهما وفي المقاهي، ثم أطلق الثنائي اسم "واتس آب" بمعنى "ما الجديد" للخدمة الجديدة والتي كتب لها النجاح منذ إطلاقها، فبعد خمس سنوات بلغ عدد المشاركين 450 مليون مشارك، مما دفع شركة فيسبوك لشرائه بقيمة 16 مليار دولار، فمن حياة بسيطة قائمة على التبرعات إلى حياة المليارديرات، لذا تمت عملية توقيع صفقة البيع في المكان ذاته الذي كان يقف فيه جان في انتظار بطاقات الإعانة الحكومية من مؤسسات الخدمات الحكومية، فهذا الشاب عندما أقفلت كل الأبواب أمامه طرق باب العقل والتفكير وبدأ في مسار لصناعة مستقبله بالاعتماد على ذاته مما غيّر من حياته بصورة لم تخطر علىباله، وهذا ما يتوجب أن يتعلمه شباب هذا الوطن، إنهم يمتلكوا من القدرات العقلية ما يمكنهم من صناعة شراكة في سوق العمل، والوصول إلى هذه الغاية يستوجب العمل الجاد والمخلص، فالحياة تقوم على الكفاح وتستكمل فصولها بالنجاح.

تعليق عبر الفيس بوك