من يكنس كل هذه الزبالة؟

فؤاد أبو حجلة

انتفض اللبنانيون ضدَّ حكومتهم وخرجوا إلى الساحات احتجاجا على تراكم النفايات في الشوارع وما أصبح يسمى "أزمة الزبالة"، ونجح منظمو الاحتجاج ليس فقط في حشد آلاف اللبنانيين من كل الطوائف والاتجاهات السياسية، بل في اختيار عنوان لحملتهم وهو "طلعت ريحتكم" في إشارة إلى المسؤولين المنخرطين في الصراعات السياسية والطائفية ضمن "لعبة تخريب لبنان".

وانتفض العراقيون وخرجوا إلى الشوارع بمئات الآلاف احتجاجا على تراكم نفايات من نوع آخر في العراق، وهي "الزبالة السياسية والطائفية" التي أنتجت الفساد وبددت مقدرات البلاد وتحكمت بغذاء وماء وكهرباء العباد. وكانت روائح الفساد الكريهة قد زكمت أنوف ملايين العراقيين الذين ابتلوا طيلة ثلاثة عشر عاما بحكم الطائفي نوري المالكي ومعه عصابة الأربعمائة حرامي من حزب الدعوة وائتلاف دولة القانون.. وهو بالمناسبة ائتلاف مثير للسخرية؛ لأنه نجح في تخريب الدولة وشطب القانون.

قبل ذلك، كان التوانسة قد انتفضوا ضد الزبالة، وضد السطو على ثورتهم، وخرجوا إلى الشوارع ضد حكم رجعي خلق بيئة مناسبة لتاكثر الطفيليات الظلامية التي تنتج الإرهاب، فأطاحوا بحكم "حزب النهضة" مثلما أطاحوا قبل ذلك بحكم الطاغية زين العابدين بن على الذي حكم البلاد والعباد بالمخبرين واللصوص وحفنة الفاسدين الكبار الذين كانوا في الدائرة الضيقة القريبة منه ومن زوجته.

ولولا الإرهاب الذي يجتاح كل الأرض السورية في الصراع المحتدم بين أبناء جهنم في الطرفين الحكومي والمعارض، لانتفض السوريون وخرجوا إلى الشوارع بالملايين احتجاجا على الزبالة التي تجيء في أكوام بشرية من المتقاتلين في الطرفين.

ولولا عَمَى الإعلام العربي الذي يقسِّم السوريين بين موالين ومعارضة، لكنا عرفنا أن الأغلبية الكبرى من السوريين ترفض كل أطراف الصراع وهي ضد القمع النظامي والإرهاب الظلامي على حد سواء.

لدينا الكثير من الزبالة التي تؤذينا روائحها في الحياة السياسية العربية، ولدينا أكوام زبالة كثيرة يُسمَّى بعضها حكومات أو أحزابا أو مُنظمات، ولا نعرف كيف نكنسها من شوارع العواصم ومن مقرات الحكومات ومن شاشات التلفزة ومن الخطاب السياسي الذي يروج للنفايات البشرية.

ولدينا الكثير من الزبالة المجتمعية التي تحول أحياء ومناطق وتجمعات سكانية عربية إلى حواضن للإرهاب الظلامي والخطاب الدعوي التكفيري المعاصر الذي يروج للدخول إلى الجنة بالقتل والسرقة والاغتصاب، ولا نعرف كيف نكنس هذه الزبالة من أوساطنا ونخلص من عفنها.

ربما يمثل تراكم النفايات في شوارع بيروت مشكلة كبيرة للبنانيين، لكنها تظل في النهاية مشكلة خدمية قائمة في عواصم عربية كثيرة، ويمكن حلها بمنح يابانية أو أوروبية لشراء حاويات نفاية، واستصلاح أراض لتكون "محارق نفايات"، خاصة وأن الكثير من الدول العربية تحتضن محارق للنفايات النووية الأمريكية.. ويمكن اللجوء إلى حلول أكثر تقدما كإعادة تدوير النفايات وانتاج البلاستيك والورق من مخلفات الناس.

لكنَّ المشكلة الكبرى تكمُن في تراكم النفايات السياسية التي تزكم روائحها الأنوف، وتحول البلاد كلها إلى محارق للبشر، وتعيد تدوير نفسها لتنتج شخصيات بلاستيكية منزوعة الضمائر، تصيغ خطابا كاذبا وممجوجا يلوث ورق الجرائد.

مُشكلتنا مع النفايات كبيرة، وتبدو مستعصية على الحلول؛ لذا يحاول مئات الألوف من شباب العرب الوصول إلى بلاد خالية من النفايات حتى لو غامروا بأرواحهم في رحلة البحث عن الملاجئ النظيفة.. وها هم يموتون بالمئات غرقا في مياه المتوسط وعيونهم تظل مفتوحة باتجاه سواحل أوروبا.

كنا في الزمن الصعب نهتف للحرية ونناضل من أجل وطن حر ومستقل، لكننا في هذا الزمن المستحيل نعتف للنظافة ونناضل من أجل أوطان خالية من الزبالة.. بكل أنواعها.

تعليق عبر الفيس بوك