سالم الكثيري
تتميَّز السلطنة بوجود أعداد كبيرة من الثروة الحيوانية، والتي تمثل جزءا أساسيا من نسق الحياة الاجتماعية والثقافية والاقتصادية للمجتمع العُماني منذ القدم، ومع ما نشهده من تطوُّر في مختلف المجالات لم تنتهِ العلاقة بين المربين وحيواناتهم -سواء على مستوى الموروث التاريخي والارتباط النفسي أو على مستوى الواقع الاقتصادي- حيث لا يزال يعتمد الكثير من المواطنين على مهنة تربية الحيوان كمصدر رئيسي للدخل والمعيشة. وتشير الأرقام إلى أنَّ هذا القطاع يشهد نموًّا كبيرا عامًا بعد الآخر؛ حيث بلغت أعداد الثروة الحيوانية -وفق الإحصائيات الأخيرة للتعداد الزراعي 2013م- ما يزيد على ثلاثة ملايين رأس ليصل عدد الأبقار إلى 539507، مقارنة بـ301558 في تعداد 2004/2005م، وبنسبة نمو 12%. كما أنَّ أعداد الإبل ارتفعت إلى 242832 مقارنة بـ117299 في تعداد 2004/2005م، بنسبة 107%. أي ما يزيد على الضعف وهي زيادة مهولة تستوجب الوقوف عندها.
وتؤكِّد وزارة الزراعة والثروة السمكية -عبر صفحتها الرسمية- أنَّها تسعى لتطوير هذا القطاع وتنميته، خاصة مع توجه الدولة لإيجاد بدائل أخرى للنفط كمصدر رئيسي للاقتصاد الوطني، إلا أنه مع ما تبذله الوزارة الموقرة من جهود لم تصل النتائج إلى مستوى الطموح المنشود.
وتعتبر محافظة ظفار من المحافظات التي تشكِّل أعداد الإبل والأبقار نسبة كبيرة من ثروتها الحيوانية مع تميُّزها بالغزارة في جودة وإنتاج الحليب؛ حيث يمتلك الفرد الواحد أعدادا قد تصل إلى المئات بعكس طريقة التربية التي تعتمد على حظائر صغيرة بأعداد قليلة جدًّا في بعض المناطق الأخرى وليس أدل على هذا من القطعان التي تسرح وترعى في السهول والجبال صباح مساء، وبالإضافة إلى ما سبق فإنَّ هذه المهنة لم تعد مقتصرة على المربين التقليديين، بل أخذ أبناء المجتمع الآخرين -سواء كانوا أفرادا أو شركات أهلية- خاصة من فئة الشباب، يمتلكون أعدادا كبيرة من خلال عملية البيع والشراء. ولا يخفى على أحد الاستهلاك اليومي للحوم والألبان وزيادة الطلب عليها محليًّا من أبناء المحافظة أو خارجيًّا من خلال الموسم السياحي، وأن المجتمع بات مهيَّأ ومستعدًا للتعامل مع الطرق الحديثة في الإنتاج أكثر من أي وقت مضى.
... إنَّ الحديثَ عن إقامة مصنع للحوم والألبان ومشتقاتها حديثٌ ذو شجون؛ فكثيرا ما تكرَّر على لسان المسؤولين المعنيين خلال العقود الماضية، ثم ما تلبث أن تختفي هذه التصريحات عن المصنع ومشتقاته بطبيعة الحال، إلا أننا نرى في تصريح معالي الدكتور الساجواني وزير الزراعة والثروة السمكية -على هامش مؤتمر الإبل المنعقد في جامعة السلطان قابوس في العام 2012م- الجدية والتوجُّه الحقيقي لإنجاز المهمة. ولكن السؤال المطروح: أليست ثلاثة أعوام كافية ولو لوضع حجر الأساس للمصنع؟ ثم إلى أي مدى سيتم الإسراع في تنفيذه؟ إذا قلنا إنَّ السنوات الماضية كانت لدراسة الموضوع وجداوه الاقتصادية بتأنٍّ ورويَّة، أم أننا كدولة بكافة مقوِّماتها وثرواتها سنعجز عمَّا حققته شركة المراعي التي تجوب أساطيلها كلَّ بقاع الأرض في نجاح باهر يستحق التقدير والاستفادة من تجربتها.
وبعد انتظار لما يزيد على الثلاثين عاما، حان الوقت ليرى هذا المشروع الوطني النور، خاصة في ظل ما يفرضه الواقع من تحديات في توفير الأمن الغذائي والحاجة الملحة لصناعته محليا مع توافر كافة المعطيات من ثروة حيوانية كبيرة وزيادة في عدد السكان وسوق تقول كل المؤشرات إنها واعدة.