صندوق الزواج الموعود

أسماء القطيبي

قبل خمس سنوات من الآن خرج جمع كبير من الشباب في السلطنة مطالبين بمجموعة إصلاحات من ضمنها المطالبة بإنشاء صندوق الزواج. في نفس السنة صدرت الأوامر السلطانية بإنشاء الصندوق، وبعدها بسنتين -أي في عام 2013- حدد مجلس الشورى آليات وشروط صندوق الزواج، بما فيها كيفية توزيع المبالغ (المخصصة) لدعم المقبلين على الزواج. ومن يومها لا جديد يذكر بخصوص هذا الموضوع. وهنا يتبادر إلى الأذهان السؤال حول أسباب كل هذا التأخير في إنشائه، خاصة وأن السلطنة صرفت بلايين الريالات في إنشاء وتطوير مطارات وموانئ كميناء الدقم، ومشاريع ضخمة كمشروع الباطنة الساحلي تبدو أمامها تكلفة مشروع خدمي كهذا زهيدة جدًا.

إنّ هذا المشروع يمس حياة المواطن بشكل مباشر، لذا فقد قابل الناس خبر الموافقة على إنشائه بسعادة كبيرة، وكثر الحديث حول التسهيلات التي من المتوقع أن يقدمها، ومدى إسهامه في حل المشاكل التي تواجه الشباب المقبلين على الزواج من غلاء المهور، وارتفاع تكاليف حفلات الزفاف وصعوبة الاستقلال في منزل خاص. بل إن بعض الشباب عقد الآمال في الاستفادة منه، قبل أن يطول الانتظار ليصبح التأخير في تنفيذه مضربا للأمثال، ومجالا للتندر في أوساطهم. وهنا لا أنفي أن حل مشكلة ارتفاع تكاليف الزواج بيد المواطنين أنفسهم، ولكن بسبب العادات والتقاليد وبعض الآيدلوجيات الراسخة يحتاج المجتمع لوقت طويل حتى يتخلص من بعض عاداته كمظاهر الزواج التي لا داعٍ لها. ولعل صندوق الزواج ببرامجه التوعوية يستطيع أن يساهم في علاج هذا الأمر خاصة وأنه سيخاطب الشريحة المعنية مباشرة بوسائل مناسبة يضعها اختصاصيون.

الإمارات، واحدة من الدول الخليجية التي لها تجربة رائدة في صندوق الزواج الذي قامت بإنشائه منذ التسعينات، حيث يستفيد أبناء الدولة سنويا من الخدمات التي يقدمها الصندوق، سواء تلك المادية أم المتعلقة بالاستشارات للمقبلين على الزواج، ولا أجد أي مانع من نقل هذه التجربة من بلد مجاور نتقاسم معه الكثير من الأمور المشتركة، مع مراعاة خصوصية المجتمع والوضع الاقتصادي لها. كما أنّه من الصائب مشاركة القطاع الخاص في هذا الأمر، من خلال تنظيم الفعاليات والدورات وتقديم المراكز المتخصصة للاستشارات، أو حتى من خلال إسناد المشروع برمته إلى شركات القطاع الخاص، وهو ما يتوافق مع توجه الحكومة للخصخصة، خاصة في ظل الظروف الاقتصادية المقلقة التي نمر بها.

إنّ تقديم مشاريع البناء والتشييد على بناء الإنسان يعني أن ثمة خللا في ترتيب الأولويات. وهو ما لا يتماشى مع الرؤية التي وضعتها الحكومة قي بداية النهضة والتي تنص على أن الإنسان هو محور التنمية، فلو نظرنا لموضوع تأخر الشباب عن الزواج بسبب العراقيل المادية سنجد أنه يفرز آثارا سلبية على المجتمع، وهذه الآثار قد تصل إلى الجريمة، لذا فإنّ حل هذه المعضلة هو حل لمشاكل أخرى كثيرة، وصندوق الزواج هو استثمار للشباب وطاقاتهم في المشاركة الفاعلة في المجتمع مثل ما هو مشروع تكوين أسرة. كما أن هذا المشروع الذي سيخدم كل بيت على أرض الوطن تقريبا سيقرب بين الدولة والمواطن، لما سيلمسه المواطن من اهتمام بشؤونه.

ما زلنا ننتظر أخبارا قريبة عن بدء التطبيق الفعلي لصندوق الزواج، ونأمل أن يكون على قدر التوقعات بعد هذا الانتظار الطويل، وألا يقتصر دوره على المساعدات المادية للشباب المقبلين على الزواج فحسب، بل أن يقوم بتنظيم حفلات الزواج الجماعية في كافة مناطق السلطنة، وأن يقوم بدور تثقيفي واستشاري للشباب مثل الحث على فحص ما قبل الزواج ودورات في طرق الحوار والتعامل وغيرها. وإن كان المسؤولون الذين يملكون القرار يعيشون في مستوى رفاهية عال بحيث إنهم لا يرون أن إنشاء الصندوق أمر مستعجل، خاصة وأنه لا يزيد من أرصدتهم البنكية ومشاريعهم الاستثمارية، فإني أدعو هؤلاء إلى الخروج للشارع والتحدث مع الشباب سواء أولئك الذين تزوجوا منذ سنوات وما زالت الديون تثقل كاهلهم وتقض معيشتهم، أم أولئك الذين قرروا الانتظار حتى تسهل أمورهم من أجل الزواج ليدركوا أن الأمر جاد وأن الزواج يبدو في نظر البعض حلمًا ينغصه كابوس الواقع.

Asmaalqutibi@gmail.com

تعليق عبر الفيس بوك