"النسوية" (2-2)

عبيدلي العبيدلي

على نحو مواز لما جاء في ملف "النسوية" بشأن قضايا المرأة، وصورة لطيفة الزيات تزين صفحة البداية لمحرك البحث "غوغل"، هناك بصمات أستاذة فلسفة العلوم ورئيس قسم الفلسفة بكلية الآداب بجامعة القاهرة يمنى طريف الخولي في هذا المجال. ففي كتابها "النسوية وفلسفة العلم"، ومقالاتها الأخرى بشأن الحركة النسوية، تعتبر الخولي "الفلسفة النسوية واحدة من أبرز تيارات الفلسفة الغربية الراهنة، (وأنها) ظهرت لتعبر عن واقع المرأة في المجتمعات الغربية بين الماضي والحاضر والمستقبل، فشكلت بذلك محاولة تنظيرية جادة لمختلف القضايا التي تتعلق بوضع المرأة، سواء فيما يتعلق بحقوقها السياسية والاجتماعية، أو فيما يخص قضايا الهوية والجنوسة، أو فيما يتعلق بمسائل الأخلاق والعلم، والميتافيزيقا، والبيئة، والحضارة".

وبناء على ذلك، تعترف الخولي بوجود تباين بين التيارات التي تناولت قضايا المرأة، وانبرت للدفاع عنها. وهذا ما يجعل، حسب الخولي، من الصعوبة بمكان "الوقوف على تعريف جامع ومانع للنسوية، وذلك راجع، في اعتقادنا، إلى تعدد تيارات النسوية واتجاهات، فكما أن هناك نسوية ماركسية، هناك نسوية ليبرالية، ونسوية اشتراكية وأخرى راديكالية".

وفي السياق ذاته، تضع الخولي فواصل واضحة بين ثلاث موجات عرفتها الحركة النسوية، "لكل موجة من موجاتها مفهومها الخاص للنسوية يرتبط بمقولاتها وأطروحاتها، ومفاهيمها، فمفهوم النسوية في الموجة الأولى لا ينطبق على مفهومها في الموجة الجديدة (الثانية أو الثالثة)، إذ الموجة الأولى تنادي بالمساواة بين المرأة والرجل، فيما تنادي الموجة الجديدة بالاختلاف بينهما، ومفهوم النسوية الماركسية يختلف عن مفهوم النسوية الليبرالية".

ولربما هذا التوجه شجع كتاب يرصدون الحركة النسوية مثل الكاتب عن إبراهيم الناصر على الذهاب عموديا إلى أعمق من ذلك حيث يميز بوضوح "بين النسوية والنسائية، فالنسائية: هي الفعاليات التي تقوم بها النساء دون اعتبار للبعد الفكري والفلسفي، وإنما بمجرد أنها فعاليات تقوم بها المرأة بينما النسوية تعبر عن مضمون فلسفي وفكري مقصود حسب التعريف السابق". وقد نال واقع الحركة النسوية العربية المعاصرة اهتمام الكثير من المؤسسات الإعلامية، إلى جانب مراكز الدراسات والبحوث التي تعنى بقضايا المرأة، أو تلك التي ترصد الحالة الاجتماعية العربية. ففي حلقة نقاشية بثها "تلفزيون الجزيرة" القطري، وأدارتها لونه الشبل، وشاركت فيها كل من الناشطة في الحركة النسوية العربية عبلة أبو علبة، والقاضية تهاني الجبالي، ورئيسة محكمة وعضو لجنة صياغة المدونة المغربية لشؤون الأسرة زهور الحر، وبثت في 19/04/ 20014، كان هناك شبه إجماع على تراجع الحركة النسوية العربية من حيث الأنشطة والاهتمامات. هذا ما جاء في صدارة الحلقة عندما استهلت الشبل حديثها بمقدمة جاء فيها أن الحركة النسوية العربية "بدأت قومية وطنية في أوائل القرن العشرين واعتمدت مسار التنمية بعد تصفية الاستعمار وانتهت الحركة النسوية العربية في عهد العولمة ونظام القطب الأوحد إلى حالة من الضعف والتفكك بعد سلسلة من الاختراقات والخلافات، كما طال التفكك الاتحاد النسائي العربي المنبثق عنها بعد أن كان يمثل إطارا جامعا يتم من خلاله تحديد مواقف موحدة للمرأة العربية تجاه القضايا المصيرية للأمة الأمر الذي يدعو إلى التساؤل عن الأسباب الكامنة وراء هذا التراجع للحركة سواء في اتجاهاتها أو برامجها".

ولفتت تهاني الجبالي، إلى قضية في غاية الأهمية وهي أن "الحركة النسائية العربية تحاط بعدة حصارات تتصل بمحاولة تحريف أجندتها تمارسها بعض الدوائر الدولية، تحاط في بعض الأحيان بثنائية الجهود الحكومية والجهود الشعبية ومن سيهيمن على من ومن يعني يحتوي من". على نحو مواز يذهب تقرير التنمية الإنسانية الصادر في العام 2005، إلى أبعد من ذلك في تشخيصه للتراجع الذي باتت تعاني منا الحركة النسوية العربية، حين يرى "أن الحركة النسوية العربية نفسها تعاني من الانقسامات الاستقطابات الحادة على مستوى المجتمع الواحد / وعلى المستوى العربي عموما... هذه الاستقطابات هي التي تنتج ظواهر التطرف الفكري والسياسي والديني... وهي التي تؤدي الى تفتيت وحدة المجتمعات، بالضد من الديمقراطية، والاصلاح السياسي والاجتماعي الذي نادت به الحركة الجماهيرية العربية وناضلت من اجله منذ عشرات السنين." وفي سياق تشخيص مظاهر التراجع الذي باتت تعاني منه الحركة النسوية العربية تنقل إيمان أحمد ونوس مقطعا من أطروحة دكتورا لم تنشر بعد للباحثة خديجة العزيزي، تحذر فيها قائلة "أنه على الرغم من تطور الخطاب النسوي العربي في العقود الثلاثة الأخيرة من القرن العشرين، إلاّ أنه لم يرقَ إلى مستوى المذهب النسوي من حيث العمق الفكري والمعالجات الجّادة لمشكلات النساء، فليس هناك حضور للفكر الفلسفي فيه، باستثناء أعمال محدودة، وبقي في معظمه قراءات ذاتية تركز على ضعف واضطهاد المرأة واستغلالها". وفي نهاية الحديث لا بد من أن نعرج، ولو بشكل سريع مكثف على لطيفة الزيات، التي احتفى بها محرك البحث بنشر صورتها حاملة في يدها ورقة دون عليها اسم ليلى، "وهو اسم بطلة أشهر روايات الأدبية المصرية التي تحمل اسم (الباب المفتوح)، وهي الرواية التي تحولت إلى فيلم من بطولة فاتن حمامة وصالح سليم".

ومن الطرائف التي تروى حول شخصية الزيات زواجها من د. رشاد رشدي، الذي عرف عنه فكره، وسلوكه اليميني، في حين كانت الزيات، على النقيض منه، تنتمي للحركة اليسارية المصرية. لكنها بررت ذلك الزواج، في ردها على معارضيه قائلة "إنه أول رجل يوقظ الأنثى في". وكما يبدو، فإن لكل ارتباط اجتماعي تدخله الزيات قصة، فرغم عدم زواجها من خطيبها عبدا الحميد الكاتب، لكنه تأثر بها كثيرا، إلى درجة أنه تحدث عنها في مقال بالصفحة الأخيرة من جريدة (أخبار اليوم) حمل عنوان "خاتم الخطوبة". ثم جاء زواجها من أول شيوعي مصري يحكم عليه بالسجن سبع سنوات هو أستاذ العلوم أحمد شكري سالم، ليثير الكثير من الجدل في صفوف الحركة الأدبية المصرية.

تعليق عبر الفيس بوك