متى يفيق العرب من سباتهم؟

عبيدلي العبيدلي-

في خطوة كانت شبه متوقعة "وافق مجلس الوزراء العراقي بالإجماع بعد جلسة استثنائية يوم أمس على الحزمة الأولى من الإصلاحات التي قدمها رئيس الحكومة حيدر العبادي، وتضمَّنت إلغاء مناصب نواب رئيس الجمهورية التي يشغل أحدها رئيس الوزراء السابق نوري المالكي؛ وذلك ردًّا على احتجاجات ضد الفساد والنقص في الخدمات.

وتشمل إصلاحات العبادي إلغاء مناصب نواب رئيس الجمهورية ورئيس مجلس الوزراء فورا، وتقليص شامل وفوري في أعداد الحمايات لكل المسؤولين في الدولة وتحويل الفائض إلى وزارتي الدفاع والداخلية حسب التبعية لتدريبهم وتأهيلهم، وفتح ملفات الفساد السابقة والحالية تحت إشراف لجنة عليا لمكافحة الفساد تتشكل من المختصين، ودعوة القضاء إلى اعتماد عدد من القضاة المختصين المعروفين بالنزاهة التامة للتحقيق فيها ومحاكمة الفاسدين. كما تتضمَّن إلغاء المخصصات الاستثنائية لكل الرئاسات والهيئات ومؤسسات الدولة والمتقاعدين منهم، وتنص الاصلاحات على إبعاد جميع المناصب العليا من هيئات مستقلة ووكلاء وزارات ومستشارين ومديرين عموم عن المحاصصة الحزبية والطائفية، وتتولى لجنة مهنية يعينها رئيس مجلس الوزراء اختيار المرشحين على ضوء معايير الكفاءة والنزاهة".

كان لا بد من نقل هذا المقتطف الطويل كي نتمكن من رسم صورة واقع النظام العراقي الراهنة بعد التطورات الأخيرة التي عرفها العراق خلال السنوات القليلة الماضية، والتي قادت إلى تغييب الدولة كمؤسسات وسلطة تفرض وجودها على كامل التراب العراقي.

ويرجع البعض هذا الواقع المرير الذي يعيشه العراق إلى عشية إعلان الرئيس الأمريكي باراك أوباما عن سحب القوات الأمريكية من العراق، لكن منطق التاريخ يؤكد على أن جذور هذا التدهور بدأت لحظة دخول قوات الرئيس العراقي صدام حسين الأراضي الكويتية، وإعلانه ضم الكويت إلى العراق.

ولكيلا تحرفنا نقاشات "شرعية" هذه الخطوة من "عدم شرعيتها"، فهذا ليس موضوعنا اليوم، نرصد هنا تداعيات ذلك الغزو على الدولة العراقية، وتبعاتها الذي بدأت تنشب أنياب الوهن في جسدها. يشخص تلك التداعيات الباحث المصري حازم الببلاوي حين يقول "ولست أشك أن أكبر خسارة منيت بها الأمة العربية المعاصرة في مجموعها جاءت في أعقاب واقعتين، الأُولى هي هزيمة 1967، والثانية غزو العراق للكويت في 1991، (مضيفا) وبعد إخراج العراق من الكويت في حرب الخليج الأُولى، ضعف النظام العراقي وأصبح مطمعاً للتدخل الأجنبي في شؤونه وفرضت العقوبات الاقتصادية عليه، وانتهى الأمر بإعلان الحرب عليه واحتلاله في حرب الخليج الثانية بمئات الآلاف من القوات الأجنبية مع تدمير معظم عناصر بنيته الأساسية فضلاً عن مئات الآلاف من القتلى والجرحى. وقد تم كل ذلك لأسباب ومبررات تبين أنها مزيفة وغير حقيقية، وأن السبب الحقيقي هو الضعف العام للنظام العربي الذي شجع الأطماع الخارجية".

ومرة أخرى، لن نرهق القارئ بتفاصيل تطور الصدامات العسكرية التي عرفها العراق خلال السنوات التي تلت سقوط نظام صدام حسين، وسوف نكتفي بمحصلتها التي جاءت على لسان رئيس المركز الأوروبي العربي لدراسات مكافحة الإرهاب جاسم محمد في حوار له مع DW العربية، حيث قال "أن الجيش العراقي يشهد ضعفا عاما في مفاصله، فانهيار الجيش العراقي، بعد سقوط نظام صدام حسين عام 2003 لم تتبعه أية جهود حقيقية لإعادة بناء الجيش على أسس قوية وحديثة، حيث لعبت المحاصصة الطائفية، وسياسة الدمج الخارجي (إدخال مجندين للجيش بوساطة الأحزاب والقوى السياسية) دوراً كبيرا في إضعاف الروح القتالية للجيش، وربط ولائه بالأحزاب والأشخاص، ما جعل الجيش العراقي يفشل في فرض نفسه على ساحة المعركة، (منوها إلى) أن ميزانية الجيش الضخمة ( 25 مليار دولار للعام 2015 ) لم تنجح في بناء جيش قوي".

وليس هناك من بوسعه نفي أهمية ودور المؤسسة العسكرية، في حال غياب مؤسسات المجتمع المدني الأخرى، في فرض هيبة الدولة، وقدرتها على بسط نفوذها. فبوسعنا إدراك دور الضعف الذي يعاني منه الجيش العراقي في "تغييب دور الدولة وحضورها"؛ الأمر الذي من شأنه تشجيع القوى الخارجية على دس أنوفها في الشؤون الداخلية لدولة مثل العراق، وهو ما تشهده الأوضاع في العراق اليوم.

هذا على مستوى الدولة وأهم مؤسساتها وهي المؤسسة العسكرية، يقابله على الضفة الأخرى الضعف الذي لم تستطع أن تعالجه القوى السياسية المعارضة، وهو ما يشير له بوضوح الكاتب راسم قاسم حين يشخص المعالم والأسباب الرئيسة لهذا الضعف بالقول "طغت البرامج السياسية للأحزاب على برامجها من أجل الديمقراطية، وتمت التضحية بالأخير لمصلحة البرنامج السياسي والمعادلات السياسية التي ترتأيها قيادات الأحزاب بحيث ضحت قيادات الأحزاب بأسس الديمقراطية والتطلع الديمقراطي في سبيل ما كانت تعتقده من ضرورة لتطور البلد، لقد عبر هذا الموقف من الاستهانة بالديمقراطية باعتبارها ليست من اوليات العمل بأشكال مختلفة ومن قبل مختلف قيادات الأحزاب التي تدعو برامجها للديمقراطية.... ما حصل هو التأكيد على النضال والعمل السياسي الوطني من دون ألأخذ بنظر الاعتبار كونه ديمقراطي أو غير ديمقراطي".

وليس العراق الدولة العربية الوحيدة التي تعاني من مظاهر الضعف التي تعبر عنها الأزمات المتلاحقة التي تعصف به. بل ربما أضحى الضعف ظاهرة تفرض نفسها على العديد من الدول العربية كل على حدة، بل وتشكل هاجسا قوميا على النظام العربي برمته، الأمر الذي يحوله إلى لقمة سائغة للدول الإقليمية المجاورة له، والدولية التي لها مصالح اقتصادية واستراتيجية في تعميق أسباب ذلك الضعف.

وعليه؛ فليس من المتوقع أن تنتشل هذه الإصلاحات، مهما بدت جريئة وعميقة العراق من أزمته. والأمر ينطبق على سائر الدول العربية الأخرى. والسؤال المصيري هو: متى يفيق العرب، قادة وشعوبا من سباتهم كي يميزوا بين خلافاتهم الداخلية الثانوية، وصراعاتهم الخارجية الاستراتيجية، وليس العراق سوى النموذج الأكثر وضوحا لهاذ السبات العربي. ونكرر هنا ما أشار له الببلاوي بأن "السبب الحقيقي هو الضعف العام للنظام العربي الذي شجع الأطماع الخارجية".

تعليق عبر الفيس بوك