موجة حارة.. مزاج بارد

فؤاد أبو حجلة

موجة الحر التي تجتاح معظم المنطقة العربية منذ أسبوع حولت العرب إلى أمة "تتقلب على جمر النار" ليس من الحب الذي وصفه بيرم التونسي، ولكن من سخونة الجو التي تواءمت مع سخونة الواقع الأمني والسياسي في بلادنا.

بلغت درجات الحرارة مستويات غير مسبوقة، وسارعت الحكومات إلى تحذير مواطنيها من مغبة الخروج من منازلهم، ومنحت الموظفين إجازات طارئة، وأغلقت متاجر أبوابها، وتوقفت شركات عن العمل، وغاب التلاميذ عن مدارسهم، وبدا وكأن البلاد في حالة حرب.

انعكست موجة الحر على المزاج العام، وشهدت دول عربية ارتفاعا ملحوظا في الشجارات الفردية والجماعية بين الناس، وارتفع مستوى التذمر والشكوى بين ملايين العرب في شرق المتوسط، وانخفض الإنتاج إلى مستويات غير مسبوقة أيضًا!

ما الذي حدث بالضبط؟ ولماذا نعلن الاستنفار العام بسبب الحر صيفًا وبسبب البرد شتاء؟ وهل ينبغي أن يخضع نظام المجرة لرغبتنا في طقس معتدل؟!

لدينا ميل شديد إلى المبالغة في كل شيء، ولدينا قدرة مثيرة للحسد على تضخيم الأمور، بحيث نقنع أنفسنا ونقنع العالم بأن موجة الحر الأخيرة تستدعي حظر التجول في عواصم العرب، رغم امتلاكنا كل وسائل الرفاهية وانتشار أجهزة التبريد والتكييف في منازلنا ومكاتبنا وأسواقنا وسياراتنا.

ولدينا ازدواجية مخجلة في التعاطي مع الطارئ والمؤقت، فنحن نهجر المكاتب والمصانع والمدارس والجامعات في حر الصيف وبرد الشتاء، لكننا نقبل على المقاهي بغض النظر عن ارتفاع أو انخفاض درجات الحرارة. ونحن نتوقف عن العمل وعن الحياة في موجة الحر، لكننا نواصل الانخراط في الحروب الغبية التي يموت فيها الناس مجانا في بلادنا العامرة بالشعارات.

حاولت أن أخرج عن النص الجمعي، وأن أواصل حياتي بروتينها الممل بعيدا عن الاستنفار الاستعراضي والتضخيم المستفز، فغادرت بيتي المكيف إلى مكتبي المكيف في سيارتي المكيفة، لكنني لم أجد أحدا من زملائي الذين اختاروا البقاء في بيوتهم اتقاء للحر وخوفا من ضربات الشمس!.

في الواقع، لم تكن حرارة الجو وراء غياب ملايين العرب عن وظائفهم وأعمالهم، لكنه الكسل المتأصل في النفس، والرغبة بكسر الروتين ليس من أجل المغامرة ولكن من أجل الاسترخاء والمزيد من الكسل المحمي بقرارات حكومية. كان المطلوب أن يتكيف الطقس معنا، لا أن نتكيف معه، ولو فعل الروس ذلك في شتائهم القارس والطويل لما استطاعوا الحياة ناهيك عن المنافسة على صدارة العالم والسيادة على الأرض.

وكان المطلوب أن تنتهي الانفجارات الهائلة على سطح الشمس لكي نواصل حياتنا، لكننا نواصل هذه الحياة في ظل الانفجارات الهائلة التي تشهدها بلادنا المتورطة في الحروب الغبية التي تحصد أرواح مئات الألوف من الأبرياء الذين يقضون في المواجهات الدائرة صيفاً وشتاء بين قوى القمع وقوى التخلف والظلام.

مرة أخرى نثبت لأنفسنا وللعالم بأننا أمة رومانسية تتقلب على جمر النار وتتغنى بالنجوم وأقمارها في الأشعار والأغنيات العاطفية، لكنها تخشى النجوم ونار حرها في موجة حر عابر يعيشها الآسيويون والأفارقة في كل صيف.. ولا يتذمرون.

لقد تغيرنا كثيرا، ويبدو أن الوهن الذي أصاب العقل العربي أصاب الروح أيضًا، لأنّ أجدادنا الذين وصلت فتوحاتهم أقاصي الدنيا خرجوا من الصحراء الملتهبة ولم يكن أسامة بن زيد وطارق بن زياد وعبد الرحمن الداخل إلا من هذه الصحراء التي حكمتها حرارة الروح ولم تستكن لحرارة الطقس.

كان ذلك في زمن لم تكن فيه البلاد مهربة كصناديق الشاي، ولم تكن الروح محاصرة بقروض البنوك.

لم أتأثر بموجة الحر، واحتفظت بمزاجي البارد بفضل أجهزة التكييف.. وأدين بذلك إلى ويليس هافيلاند كارير مخترع تقنية تبريد الهواء.

بالمناسبة، هل تجوز الرحمة على كارير؟

تعليق عبر الفيس بوك