"نحنُ" المتشظية

أمل بنت عامر السعيدية

من الغريب جداً، أن يتم تحديد معايير التقدم في حقوق الإنسان من دول قامت حضاراتها على الاستعمار وعبودية البشر، واليوم لا تكف أبداً عن التدخل في الشؤون الداخلية لدول كثيرة بغية الحفاظ على النظام الاقتصادي القائم. وذلك لأنّ بقاء هذا النظام ينطوي عليه بقاء هذه الدول كقوى عظمى. ليس هذا فحسب، بل حولت هذه الدول اليوم أي صراع إلى صراع بين الحضارات خصوصاً عندما يتعلق الأمر بالإسلام، والحضارة الهندية واليابانية وغيرها. عندما استعمرت الدول الأوربية الكثير من المناطق الخالية في إفريقيا اختلقت حسبما يعبر إدوارد سعيد نظريات ثقافية لتبرير هذا التصرف، وكان في ذلك الحين: "مهمة التمدن". أي أن هدفاً نبيلاً وراء فرض هذه الدولة لسيطرتها. وها هي اليوم تضعنا جميعاً في ملعب الحضارات هذا، بغية تبريرها للاستيلاء ومن باب الشعور بالتفوق بالنسبة لها كحضارة. "وحادثة شارلي ايبدو" وهي صحيفة هزلية تمت مهاجمتها من قبل متطرفين بحجة الإساءة للرسول عبر رسومات "كاريكاتير" مثال جيد لتوضيح هذه المعضلة، حيث حمل الخطاب بعدها عداءً للحضارة الإسلامية واتهاماً لها، متناسين أنّها غير متجانسة كحضارة، وأنّ أيّ ثقافة بالضرورة تتمتع بالحيوية، أي لا يمكن بأيّ شكل من الأشكال تحديد مناطقها أو حدودها المميزة، والإسلام حضارة بها تنوع مدهش من الثقافات والمذاهب يكاد لا يوجد انسجام تام بها فمن الصعب بمكان أن تضع مليار مسلم من خمس قارات في جملة اختزالية صغيرة كـ "الحضارة الإسلامية". وأن تتهمه كما لو أنّه يمثل شخصًا واحدًا فقط. فلماذا علينا كمسلمين إذن سواءً كنا نعتنق الإسلام ديناً أو ثقافة، أن ننجر للدفاع باستماتة عن أنفسنا؟ في الواقع لسنا في حرب بين الـ (نحن وهم)، فهذه النحن متشظية. لابد وأن نعترف بذكاء هذه السلطة التي تحاول استغلال هذه المواقف التي تضفي الشرعية على نهجها ذلك الذي نجده مكرساً في الشرق الأوسط بداية بفلسطين. وكان من نتائج هذا الصراع المختلق، أن تبدأ هذه الحضارت المتخيلة بمحاولة صناعة موقف شخصي منفصل يستطيع أن يكون بمثابة الند للحضارات الأخرى، ومن هنا تمت إثارة العصبيات القومية، فالهند على سبيل المثال توجهت لهذا بعد قرن من استعمارها، ونحن اليوم كمسلمين نتصارع من أجل هذه المركزية التي تستطيع أن تظهر بصورتنا، تمثلنا، وأن يكون ثمة متحدثين رسمياً باسم هذا الاسلام، ونتوسل بهذا مواجهة هذا التعدي الفج في كل من فلسطين ولبنان والعراق وسوريا وغيرها.

لطالما كان الخطاب الذي يدعونا للعودة للإسلام الصحيح حاضراً حتى نتمكن من التمثل له وبالتالي القدرة على مواجهة أي محاولة اعتداء، وأعتقد أن هذه العودة، هذا النكوص، هو أحد أهم المسببات التي أنتجت الحالات الأصولية المتطرفة والصراع على التعريف الأمثل للإسلام. ليس هذا فحسب، بل واعتمد الفصل العنصري في كثير من المواقف على هذه الحدود الحضارية المتخيلة، وأنه لمن السخرية أن نتجاوز تلك القراءات التي تدعي أن ثمة سمة لحضارة يجعلنا نقذف بها في فهمنا وفي فعالية السلطة التي نحركها إلى جانب واحد من هذا العالم. فإدوارد سعيد يقول حول هذا إن من هذه القراءات ما قيل عن الصينيين في وداعتهم مما يعني إنهم موجودون على هذه الارض للعمل في مصانع الإنتاج، وأن الرجل الاسود يتمتع بقوة كبيرة ولهذا يتوجب أن يكون عبدا إلى نهاية التاريخ. وها نحن اليوم كمسلمين، إرهابيين ويمكن تبرير الحيازة على الثروة الطبيعية في أراضينا بل وعلى اراضينا وعلينا بحجة مقاومة هذا الارهاب. اذا كنا في المجتمع الواحد لا نستطيع ان ندعي وجود معالم مميزة، فهنالك ثقافة رسمية يمثلها الأكاديميون والدولة وغيرهم وجماعات أخرى مناهضة وجماعات مستقلة، ويمكننا بنظرة فاحصة أن ندرك أننا اليوم لا نمتلك هوية ثابتة، وفي ظل العولمة وأدواتها، يمكننا ببساطة أن نجد مواطنا على هذه الأرض لكنه لا يتحدث العربية على سبيل المثال، وكمثال آخر على هذا يقول إدوارد سعيد: إن ثمة تواصلا دائما بين هذه الثقافات حتى وإن كان صامتاً، "فهذه الحقيقة حاضرة في الأدب، فقراء غارسيا ماركيز ونجيب محفوظ لا ينتمون فقط للحدود الثقافية والقومية التي تفرضها اللغة والهوية لهؤلاء الكتاب" . لسنا في حالة صراع، وعليه يجب أن يكون ثمة انفتاح على آخر، ليس انفتاحاً ساذجاً كما يعبر إدوارد سعيد، لكنه رغبة حقيقية في معرفة الآخر.

هنالك حقيقة انتشرت بين الأدباء وأجدني أؤمن بها، وهو أن محلية أي نص أدبي تضعه في مراكز متقدمة من حيث القيمة، فهنالك توق حقيقي لمشاهدة الآخر عن قرب، لا أتحدث عن القيمة داخل نفس المجتمع الذي خرجت منه تلك الكتابة وإنما خارج هذا المجتمع. قرأت قبل أكثر من سنتين رواية الحزام للسعودي أحمد أبو دهمان وهي رواية عن قرية سعودية نشهد فيها ظهور قصص إنسانية مؤثرة، أنهيت هذه القصة في رحلة لجبال الحجر، وكم تخيلت أنني في تلك القرية وأن هذه الجبال هي نفسها تلك التي في أبها بالمملكة العربية السعودية. ثمة انفتاح كبير نشهده اليوم ونعيشه ولا يمكن لأي سلطة أن تقنعنا بما هو دون ذلك .

amalalsaeedi11312@gmail.com

تعليق عبر الفيس بوك