في بيتنا عاملة!

مريم العدوي

بات من اللافت للنظر أن عدم وجود عاملة في المنزل هو الاستثناء عِوضا عن العكس. حيثُ لا يكاد يخلو حي سكني من مجموعة ليست بالقليلة من عاملات المنازل مختلفات الجنسية. وبات من المهم أن يكون أهل البيت على وعي بتبعات الأمر، فلا يبدو الأمر سهلا بعد إجراءات الاستقدام وتوفر راتب العاملة وحسب كما يظن البعض.

فوجود فرد مختلف وغريب يشارك أفراد الأسرة أدق تفاصيل يومها أمر بالغ الأهمية وحساس ويؤثر في كل مناحي الحياة، بل ويمتد تأثيره على تربية الأطفال من غير أن ندري.

لعدة أسباب قد يكون وجود العاملة أمراً ضرورياً ولا غنى عنه، ولا بأس بوجودها لترفع بعض العناء عن ربة المنزل بما أنّ الأسرة قادرة على ذلك، وهذا جيد من ناحية أخرى لتتفرغ ربة المنزل لمهام أكثر أهمية من التنظيف كتربية الأبناء واستذكار الدروس معهم. ولكن لابد من وضع أُطر وقوانين حتى تمشي الأمور على ما يرام ولا يصبح لوجود العاملة في المنزل سلبيات أكثر من الإيجابيات ونحصد ما لا تُحمد عقباه في النهاية.

فلا ينبغي تعويد الأطفال على الاعتماد على العاملة في التفاصيل البسيطة في الحياة؛ فكثير من الأهل يميلون إلى رفع أيديهم من العديد من المهام البسيطة بحجة وجود عاملة!.

والطفل يتعود على أن هناك من يخدمه ولا يحاول أن يقوم بأي شيء مهما كان تافهاً كترتيب سريره مثلاً.

وأيضًا بعض الأمهات تُلقي بكل مهامها على العاملة متفرغة هي إلى ما يرفه عنها طيلة الوقت، بل وتكلف العاملة بأمور لا يشرعها العقد المبرم بينهم وبين مكتب الاستقدام؛ فتصبح العاملة (عبدة) عليها أن تكون في أتم الاستعداد والجاهزية متى ما تمت مناداتها، فهي التي تنظف وتطبخ بل وترعى الأطفال وتقوم بكل شيء!.

ولأن مجتمعاتنا ما زالت فقيرة من البنية التحتية التي تخدم هذه الفئات، فإنّ من واجب الأُسر التي لديها عاملات أن تُدير عجلة الأمر بحكمة واتزان. فلا ينبغي الاعتماد الكلي على العاملات لدرجة تفقد الأمهات الصورة التي ينبغي أن تكون عليها، بل على الأم أن تشرف على كل شؤون منزلها بنفسها ولا تسمح للعاملة بالدخول في تفاصيل حياة الأبناء، وليكن عمل العاملة مقتصراً على كونها مساعدة للأم في بعض شؤونها لا أن تقوم بشؤون المنزل بنفسها. فتبقى الأم هي من تطبخ وتدير المنزل وترعى الأبناء وبالتالي تبقى صورتها محفوظة بكامل قدسيتها في قلوب وعيون أفراد الأسرة، وأيضاً يسمح لها الأمر بمعرفة كل تفاصيل حياة أبنائها كما ينبغي.

فللأسف في بعض الأُسر فقدت الأم أهميتها حيثُ يطلب الأبناء مباشرة ما يريدونه من العاملة، بل وأصبحت العاملة هي التي تعلم ما لا تعلمه الأم عن الأبناء، كيف لا وهي التي تطعم الأفواه وتحمم الأجساد وترفرف كالفراشة المراقبة طيلة الوقت على رؤوس الصغار!.

وهنا متى ما غابت الأم كان غيابها وحضورها واحداً، فلعمري الحنان والأمومة لا يقتصر على وضع الأبناء ولا توجيه الأوامر، ففي الطبق الذي تضعه الأم لأطفالها وقد قضت وقتها في إعداده بكل حب، حُباً وحناناً يستشعره الأبناء ولا نكذب من بلغ به العُمر عتياً وما زال يقول بأن طعم طبخ والدته للتو ما زال عالقاً في ذهنه وهو الأحب لقلبه. كما أنّ وجود العاملة يُعطي الأبناء فرصة ليختبروا إنسانيتهم وأخلاقهم حسب ما يرشدهم به الأهل تجاهها. ومن هنا بات من المهم أن يكون للعاملة أوقات عمل وراحة وخصوصية واحترام متبادل، وبهذا يتعلم الطفل حفظ حقوق الآخر والكثير من المبادئ والقيم. تقول اليزابيث تانغ من الاتحاد العالمي لعمال المنازل: "عاملات المنازل هن أكثر نوع من العمال عرضة للاعتداء؛ لأنهن الأكثر خفية وعزلة، وفي الغالب يكن من الأقليات أو المهاجرين".

تلك التي تمشط البيت جيئة وذهاباً بالأوامر، التي تعرف كل شيء قبل أصحاب البيت، والتي تدرك أسرار ما خلف الجدران، تحمل وتضع هنا وهناك كل اللمسات لا يمكن أن يكون وجودها ورحيلها واحداً، ستغرس الكثير في نفوس أطفالك بل وفي نفسك كذلك. كيف لا وبوجودها تصبح عجلة الحياة في أحسن حركتها، وكل شيء في مكانه وعلى أكمل وجه، بينما في غيابها ينقلب البيت رأساً على عقب ويصبح نظام البيت مختلاً!.

تعليق عبر الفيس بوك