التقوى والمواظبة على صلاة الجماعة وتلاوة القرآن أهم مكتسبات الشهر الكريم

مسقط - فيصل الكندي

نودِّع رمضانَبقلوب يملؤها الحزن على أمل اللقاء به في العام المقبلإن أمدَّ الله في أعمارنا بعد انقضاء الأيام المعدودات، دون أن نشعر بها والتي نسأل الله تعالى أن يتقبل منا ومنكم صالح الأعمال وأن يتقبل صيامنا وقيامنا ودعائنا. وبلا شك أنَّ كلَّ عاقل حريص كل الحرص بأن يخرج من رمضان بمكتسبات ثمينة تكون له زادا لأحد عشر شهرا قادمة، ويتمسك بها أشد التمسك وألا يفرط فيها مهما حصل؛ فهي رأس ماله والسراج المنير الذي يستضيء به.

ومن بين تلك المكتسبات: "التقوى"؛ فالهدف من الصيام هو الحصول عليها وتحقيقها في الحياة؛ بحيث يكون العبد ربانيا يُراقب الله تعالى في السر والعلن، وفي المنشط والمكره، يشعر بمراقبة الله تعالى له ويستحضر يوم الحساب في مخيلته، ويجعل القبر أمامه وملك الموت خلفه، وفي هذا وذاك هو منطلق في الحياة يضع بصمته فيها من خلال مخالطة الناس وإعطائهم حقوقهم والحذر من ظلم الناس وجميع المعاصي التي تفتك بالتقوى أشد الفتك فلا تبقي لها باقية. وكذلك "صلاة الجماعة" هي من أكبر مكاسب رمضان فخلال 30 يوما حرصنا جميعا على أداء الصلوات جماعة وفي أوقاتها وبالخضوع لله تعالى والخشوع له رغم أننا صائمون ونؤدي أعمالنا ومسؤلياتنا، إلا أننا كنا مُصرِّين أشد الإصرار على ألا نتركها وفي المسجد فالصائم يشعر برغبة قوية في التزود من العمل الصالح، وهذه الرغبة يجب ألا نفرط فيها ونقطعها بمجرد انتهاء شهر رمضان؛ بحجة أن شهر الأجور قد انتهى، بل يجب أن نحافظ عليها كما أمرنا الله تعالى بذلك؛ فصلاة الجماعة واجبة على الرجال في المسجد إلا من عذر، وبمحافظتنا عليها في رمضان رغم الجوع والعطش وكثرة أعمالنا وضيق الوقت لهو دليل على أننا قادرون على أن نحافظ عليها ونحن غير صائمون وليستشعر كل واحد منا تلك اللحظات الايمانية ونحن نصلي ونركع ونسجد وندعو ثم نتركها ونحن الفقراء الى الله وهو الغني عن عباداتنا.

وكان للقرآن الكريم نصيب الأسد في الاهتمام فكنا نتلوه ليلا ونهارا وفي كل وقت وحين؛ فهذا شهر أنزل فيه القرآن؛ فجدير بنا أن نهتم به ونتلوه آناء الليل وآناء النهار فهو رسالة المولى -جل جلاله- إلينا جميعا ليكون دستورنا ومشروعَ حياة لنا وقائدنا إلى الخير ومنجاتنا من الهلاك؛ فهنيئا لمن تمسك به بعد رمضان وجعله أنيسا له وجلسيا في كل وقت وحين وألا نكون ممن اتخذ القرآن مهجورا.

والعاقل اللبيب هو من يرقى بنفسه إلى المعالي، ولا يرضى بالدون من الأحوال، فإن العمر قصير والزاد قليل والسفر قريب؛ فحريٌّ بك أيها الإنسان الضعيف أن ترحم نفسك وتشفق عليها من الهلاك والبوار ان أعمال الاسلام قليلة، ولكن أجورها عظيمة فالصلاة: كم دقيقة تأخذ من وقتك؟! إن زادت فهي ربع ساعة، والصيام: ما هي المعاناة التي تعانيها فيهوأنت تعمل تحت المكيف وتسير في الطرقات وسط المكيف وتسكن في بيت يحتوي أنواعا من المكيفات وتذهب للتسوق وسط المكيفات؟! وتلاوة القرآن الكريم: كم ستأخذ من وقتك لو تلوته قبل الصلوات أو بعدها مع تدبُّر آياته ومدارسته وفهم معانيه وحفظه إن أمكنك ذلك؟!

... رحل عنا رمضان، لكنَّ الله باق، والآن يبدأ مشوار تطبيق ما تعلمناه في مدرسة الصيام؛ فالله -سبحانه وتعالى- لم يفرض علينا صيام شهر رمضان لمجرد الصيام فحسب، وإنما حتى تتهذب النفوس وتصفى القلوب وتستقيم الجوارح وتتقوى علاقة العبد بربه؛ فهذه المعاني يجب أن تستمر معنا وألا نفرط فيها بعد رمضان؛ فالله تعالى لا يعبد ويتقرب إليه في رمضان فقط، وإنما هو مستحق للعبادة ما تعاقب الليل والنهار، إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، والرمضانيون عليهم أن يتقوا الله ويتأدبوا مع الله -جل جلاله- فالله غنيٌّ عن عبادتنا وهو المستحق للعبادة يعبد في كل وقت وحين وليس في رمضان فحسب، على الجميع أن يراجع نفسه ويصحِّح المسار قبل أن يأتي الأجل..ولات ساعة مندم.

تعليق عبر الفيس بوك