مختصون: العروض الفنية العمانية مفاجأة الدورة التاسعة بمهرجان الرباط لفلكلور الطفل

سفير السلطنة: أول عروض فرقة أهلا جسّد ملامح الهوية العمانية في أجمل حللها

رويجل: الفرقة العمانية تظهر العديد من مفاجآتها الفنيّة تباعًا في ليالي المهرجان

المحيوتي: العرض العماني لم يقتصر على المسرح وإنما امتد إلى المدرجات

باكوري: الطفل العماني قادر على نشر ثقافة بلاده بكل وبراعة متى وجد العناية والدعم

مسقط - الرؤية

انطلقت أولى ليالي المهرجان الدولي لفلكلور الطفل الفنية، بالمغرب، الذي تنظمه جمعية أبي رقراق في دورته التاسعة، بمشاركة 25 دولة ناطقة بخمس لغات، العربية والفرنسية والإنجليزية والإسبانية والأمازيغية، وصاحبه حضورٌ بارزٌ لكبار المسؤولين والسفراء والفنانين والمشتغلين بفلكلور الطفل بمختلف أنحاء العالم، وعلى رأسهم رئيس فيدرالية فلكلور الطفل الفنان الروسي رينات حبيب الله، الذي قلد مدير المهرجان "الحاج رويجل" أثناء حفل الافتتاح وسام الشرف من الدرجة الأولى.

وعلى مقربةٍ من أبرز الأسواق الشعبية في العاصمة المغربية "الرباط"، وسط تحفةٍ معمارية مدهشة، وقبالة الأزقة والأحياء الشعبية التي تفوح منها رائحة الأصالة على مدخل باب المريسة الأثري؛ ووسط الحشود الهائلة التي زحفت من مختلف المدن المغربية للاستمتاع بمشاهدة الفلكلور العالمي الذي يقدمه الأطفال بلغة السلام والمحبة والتسامح، قدمت العديد من الأسر العمانية الزائرة والمقيمة بالمغرب لمشاهدة وفد السلطنة وهو يشارك في هذه التظاهرة الثقافية الكبرى، ملتفةً حول براعم فرقة أهلا لفلكلور الطفل العماني وهم يقدمون طليعة أعمالهم ومشاركاتهم الفنية الدولية.

لوحة ناطقة

وساهم التنظيم الجيد، وخبرة الدورات السابقة، من انتقاء أماكن العروض بعناية، في ظهور المهرجان بصورة مميزة، فالموقع الذي أقيمت فيه أولى الليالي الفنية لوحده يعد فلكلوراً ناطقاً بمعاني الدهشة والجمال والإبداع، إضافة إلى حماسة الدول العارضة في تقديم فلكلورها في أجواءٍ مثالية، حيث تحولت جميع المساحات المفتوحة على الهواء الطلق إلى مقاعد تعج بالمتلذذين والمهتمين والهواة والعامة، في منظرٍ لا يتكرر إلا في مهرجاناتٍ عالمية ضخمة تحمل ذات القيمة الفنية العالية.

وتميزت كل دولةٍ بطابعٍ خاصٍ لها، بعضها شارك من خلال مدارس استعراضيةٍ عريقة؛ لكنما الحضور كان متشوقاً لرؤية الزائر الجديد وهو يعرض بضاعته الثمينة، من خلال دخول الطفلة فرات بنت خليفة الهنائي وهي تحمل مبخرةً تلوح بها بطريقةٍ ترحيبية، ليدخل بعدها مجموعة من الأطفال من الجنسين، وهم يرتدون أزياءهم التقليدية الجميلة، ليؤدوا رقصةً عمانية امتزجت فيها العديد من الفنون العمانية المختلفة في قالبٍ عصريٍ أنيق، مع المحافظة التامة على الهوية والطابع الخاص.

دلالات تاريخية

وتفاعل الحضور مع اللوحة العمانية كثيراً، واستطاعت فرقة أهلاً لفلكلور الطفل العماني من إيصال ملامح الشخصية العمانية، من خلال الإيحاءات والحركات التي ترمز لمعانٍ خاصة، من بينها دخول الطفلة وهي تحمل "المجمر" وتضوع منه رائحة اللبان الزاكية، في دلالةٍ إلى تاريخية السلطنة في تصدير اللبان إلى أغلب موانئ العالم قديما، كما أنها تحمل دلالة أخرى على استقبال العمانيين لضيوفهم بالطيب والبخور، وهو ما اجتهدت الطفلة العمانية في إيصاله للحضور من خلال حركات اليدين واذكاء جذوة البخور طيلة العرض، وهي تسلم وتدعو الجميع إلى الاستئناس بجمال الرائحة وعبق التاريخ وجلال الحضارة.

ونقل أطفال السلطنة في هذا العرض تفاصيل الفن في حياة العمانيين، وارتباطهم بالأرض والهوية والمحيط العام الذي يعيشونه، من خلال الدقة المتناهية في تجسيد رسائلهم، بدءاً من "النظام" الذي أداروا به سير الرقصة، رغم تحولاتها ونقلاتها الكثيرة في زمنٍ قصيرٍ من العرض، إضافة إلى تمسكهم بالزي التقليدي الذي لم تطاله يد المدنية، ورغم صخب المهرجان والعروض الحركية الكبيرة التي قدمت، إلا أن الرقصة العمانية حافظت على هويتها من خلال الهدوء اللذيذ الذي تمتعت به، مع تبادل الأدوار بين الذكور والإناث، دون أن يكون هنالك تداخل مباشر بينهما، إشارة إلى الخصوصية القائمة بين الرجال والنساء في المجتمع العماني، كما أن للمرأة العمانية حضورها الخاص، من خلال اللبس الذي يرمز إلى الحشمة العربية والأصالة التي تتمتع بها، إذ كان انطلاق دور الفتيات في الرقصة من خلال الوقوف المنزوي على حافة المسرح، مع إطناب النظر للأرض، وارتداؤهن الخمار، عطفاً على ذلك فإنهن قمن بحركاتٍ تعبيرية راقية من خلال اليدين اللتين تحركان الخمار وتينك القدمين اللتين يطرقان الأرض بدبيبٍ راقصٍ وناعم، دون المبالغة في التعبير بإيماءات الجسد، تأكيداً على حشمة المرأة العربية وخصوصيتها في احتفائيتها بالفرح والتسرية عن النفس والتعبير عن فنونها وقضاياها وما هو وثيق الصلة بحالاتها الشعورية المختلفة.

عرض شيق

وكان للخنجر والعصا حضورها الطاغي في الرقصة، توثيقاً لارتباطهما بحياة الإنسان العماني، وما يمثلانهما من قيمةٍ مجتمعيةٍ وتاريخيةٍ رفيعة، وهو ما أشار إليه مدير المهرجان "الحاج رويجل" بقوله: "كان الزي العماني رائعاً للغاية، استمتعنا كثيراً بعرضٍ شيقٍ استطاع أن ينقلنا إلى الخصوصية العمانية وحضارتها وتراثها وهويتها العربية الأصيلة، العرض العماني كان لافتاً ومجسداً للهوية العربية النبيلة، استمتعنا كثيراً بما قُدِم، ويبدو أن الفرقة العمانية تخبئ العديد من مفاجآتها في قادم الليالي الفنية والتي تستمر لأربع أيامٍ مقبلات، ويحق لي أن أقول أن الفرقة العمانية قدمت دعوةً مدهشة للجميع لمتابعة عروضها القادمة، وقد سرني كثيراً رؤية الأطفال العمانيين الذين تراوحت أعمارهم بين الثامنة والثانية عشر عاماً يقدمون هذا الأداء المثير، وهو ما ينبئ بمستقبلٍ باهرٍ لهم. حقاً كان حضور السلطنة مميزاً، كما سرتنا مشاركة هذا البلد الذي يحظى بمكانةٍ عظيمة في قلوبنا في هذا المهرجان الذي نعتز به كثيرا، خصوصاً وأن السلطنة والمغرب حملا على عاتقيهما رفع راية السلام عالياً".

أشرعة الجمال

واحتفى سفير السلطنة المعتمد لدى المملكة المغربية سعادة عبدالله بن عبيد الهنائي بالمشاركة العمانية، وبادر إلى تحية أطفال السلطنة فور نزولهم من المسرح، مشيداً بالعرض ومهنئاً لهم المستوى الرفيع الذي وصلوا إليه، قائلاً: تمكن هؤلاء الأطفال البارعون من تمثيل السلطنة بوجهٍ مشرقٍ مضيء، وقدموا لوحة فنيةٍ راقية، نالت استحسان ذائقة الحضور، كان العمل جميلاً، والأداء مميزاً، واستطاعوا أن ينقلوا تراث بلدهم بأسلوبٍ جاذبٍ وممتع رغم صغر سنهم، ونحن نبارك مثل هذه المبادرات المجتمعية الشبابية الرامية إلى نشر الثقافة العمانية والتعريف بتراث الوطن وفنونه، ما نأمله هو استمرارية العطاء، والحضور الدائم في مختلف المهرجانات الدولية، فنحن نزخر بتراثٍ متنوعٍ وثري، يؤهلنا إلى أن نقدمه إلى العالم أجمع، لما يحمله من معانٍ سامية وفنون أصيلةٍ تدعو إلى المحبة والوفاق وبسط أشرعة الجمال في كل مكان. وبالعودة إلى العرض العماني فقد كان رائعاً للغاية وحضرت من خلاله الهوية العمانية في أجمل حللها".

وكان الجمهور العماني سعيداً بالأداء الذي قدمته الفرقة، وهو ما عبر عنه سالم بن ناصر بن منصور الوهيبي بالتمثيل المشرف، إذ يقول: "لم أكن أعرف عن مشاركة السلطنة قبل اليوم، جاء ذلك مصادفةً وأنا أشاهد تقرير الأخبار بالقناة المغربية الأولى وهو يتحدث عن هذا المهرجان الكبير ويستعرض أسماء الدول المشاركة، وحينما سمعت اسم السلطنة أصابتني قشعريرة، سعدت كثيراً بأن يتردد اسم السلطنة في هذه المهرجانات، فما كان مني إلا أن عمدت إلى دعوت جميع الأصدقاء والأهل، وتسمرنا جميعاً في مدرجات مسرح باب المريسة في انتظار اللوحة العمانية، وبعد عروض الدولة المتقدمة المبهرة خشيت أن يكون العرض العماني أقلَّ قيمة فنية منها، ولكننا شعرنا بالاعتزاز والحماسة ونحن نرى أطفال عمان للسلام يقدمون لوحة مبهرة، تفاعلنا جميعاً معها، بصدق حركت المشاركة العمانية كل وجدانياتي ومشاعري وحنيني، بعدها تقافزت مسروراً بين الحضور قائلاً هذه فنون بلدي الجميلة".

مبخرة ولبان

ولم يخفي عبدالعزيز المحيوتي، أحد المهتمين بالفلكلور المغربي، إعجابه الشديد بالعرض، وقال: "يشاطرني الجميع، أن العرض العماني لم يكن على المسرح فقط، بل امتد إلى المدرجات، ما أعنيه هي تلكم اللفتة الرائعة من أطفال الفرقة حينما انتهوا من عرضهم، حملوا معهم "المبخرة" وهي تفوح برائحة اللبان والبخور العماني الزاكية وعمدوا إلى "تبخير" عددٍ كبير من الحضور الرسمي والشعبي الرفيع، في لوحةٍ كرنفاليةٍ أصيلة، لا تقل جمالاً عما قدم في المسرح، هل ثمة تعريف لعراقة وأصالة الإنسان العماني ونبله وكرمه أكثر من ذلك؟، فيما يخص العرض العماني فقد جاء مدهشاً، ومفاجئاً للكثيرين منا، خصوصاً وأن الفرقة تشارك لأول مرةٍ في المهرجانات الفلكلورية الدولية. بحق كان العرض العماني لافتا، ولقي إشادة واسعة من قبل المتخصصين والهواة والمتابعين.

وأبدى مخرج العرض العماني الفنان محمد باكوري سعادته بأداء أطفال الفرقة، وقال : كنتُ واثقاً من قدرة أطفال الفرقة على تأدية عرضٍ يسلب ألباب الحضور، انضباط الأطفال، وانتقاء كلمات الرقصة الحماسية، والفنون العريقة التي تتمتع بها السلطنة ساعدتني في تكوين رقصاتٍ تمثل الهوية العمانية بأسلوب أخاذ، العمل مع الأطفال العمانيين ممتع للغاية، وفي الحقيقة فإن الطفل العماني قادر على العطاء وإيصال رسائل بلاده بكل حبٍ وبراعة متى ما وجد العناية والدعم والتأهيل، ونحن في الفرقة عازمون على مواصلة الطريق في التعريف بفنون السلطنة من خلال المهرجانات العالمية التي تعنى بفلكلور الطفل.

تعليق عبر الفيس بوك