يجب أن نتحاور معهم !

علي بن راشد المطاعني

دهشت كثيرا من التجاذبات في مواقع التواصل الاجتماعي على اختلافها لمقال كتبته في السنوات الماضية عن طول الإجازات لدينا، وضرورة إعادة النظر فيها؛ كونها لا تخدم توجّهات الدولة التي يجب أن تعزز الإنتاجية والعمل والجدية لمتطلبات المرحلة من جانب، وإيجاد أجيال للمستقبل تعتمد على نفسها من جانب آخر، ونبذ الاتكالية والكسل والخمول من جوانب أخرى، فضلا عن الموظف الذي يمتلك أرصدة سنوية من الإجازات الاعتيادية، فعليه أن يستفيد منها بدلا من الارتكان على طول الإجازات في الأعياد الدينية والمناسبات، هذا رأيي إلى الغد، ووجهة نظر أعبر عنها، وهناك من هو ضد هذه التوجهات وآخرون معها، وهذا الاختلاف سنة من سنن الحياة يجب أن نؤمن بها، وهو اختلاف وليس خلافًا يجب أن يرتقي الحوار فيه.

لقد نالني من القذف والتجريح ما لم أتوقعه بأن يكون بهذا الحجم، في هذا العصر الذي نحن فيه على أساس بأنّ الجيل الحالي متعلم، ويعرف أو يفترض أن يعرف كل كلمة يطلقها هو مسؤول عنها أمام ربه في المقام الأول، مصداقا لقوله تعالى "وما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد" وثانيا بأنّ أي كلمة تعبر عن مستوى الشخص وثقافته وحضارته، وبعد ذلك تعكس أصالته، فالتربية والتنشئة لهما دور في بلورة أجيالنا وكيفية التعامل مع الآخرين.

إلا أنني وددت في هذا المقال أن أسجل بعض السجالات في مواقع التواصل الاجتماعي فالبعض نصحني بعدم الرد، وآخرون نصحوني برفع شكوى والبعض الآخر قال نتركهم، ولكنني لا أميل إلى كل ذلك، بل أرى أنّه من الأهمية التواصل مع هذه الأجيال التي تستخدم مواقع التواصل الاجتماعي سلبًا وإيجابًا والتحدّث إليهم كأحد الأسس التي يجب أن نصحح فيها أفكارهم واعوجاجهم إذا كان لدى البعض، ومناقشتهم بالتي هي أحسن كما قال المولى عزَّ وجل "وجادلهم بالتي هي أحسن" وليس الابتعاد عنهم والتحسس مما يطرحونه حتى وإن كان مجافيًا للحقيقة وقاسيًا في الرد وفيه من السخريّة والتهكّم ما يخجل الفرد أن يسمعه ويتداوله، ولكن هذا في رأيي طبيعي جدًا في هذا الوقت إلى أن تصحح الأمور نفسها طبيعيًا مع الوقت والجهد في تعزيز ثقافة الحوار في المجتمع عبر مواقع التواصل الاجتماعي كأحد المتغيرات التي يجب التعاطي معها، والتسليم بأن ذلك أفضل من عدم التفاعل والتخوف من ردود الأفعال إلى غير ذلك.

الذي قادني إلى هذه الرؤية التي كنت أؤمن بها في الحقيقة هي أنّ الشخص الذي غرد ضد المقال الذي كتبته كأول مغرد في تويتر يثير الضجة في نشر مقال سابق في كل المواقع، وما وردته من ردود أفعال كان الكثير منها سلبيًا، وعاد واعتذر عما كتبه ردًا على ما غرّدت به بأنني أشكره على الإساءة في الشهر الفضيل شهر صوم عن كل ما يفطر الصائم، وأشار إلى أنّ تغريدته من سبيل الدعابة ليس أكثر ولم يتوقع أن تحظى بهذا الانتشار، وهو ما يعكس ردود أفعال هذا الجيل على مجريات الواقع عبر التغريدات في مواقع التواصل الاجتماعي التي لا تحمل مواقف سلبية، أو كان بعضها على سبيل التغريد والانتشار وبعضها بغرض التسلية في أوقات الفراغ، فضلا عن "التشات" في هذا العالم الفضائي مع زملائهم، وهو ما يجب أن نتفاعل معه بالإيجابيّة التي تصحح مسارهم وإرشادهم إلى الطرق الصحيحة سواء من خلال تجاربنا وأفكارنا وخبرتنا وتجارب الآخرين، فهذا الجيل يحتاج إلى أن نفاتحه في الكثير من الأمور التي تخصه ولها علاقة بمستقبله ووطنه ودينه وحياته، ويسود النقاش من خلال هذه الوسائل بين الأجيال مثل الآباء والأبناء في منازلنا، والمعلمين والطلاب في المدارس والكليّات والجامعات الوعاظ في المساجد مع طلابهم، والنادي ومشجعيه وهكذا.

فاليوم هذا الحوار انتقل إلى مواقع التواصل الاجتماعي حتى الأب يرسل لأبنائه عبر جروب العائلة كالرسائل التي ترد له عبر الواتساب مثل النصائح من آخرين لكي يستفيد منها بخلاف السابق حين كان يجلس معهم ويخبرهم الجيد وغير الجيد ويوجههم إلى الأفضل للاستفادة من هذه الوسائل تارة وانشغالات الآباء بحكم الجوانب الحياتية تارة أخرى، ولكن يجب أن نعترف بأنّ هذه الوسائل أصبحت وسيلة للتخاطب والتفاعل حتى على مستوى العائلة في البيت الواحد موجود، وكذلك الأم ترسل لبناتها بعض الخصوصيات عبر التراسل بالهواتف؛ وهكذا أصبحت هذه الوسائل منصّات حوار على مختلف المستويات والشرائح جزء لا يتجزأ من حياتنا اليوميّة، ويجب أن نوظفها بطريقة صحيحة ولا نتخوّف من ردود الأفعال مهما كانت قاسية وغير إيجابيّة بل علينا نحن بحاجة لأن نصححها لهم ونناقشهم بالأدلة والحجج والبراهين لإقناعهم بالأخطاء والمغالطات، ومع الوقت سوف يعتدل الحوار شيئا فشيئا ويعود إلى ما نتطلع إليه من حضارة الطرح وسلامة الأسلوب وعمق في التفكير هذا ما يجب أن نقوم به في أسرع وقت ممكن وبدون تردد لأي توجس قد يتوجسّه المفكر والمعلم والأب والمسؤول وغيره في التعاطي مع هذه الوسائل ووقد تكون هذه مرحلة وتنتهي من تهيئة الأجيال للحوار والتفاعل الإيجابي وبعده سوف تصحح الأمور فطريا وحتى الأجيال نفسها سوف تصحح لنفسها أو من في سنها وبذلك نكون قد أرسينا أسس الحوار التي تعلمناها في السبلة وأمام الأهل والكبار من آداب واحترام وتقدير. هو ما يجب أن ننقله إلى توتير والفيس بوك وغيرهما.

لاحظت في الآونة الأخيرة بأن بعض المسؤولين يبدأون في الحوار في منصّات التواصل الاجتماعي سواء بشخوصهم أو بتمثيلهم للجهات وبعد بعض المناوشات السلبية والتهكم وغيره ينسحبون من هذه المواقع خوفًا من ردود الأفعال، وهذا خطأ في حد ذاته ولا يحل المشكلة، ولن يبني مجتمعًا واعيًا ومتفاعلا وإيجابيًا مع نفسه، وعلينا وكل المسؤولين التضحيات في سبيل إرساء حوار حضاري في مواقع التواصل الاجتماعي وتحمل كل التبعات مهما كانت وكيفما تكون، فهؤلاء أبناؤنا وإخواننا وأخواتنا لهم حق علينا أن يعرفوا ويتعلموا ويناقشوا ونصحح كيفية ذلك من خلال التفاعل معهم وليس التهرّب منهم لأن في ذلك إكسابهم معرفة بكيفيّة الحوار وأساليبه وطرقه وبدون ذلك سوف تستمر حالة اللاقبول للآخر والفجوة بين الأجيال وتتسع إلى ما يحمد عقباه.

إنّ ما يحدث من تجاذبات في وسائل التواصل الاجتماعي حدثت في كل المنابر الإعلاميّة والأمكنة العلمية والمساجد والبيوت بين الأجيال وليس ذلك غريبًا، ولكن بعض هذه الوسائل تختلف باختلاف المتلقين وعددهم ومباشرتهم في الحديث، فالفهم الخاطئ لدى الطالب في المدرسة موجود وسلوكه غير اللائق كثير أيام الدراسة، ولكن مع الوقت والتوعية يُصحح ذلك، وكذلك التعاطي في الجامعات في فترة الشباب يختلف عنه في المراحل العمرية المتقدمة والأستاذ يعاني من مراهقة الشباب في الفصول الدراسية والفوضى وكذلك الأب والأم يعانيان في تربية الأبناء في فترات المراهقة وكيفية استيعابهم، و الحال ينسحب على كل الأمور التي فيها تفاهمات بين الاجيال ، واليوم الذي نواجهه في الوسائط الاجتماعية هو الذي سبق أن واجهناه في الوسائل والأماكن الأخرى وإن اختلفت السبل والأعداد، إلا أن التحديات نفسها، لذلك وجب علينا تحمل تبعات هذا التطور والمتغيرات الحديثة التي طرأت على أبنائنا بحكم الثورة المعلوماتية التي يجب أن نوظفها جيدا في صالح تعزيز الانتماءات لدى الشباب والأخلاق في نفوس الأجيال والجدية والعمل وغرس أساليب الحوار في عقولهم عبر التواصل معهم والتفاعل الكبير مع ما يطرحونه.

نأمل ألا نتهرب مما يثار في مواقع التواصل الاجتماعي، ولا نسمح للأفكار السلبية أن تتكاثر لدى الشباب أو تحتقن، والأساليب غير الحضارية في التعامل، وإنّما نفتح معهم حوارًا جادا بالطرق ذاتها التي يستخدمونها وبأساليب مرنة تستوعبهم وتوجههم إلى جادة الصواب، وهكذا نبني مجتمعًا ناضجًا وواعيًا في المستقبل.. والله على ما أقول شهيد.

تعليق عبر الفيس بوك