الدراما.. وجهة نظر

مريم العدوية

للفن وجوه عدة وكلها تُعبر بشكل أو بآخر عن ثقافة الإنسان؛ حيثُ إنها تُعد وجهاً من وجوه رسم الصورة التي تُعرف الآخر عنا وتبقى في ذاكرة التاريخ كذلك. ورغم ما واجهته أغلب الفنون من حرب ومعارضة في بداية نشأتها إلا أنها واصلت المسير وأثبتت بجدارة أهميتها، حتى باتت جزءا من حياة الناس. فالفن ليس ترفا ولا عبثاً بل هو ركيزة أساسية تعني الكثير وبإمكانها فعل الكثير أيضاً.

لقد كانت نشأة الدراما في العصور القديمة نابعة من الجانب الديني ومن ثم تطورت مع مر العصور لتأخذ أشكالاً مختلفة ومقاصد متباعدة، حتى وصلت العروض المتلفزة. وإن كان البعض ما يزال يرفض كل أشكال الدراما من باب الحرام والحلال، إلا أننا من الصعب أن نتجاهلها في خضم ما يتطلبه هذا العصر، ولماذا نرفضها إن كان من الممكن أن تكون بيئة خصبة لكم هائل من الرسائل التي يحتاجها المجتمع!

وها هي الدراما العُمانية ومع مطلع الشهر الفضيل جاء إنتاجها شبيها إلى حدِ كبير بإنتاجات الأعوام السابقة؛ تتبعه موجة من الانتقادات اللاذعة والشكاوى. ومن اللافت للنظر أن الدراما العُمانية في بداية عهدها كانت قوية وناجحة وما يشهد على هذا ما بقى في ذاكرة الناس عنها.

والسؤال الآن... لماذا تراجعت الدراما العُمانية مؤخراً؟

للعمل الدرامي ركائز عدة لا يمكن تجاهلها ومن ثم تعليق الاتهامات على شماعة الميزانية أو أداء الممثلين مثلاً فقط. وللإجابة على السؤال أعلاه علينا أولاً أن نعود للدراما العُمانية الناجحة ونعرف أسباب قوتها ونجاحها. لقد تميزت الدراما العُمانية القديمة بعدة أمور ومنها على وجه الخصوص:

التركيز على خصوصية المجتمع العُماني؛ فلقد كانت أفكار الدراما ضاربة في عمق المجتمع العُماني بكل ما فيه من أصالة وعفوية وبساطة، وهذا يعود إلى النصوص التي راعت هذه الأبعاد؛ فالنص أول ركائز العمل.

لقد كانت الأعمال الدرامية مكتوبة بلسان حال الشارع العماني؛ لذا حاكت حياة الناس بصدق، ولامست في الناس انعكاسا لتفاصيل أيامهم البسيطة دون مبالغة وتصنع لذا أحبوها وارتبطوا بها.

ناهيك عن الكوميديا القائمة على الحبكة الرصينة بعيداً عن انفعالات الأداء والتكلف. فمهما كان العمل متميزا من كل النواحي فإنه لن يشكل مادة متعة تجذب المشاهد طالما كان مبالغاً فيه وغير واقعي؛ فالمشاهد أيّ كان قدر ثقافته فإن الفطرة تجعله قادراً على التمييز بين السخيف والصادق وبين المضحك فعلاً والمفتعل.

إذن غاب النص العُماني الأصيل ورغم بقاء عدد لا بأس به من ممثلي الزمن الماضي وبنفس أدائهم الجيد؛ إلا أنهم فقدوا عكازهم الذي يستندون عليه ولم تنجح محاولات الدراما بعدها برتق الشرخ الذي شكله ذلك الفقد!

فجلب ممثلين مجيدين من دول أخرى ليس حلاً وإن كان خياراً لا بأس فيه من ناحية التسويق، ولا العمل على ركائز العمل الدرامي الأخرى من إخراج وغيره أو تقنيات الإبداع في التصوير ونحوه؛ فمنطلق البداية (النص) وهو مربط الفرس. وللأسف عِوضا عن تصحيح المسار على الوجه الصحيح ها نحن نزداد كل موسم سأما وغثيانا من المادة المقدمة والتي باتت مشوهة بالكثير من العشوائية، فمن النصوص الوافدة والركيكة والتي لا تشبه المجتمع ولا تنتمي إليه إلى العلاقات التي جعلت الدراما (مكبة الحداد) فكل من هب ودب يصبح ممثلاً طالما أن هناك علاقة تسلك له الأمر! ومن جانب آخر فإن المصلحة الشخصية قضت على الرمق الأخير للدراما، حيثُ صاحب الكاش هو سيد الموقف وبطل العمل الدرامي ناسب شخصه أو لا!.

إننا بحاجة ماسة إلى دراما نظيفة وراقية تبدأ من نصوص قوية وأصيلة تناقش قضايا المجتمع وتنقل صورة هذا المجتمع بكل صدق وشفافية، فلماذا لا تكون هناك مبادرات لدعم الإنتاج الدرامي؟ أو مسابقات تعمل على انتقاء نصوص جيدة وممثلين جديرين بحمل رسالة هذا المجتمع الطيب.

كلمة أخيرة

إلى المسؤولين عن الدراما العُمانية

في كل عمل إبداعي يكون الرهان على الصدق والعفوية والبساطة والقرب من الناس، فالعمل الذي يحترم عقولهم ويسعى بحق إلى إمتاع حواسهم وفكرهم هو الناجح، وليس الذي يشتغل على المحاكاة والنسخ واللصق وتبديل الوجوه.

والعمل الدرامي الناجح ليس الذي يُصرف عليه أكثر ولا يُعرض في القناة الأكثر شهرة ولا يحظى بأكثر مشاهدة -لأن الخيارات قليلة ومتشابهة-، وإنما الذي يبقى في ذاكرة الناس ويؤثر فيهم، يبقى لزمن، فها هي الكثير من الأعمال الخليجية التي أقل ما يقال عنها أنها مقززة؛ حيثُ الحبكة الضعيفة والسيناريوهات المكررة والتركيز على الملابس والديكور والوجوه المصبوغة التي لا تتناسب والأدوار ناهيك عن البُعد عن الواقعية.

تعليق عبر الفيس بوك