شبكة "الإنترنت" بالعربي

رحاب أبو هوشر

لم تحقق مساهمة المحتوى العربي على الشبكة العنكبوتية أزيد من 1% من حجم النشاط العالمي حتى اليوم. مساهمة ضئيلة تعكس ضعف الاهتمام بذروة تكنولوجيا العصر الحديث، وقصور الرؤية تجاه إمكانياتها وآفاقها، إضافة إلى ما تعكسه من الافتقار العلمي والمعرفي والإبداعي لدى مجتمعاتنا العربية، وشح البحوث والمشاريع والهواجس المعرفية الجادة.

نصاب بالخذلان، أمام قلة المعلومات المتاحة وقلة المواقع العربية التي نتوقع احتواءها عليها، إذا ما كنا بحاجة للإطلاع بخصوص موضوع ما، وعلى الأغلب سنجد ذات المعلومات الضئيلة والضحلة، مما يتم استنساخه وتناقله من موقع إلكتروني لآخر، وأخرى تم السطو عليها من مواقع مختلفة، دون بذل أدنى جهد للتحقق من صحتها ودقتها، أو تطويرها والإضافة عليها، ناهيك عن ذكر مصدرها الأصلي، وما يترتب على ذلك من ضعف مصداقية ما يطرح، وصعوبة اعتماده لغياب المراجع والمصادر، والأخطر من ذلك كله، نشر وتبني معلومات ووقائع خاطئة أو مفبركة، لا تغيّب أثر هذه الأداة الكونية في زيادة الوعي والمعرفة فحسب، بل تلعب دورا واضحا في نشر الأكاذيب والخرافات والمعلومات المشوهة، عدا عن تكريسها للجهل، وتشجيعها لتجاهل الإنتاج المعرفي الإنساني الجاد والعميق، والاستخفاف به.

في السنوات القليلة الماضية، ظهرت مساهمات جادة لمهتمين نجحوا في استثمار شبكة "الإنترنت"، بإنشائهم مواقع ومدونات ثقافية، تعنى بالإبداع الأدبي والفني، أو أخرى مهمومة بالشأن الاجتماعي والسياسي والاقتصادي وحتى العلمي التقني أيضًا، وهي مواقع ذات سوية جيدة، وتقدم إضافة حقيقية للمشهد العام، إلا أنّ حجمها بالنسبة للاحتياجات العربية ولمساحة محتوى الشبكة العالمي، يكاد لا يذكر حتى الآن، ولا يجد اهتماما حقيقيا من معظم مستخدمي الإنترنت ذاتهم.

وما زال مجتمع الإنترنت العربي، يعكس الذهنية الاستهلاكية لمجتمع الواقع، ففي نسبة كبيرة منه، لا يتجاوز مواقع الأغاني والمسلسلات المعروضة مسبقًا عبر الفضائيات، ومواقع مقاطع الفيديو وأكثرها شيوعا youtube، والمنتديات الخاصة التي تتكاثر، مستعيرة طبيعة وهواجس وذهنية مجالس ودواوين الضيافة لا أكثر. والمفارقة أنها تقام على شبكة كونية، افترض بها أنّ تجمع البشر في قارات العالم الخمس، لكن منشئيها، بقدرتهم وحدهم ولا شأن لسواهم، صنعوا منها مجالس ودواوين قبلية وطائفية ومذهبية ومناطقية، تفتت الفضاء والافتراض، بعد أن مزقت نسيج حياتنا الواقعية، لتمثل حالة التدمير الراهنة.

ولا تغيب المرأة عن محتوى "الإنترنت" العربي، لنجد سعياً حثيثًا أيضاً لإعادة إنتاج الصورة النمطية للمرأة العربية، أو لتكريسها نهائياً للدقة. جهود تنشط للفصل بين عالمي المرأة والرجل، بل للفصل بين المرأة والحياة. ثمة مواقع أنشئت خصيصًا للنساء، وبعضها تقوم عليها نساء مكتفيات بخدرهن، لتكون مرايا غير جديرة بامرأة تعيش في القرن الحادي والعشرين، تلك المواقع "النسائية"، تراوح ما بين وصفات الطبخ، وخطوط الموضة والمكياج، وأخبار النميمة عن نجوم الفن. نساء يمارسن عزلتهن على الشبكة الكونية! مَن بين الشعوب سوانا، أمكنه أن ينفخ الروح في فكرة الحرملك، وعلى شبكة الإنترنت؟!

غني عن القول أن الأداة وحدها لا تحدث فرقا نوعيا، أو تنجز النقلة المنتظرة لمجرد حداثتها، فالأداة ترجمة لخيارات مستخدميها؟ في تجوالي "الإنترنتي" والذي أتقصده لرصد الخلفيات والاهتمامات الثقافية والاجتماعية للفئات والشرائح المتواصلة مع تكنولوجيا العصر، يمكن بسهولة تلمس التهافت المروع في الخطاب، وانعدام أفق الرؤيا: ملاسنات ومعارك كلامية طاحنة، تندلع على خلفيات بائسة الفكر، إقليمية وطائفية ومذهبية وقبلية، لا تفضي إلا إلى مزيد من السموم في الجسد العربي. ذلك يحدث عندنا، مع أنّ فلسفة الإنترنت تقوم على انكشاف العوالم الكونية وانفتاحها على الآخر المشابه أو المختلف. يا له من انغلاق يحارب الانفتاح، ويا لها من عولمة تنتج عزلة فكرية.

أما مواقع الفيديو، فبدلاً من أن تكون مساحة للمتعة البصرية والذهنية، أو للترفيه على الأقل، حيث من الممكن مشاهدة ما يندر مشاهدته، والاقتراب من تجارب البشر في أماكن أخرى، وتذوق الإبداعات الإنسانية بخصوصياتها وتنوعها، الموسيقية والغنائية والفنية بشكل عام، فقد صارت ساحة مفتوحة لتربية الكراهية ونشرها، يتقاسمها مجانين "داعش" وأفلام الذبح التي يقومون بها، ومقاطع الحروب والدم والأشلاء والدمار في أكثر من بلد عربي، إضافة إلى إطلالات شيوخ التحريض المذهبي وتخاريف فتاويهم البائسة.

استجد على واقعنا بوجود الإنترنت، مع حصيلة معرفية وثقافية وبعض التغييرات في أنماط التفكير، لا يمكن إنكارها على محدوديتها، ما أصبح يسمى بالجرائم الإلكترونية، وما تتطلبه من تطوير للقوانين الحالية لتتلاءم مع واقع جديد، لم نكن مهيئين له، كما هو حالنا مع ابتكارات واختراعات ليس لنا يد فيها، غزت غفلتنا دون استئذان، وصار لزاما عليها أن تعتذر!.

تعليق عبر الفيس بوك