أزمة اليونان أم أزمة الرأسمالية؟

فهمي الكتوت

منذ سبعة أعوام والطبقة العاملة وشعوب البلدان النامية يعيشون كابوس الأزمة؛ التي انفجرت في سبتمبر 2008، بعدما شهد الاقتصاد الرأسمالي تبدلات هيكلية أدت الى تضخم الاقتصاد المالي، واتساع ظاهرة المضاربات في البورصات والأنشطة المالية على مختلف أنواعها، وضمور الاقتصاد الحقيقي بتراجع القطاعات المنتجة في الاقتصاد الكلي، وتغول السياسات الليبرالية المتوحشة، المعادية للإنسانية عامة سواء في داخل المراكز الرأسمالية ضد الطبقة العاملة، أو ضد شعوب البلدان النامية. رافق ذلك تقدم اقتصادات الدول الصاعدة الذي فاقم من أزمة المراكز الرأسمالية.

وعلى الرغم من الإجراءات الواسعة التي أقدمت عليها الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا واليابان في مواجهة الأزمة، إلا إنّ الأزمة ما زالت تهدد بتجويع ملايين البشر، فالمشهد الذي عممته وسائل الإعلام للمتقاعدين والعاطلين عن العمل في اليونان، الهائمين على وجوههم، والباحثين عن كسرة خبز، يتكرر في عدد غير قليل من العواصم العالمية. ليس هذا فحسب؛ بل هناك ما هو أفظع وأكثر آلاما، القتل والتدمير والتشريد وتفتيت النسيج الاجتماعي والحروب الطائفية والمذهبية التي اشعلتها الاحتكارات الرأسمالية في الوطن العربي لحرمان الشعوب العربية من الانعتاق والتحرر من التبعية، من تداعيات الأزمة.

ولنرى ما هي التدابير والإجراءات التي اتخذتها المراكز الرأسمالية لمواجهة الأزمة، وعما أسفرت؟

1-أقدمت الإدارة الأمريكية على ضخ تريليونات من الدولارات الممولة بالقروض الحكومية، لحماية الاحتكارات الرأسمالية، وخاصة القطاعات المالية وشركات التأمين والقطاعات الصناعية الضخمة، ومكافأة مجالس إدارة الشركات التي تتحمل المسؤولية المباشرة عن الأزمة، على حساب الخزينة، مما رفع قيمة الديون الأمريكية، من 10 تريليون دولار في يناير عام 2009 إلى 17 تريليون دولار في ديسمبر 2014، ونقل الأزمة من شركات متعثرة إلى الدولة.

2- أقدم الاحتياطي الفيدرالي "البنك المركزي الأمريكي" على تطبيق سياسة التيسير الكمي. بشراء الأوراق المالية من البنوك، لزيادة عرض النقود ورفع السيولة لدى البنوك بنسبة كبيرة، من خلال طباعة أوراق نقدية لدعم النمو الاقتصادي. ومساعدة الحكومة على خفض ديونها، وقام البنك الاحتياطي الفيدرالي بشراء نحو تريليون دولار أمريكي سنوياً من السندات، وهذا يعني تمويل 80% من العجز من دون تكلفة، قبل أن تخفض هذا الإجراء إلى 660 مليار دولار منذ بداية العام الحالي. مستغلة الإدارة الأمريكية مكانة الدولار كعملة احتياطي عالمي، لتقوم بطباعة تريليونات الدولارات الأمريكية بكلفة الحبر والورق.

3-استمرار خفض معدل الفائدة إلى الصفر منذ عام 2008، لتحفيز الاقتصاد، كجزء من الخطوات التي اتخذها الفيدرالي الأمريكي لمواجهة الأزمة المالية والاقتصادية العالمية. ويدرس حالياً الفيدرالي الأمريكي بحذر شديد رفع سعر الفائدة. في حين حذر الاقتصاديون من الآثار السلبية على أداء الاقتصاد العالمي في حال رفع سعر الفائدة. وانضمت كريستين لاجارد رئيس صندوق النقد الدولي للمطالبين بتأجيل هذه الخطوة إلى العام المقبل على الأقل. ليس فقط لأنّها تأتي في ظل استمرار حالة الركود الاقتصادي، بل في ظل حالة الرعب التي تشهدها منطقة اليورو من انفجار الأزمة بين اليونان وترويكا الدائنين، والتخبط الاقتصادي الذي يشهده الاقتصاد العالمي.

4-أقدمت معظم الحكومات الأوروبية على إجراء مماثل؛ بضخ الأموال للشركات المتعثرة، كما أقدمت في السنة الأخيرة على سياسة التيسير الكمي بهدف التحفيز، دون جدوى، بعد أن فشلت إجراءات التقشف التي فرضت على الطبقة العاملة في معظم الدول الأوروبية، في إنقاذها وتجاوز الأزمة.

ما هي النتائج؟ الأزمة المالية والاقتصادية متفاقمة، وأسفرت سياسات التقشف عن فقر وإملاق الطبقة العاملة، وارتفاع معدلات البطالة، وعرضت المواطنين للإذلال والانكسار، وأوصلت الدولة اليونانية وغيرها إلى حافة الهاوية. واللافت أنّ تتعرض دولة كاليونانية والتي تملك من الثروات والقدرات التي تمكنها من بناء اقتصاد مزدهر إلى حافة الإفلاس! دولة بمساحة ألمانيا والنمسا معًا وعدد سكانها 17 مليون نسمة، يزورها حوالي 16 مليون سائح سنوياً. ولديها ثلاثة أحواض لبناء السفن الكبيرة وتنتج الشاحنات الثقيلة والحافلات وعربات السكك الحديدية، وخلاطات الخرسانة، ولديها 2400 ناقلة نفط وتحتل المرتبة الثانية في العالم في إنتاج حليب الغنم، والمركز الثالث في إنتاج الزيتون، والمرتبة الثالثة في إنتاج الألومنيوم، والثالثة في أوروبا في إنتاج النيكل والمغنسيوم، والمغناطيس، والبيرلايت، وفي المرتبة الثانية في العالم في إنتاج البنتونيت وفقًا لما أورده الكاتب البلغاري غورغي غوتسوف ترجمة الصديق د. إبراهيم حجازين.

فالأزمة المالية والاقتصادية وتداعياتها ناجمة عن السياسات الليبرالية المتوحشة، حيث يقابل الفقر والبطالة ثراء فاحش غير مسبوق للطغمة المالية، ولأمراء الاحتكارات النفطية والعسكرية، فهناك 0.7% من أغنى سكان الأرض يملكون ثروات قيمتها 115.9 تريليون دولار تعادل 44% من الثروة العالمية، في المقابل تبلغ حصة 99.3% من السكان 56% من إجمالي الثروات الموجودة في العالم، أما الشريحة الأوسع من الأثرياء والتي تشكل 8.6% من أغنى سكان العالم فتملك ثروة قيمتها نحو 224.5 تريليون دولار تعادل 85.3% من ثروات العالم. كلما ازداد الأغنياء ثراء ازداد الفقراء فقرا.

تعليق عبر الفيس بوك