الهُوية

المعتصم البوسعيدي

الهوية هي "مصطلح يستخدم لوصف مفهوم الشخص وتعبيره عن فرديته وعلاقته مع الجماعات" وهي في اللغة مجموعة السمات التي تميز شيئًا عن غيره، وفي حقل التنافس يبرز سؤال كبير هو الفارق في تحديد الأفضل سؤال صعوبته في سهولته ـ إن صح التعبير ـ إلا وهو من نحن؟! ذلك لأنّ الإجابة ليست تنظيرية بحتة ولا تنفيذية صرفة ولكنّها تتعلق بالرؤى والطموحات وبحبات العرق التي تسقط من أجل تحقيقها.

نعيش في عالم مضطرب قد تسقط في لحظة ما كل المثاليات، فالخطأ الواحد يمكن أن يجرف معه نجاحات كثيرة، يسألني أحدهم يومًا: ما الذي يدفعك لفعل هذا الأمر الذي لا أجد مبررا له فكل الظروف هي متاحة لك لتجنبه وأنت على ما عليه من عقل ولب؟ الإجابة هي صدمة "لا أعرف" وما أعرفه ومتأكد منه هو إنني أخطأت بالفعل، واستحضر هنا قول الإعلامي الرائع أحمد الشقيري في أحد البرامج بعد حادثة مطعمه الشهير "أندلسية" وتناول بعض الناس لشخصه "بالسب واللعن والقذف" قوله: الناس في لحظة يمكن أن "يشيطنوك" لكن في لحظة انتهاء الاعتماد على "الخط الأفقي" الذي يتضمن حب الناس وفخرك بنفسك لا يبقى لك إلا "الخط العمودي" حيث التقرب إلى الله، ربما أنا بنفسي حين أكتب وأسرد هذا الكلام أقع في العموميات الغير مفهومة وقد يقول قائل: ما خاتمة الحديث الذي تجرنا إليه تحت عنوان الهوية؟ بالطبع لا أود التحدث عن هوية الأفراد ولا الجماعات المتمثلة في الهوية القومية فتلك سماتها تبنى على أسس وعناصر أخلاقية وحضارية تقاس بالسنوات، لكنني أحببت لو نتشارك في محاولة فهم هوية رياضتنا وكيف نراها من خلال سماتها التي تميزها عن غيرها.

في استراتيجيّة الرياضة العُمانية كما وضحتها وزارة الشؤون الرياضية هناك تطلع إلى تحقيق رؤيتها " نحو مجتـمع رياضي" من خلال محاور ثلاثة أساسية، الأول باعتبار الرياضة للجميع من أجل مجتمع سليم، وتاليًا الارتقاء بمستوى المنتخبات الوطنية لرفع علم السلطنة في المحافل الرياضية الدولية، وأخيرًا تفعيل دور القطاع الرياضي للمشاركة الفاعلة في مسار التنمية الشاملة التي تضع الإنسان في جوهر اهتماماتها وأهدافها، هل أقع هنا مرة أخرى في المثاليات التنظيرية أم هناك مشهد يقودنا بالفعل لفهم هويتنا الرياضية، بالتأكيد سنتحصل على طرفين الأول المسؤول عن صناعة الهوية والدفاع عنها والخطوات الايجابية نحو ترسيخها، والثاني الجمهور الذي سيكون رأي معظمه " يا عم بلا هوية بلا استراتيجية" وأنا لست متحدثًا عن الجمهور بقدر ما أكون ناقلاً عن الواقع المحيط بي على أقل تقدير.

أفهم جيدًا أن مسار وضع استراتيجية الرياضة العُمانية انطلقت منذ العام 2005 من توصيات ندوة مستقبل الرياضة العمانية وندوة رياضة المرأة العمانية وأسلوب المشاركة الجميل فيها واستقدامها لبيوت الخبرة والخبراء ومراعاة التوافق مع الاستراتيجيات الوطنية والاتفاقيات والمؤتمرات الإقليمية والدولية "وتخضيبها" بالقيم، وأفهم أيضًا أنّ هذه الاستراتيجية اعتمدت من مجلس الوزراء في العام 2009 وهي محل التنفيذ والتقييم والمراجعة لكن في ظل ذلك نعود لنقطة البداية، أين هويتنا الرياضية ؟ أين سماتنا التي تميزنا عن غيرنا؟ ولست ضليعًا في سبر أغوار الاستراتيجيات ولكن اظن أن المحور الثالث كان يجب أن يوضع كمحور أول لاعتبارات كثيرة أظن اولها أننا تأخرنا في وضع الاستراتيجية ومن ثم أن البنية التحتية والاعلام والتسويق والاستثمار هي من تقود لبقية المحاور، وإن وجدت البنية التحتية ـ كما يردد بعضهم ـ لكنها منقوصة من بيئتها الصحية لتقليديتها في التصميم وعدم توفر بعض المتطلبات التقنية والفنية إضافة لفقدانها عنصر الابداع والدهشة، فيما نجد استضافاتنا للبطولات والفعاليات الرياضية الدولية دون الطموح مع تأكيد هذا المحور على ضرورة استقطاب التظاهرات الرياضية واستغلال التنوع الجغرافي العُماني في هذا الجانب الذي ـ وبصراحة ـ لم يجد هذا بند "الاستغلال" هذا في خريف صلاله "مغناطيس" جذب" ولا في الجبل الأخضر "تذاكر" سفر (على سبيل المثال لا الحصر) وما يزيد الأمر "أسفًا" أن يوضع "الاعلام" في آخر سطور الاستراتيجية وقد قال أحد الاعلاميين البارزين مقولة ذات مرة "الاعلام يمشي مع خط الرياضة، فان كنت لا تدري فكل الطرق تؤدي إلى هناك" وهي حقيقة لكنني أرى مثالية أكبر يجب الوصول إليها وهي ان الاعلام هو دليل الطريق الذي يؤدي إلى هناك، وهناك يجب أن يكون وفق هوية مميزة للرياضة العُمانية.

في ترويجنا السياحي نعتمد كثيرًا على "الهوية" الطبيعية التي تميزنا عن غيرنا لكننا لا نعتمد كثيرًا على التفاعل معها "بكيميائية" تثير الفضول، وعلى هذا لم تُصنع الاستراتيجية الرياضية العُمانية هويتنا حتى الآن ـ وبرغم كل الجهود المبذولة لم نستشعر وجودها في الداخل ولا في الخارج، هناك "عنتريات" تقفز بنا لحقيقة امتلاكنا لشيء يمكن ان يكون الشكل الأولي للهوية لكن هناك "رمال متحركة" تعيدنا لسيرتنا الأولى، وذات يوم ذهب رجل حكيم بأبنه الطفل إلى تضاريس يتردد من خلالها "الصدى" في المكان، فكأن ان سقط أبنه وتألم فصرخ ليعيد الصدى صراخه فتعجب وسأل ظنًا منه أن هناك من يجيبه، ثم عاد الصدى سؤال الطفل "من هناك" بنفس الصوت والسؤال حينها غضب الطفل وبدأ "يشتم" والرد "من جنس العمل" حتى تدخل الرجل وأخبره أن يتخاطب باحترام وهنا أعاد الصدى كلمات الاحترام للطفل، ثم أخبره الأب الحكيم أن هذه ظاهرة "فيزيائية" تسمى الصدى ولكنها أيضًا هي حقيقة حياتنا فبقدر ما تعطيها تعطيك وبقدر ما تحترمها تحترمك، ولأننا نبحث عن الهوية فيجب أن نستمر في حسن الظن والايجابية وإبراز سماتنا التي تميزنا عن غيرنا فهذا الوطن يستحق أكثر مما كان ومما هو الآن، ولكم أن تبحثوا عن هويتنا أيضًا.

تعليق عبر الفيس بوك