حاتم الطائي
أثار نشر آلاف الوثائق السعوديّة السريّة على موقع "ويكيليكس" قبل أسابيع، الكثير من المخاوف بشأن عدم مأمونية التعاملات الإلكترونية، بعد أن اتضح أنّها ليست بمنأى عن الاختراق وإفشاء المحتويات كما حدث للكثير من الدول ومؤسساتها لدرجة أنّ حتى البنتاغون لم يسلم من هذه الاختراقات رغم التحصينات الأمريكية والاهتمام الكبير بالأمن السبراني.
هذا التطور الهائل في وسائل الاختراق و"التهكير" يتطلب أن يقابله تقدم مماثل في مجال الأمن الإلكتروني، وأن يوضع هذا القطاع الحيوي ضمن الأولويات الواجب الالتفات إليها، وذلك بسبب الاعتمادية العالية على التعامل الإلكتروني، والتي تزيد يومًا بعد آخر، إضافة إلى سريّة مضامين بعض الوثائق التي تنقل إلكترونيًا، والتي رأينا كيف أنها تصبح مثار حرج للحكومات، عندما يتكشّف محتواها للجميع، وتصبح في متناول الكل يتبادلونها على هواتفهم المحمولة، بما يعكس المدى البعيد الذي يمكن أن تصل إليه عمليات القرصنة، وتطور أدواتها في السطو على المعلومات والمراسلات وهتك سريتها لأغراض متعددة.
إنّ التأثيرات والإسقاطات السلبيّة لعمليات التسريب الإلكترونية هذه، تجعلنا نتيقن من أنّ ميادين الحروب المقبلة ستكون شاشات الحواسيب، وستصبح أسلحتها القرصنة الإلكترونيّة، والتي أثبتت أنها سلاح العصر الفتّاك القادر على فك شفرات أعتى وزارات الدفاع في العالم، وتدمير أنظمة وبرامج تتحكم في الكثير من مجالات الحياة من توليد الكهرباء والملاحة الجوية إلى حسابات الرواتب والضمان الاجتماعي، حيث إن "هكر" مغامر يستطيع- إن تمكّن من النفاذ إلى أنظمتها - أن يعبث بحركة هذا المرافق الحساسة، ويُربك حساباتها بصورة تخل بالمنظومة التي أصبحت تعتمد كليا على التكنولوجيا في تسيير دفة أعمالها.
والحال هكذا، ليس بمستغرب أن يصدر وزير الدفاع الأمريكي روبرت غيتس قبل عدة سنوات قراراً بتشكيل إدارة وقيادة للحرب الإلكترونية في وزارة الدفاع لتقوم بمهامها الهجومية والدفاعية والاستطلاعية، إلا أنّ كل ذلك لم يق البنتاغون شرور عمليات القرصنة خلال السنوات الأخيرة.
وسلط موقع "ويكيليكس" الضوء على إمكانيّة ما يمكن الاصطلاع عليه بالاختراق الجماعي، من خلال تسريب آلاف الوثائق السريّة حول الحرب الأمريكية على العراق وأفغانستان وغيرها من وثائق معلومات كانت محصنة بجدار السريّة، مما أثار ضجة كبيرة على مستوى العالم، وأصبح الموقع ومؤسسه جوليان إسانج في دائرة الضوء، ينتظر الملايين على امتداد العالم تسريباته ليتم تلقفها وإعادة نشرها مما ضاعف من تأثير هذه التسريبات وصارت حكومات العديد من دول العالم تتوجس خيفة من أن تنال أصابع أسانج السحرية من سرية معلوماتها، وتكشف المستور من تعاملاتها، خاصة الدول المتورطة في ممارسات تخالف المعلن من مواقفها.
إنّ القرصنة الإلكترونية تشكل خطراً يتفاقم تأثيره، وتنداح دائرة أضراره مهددًا سرية المعلومات والبيانات والأرقام الخاصة بالدول والمؤسسات والأفراد لدوافع سياسية واقتصادية ومالية وشخصية، الأمر الذي يتسبب في خسائر فادحة.
وليس أسانج وحده في الميدان فهناك قراصنة لا يقلون عنه براعة ومن أشهر هؤلاء الأمريكي كيفن متنك الذي يعد من أشهر مرتكبي جرائم القرصنة الإلكترونية والذي تم إلقاء القبض عليه قبل سنوات وحكم عليه بالسجن وحتى بعد انتهاء فترة سجنه وضع تحت الرقابة لخطورته على الأمن الإلكتروني.
ولا يغيب عن بالنا فيروس"ستاكنت" الذي استطاع أن يهاجم البرنامج النووي الإيراني المحصن، ويعطل عمل الآلاف من أجهزة الطرد المركزي مما يشكل نموذجًا للاستخدام السياسي للقرصنة الإلكترونية.
وتتعدد تعريفات أمن المعلومات حسب وجهات النظر المختلفة فهناك تعريف تقني وآخر سياسي وقانوني، لكن يمكن القول بشكل عام إنّ الأمن الإلكتروني يختص بحماية الفضاء الإلكتروني والمعلومات المخزنة بشكل يضمن سرّيتها ويحميها من الاختراق بفعل فرد أو قرصان إلكتروني. ومن هنا لم يعد مفهوم الأمن يتمثل في المعنى الضيق المتمثل في المحافظة على أمن البلاد فحسب فقد ظهرت خلال العقود الأخيرة مفاهيم جديدة للأمن منها الأمن الاقتصادي والاجتماعي والغذائي وغيرها من مفاهيم حيوية ومن أهمها في عالم اليوم الأمن الإلكتروني.
ولا شك أنه ومع تنامي استخدامنا للشبكة العنكبوتية، تتزايد القرصنة الإلكترونية وجرائمها حيث تتدفق عبرها ملايين المستندات والبيانات والمعلومات بشكل يومي والمؤمنة بالحد الأدنى من الحماية بأسلوب الرقم السري لكل مستخدم، وقد بلغ معدل جرائم المعلومات 50 ألف جريمة في الساعة حول العالم ويتأثر بها ما يقارب 600 مليون مستخدم. وتتعدد هذه الجرائم بين نشر فيروسات والاحتيال والنصب وخاصة على البنوك والمؤسسات المالية واختراق الهواتف المحمولة لأغراض تجسسية.
وقد طالب مؤخراً الرئيس الفرنسي هولاند بمعاقبة الولايات المتحدة بعد اكتشاف اختراقها للهواتف المحمولة لرؤساء فرنسيين سابقين منهم فرانسوا ميتران.. كما صعدت ألمانيا حمايتها قبل عام بعد اكتشاف اختراق الهاتف المحمول للمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل من قبل الاستخبارات الأمريكية مما أثار أزمة ثقة بين البلدين الحليفين. وتزداد هذه الحوادث عاماً بعد اخر لأغراض شتى وأصبحت أداة جديدة في الصراع بمجالات السياسة والاقتصاد وجمع المعلومات.
وقد شهدنا هنا في بلادنا مجموعة من الجرائم الإلكترونية الاقتصادية وتمّ القبض على مجموعة من المتورطين فيها ممن استخدموا بطاقات ائتمانية في قضايا نصب واحتيال. ومع خطط التحول إلى الحكومة الإلكترونية وانتشار التطبيقات الإلكترونية في مختلف مجالات الحياة، أضحت هناك حاجة ماسة إلى مواجهة التحديات المتعلقة بأمن المعلومات وتهديداتها على جميع المستويات. فالتوسّع في استخدام الشبكة العنكبوتية يستلزم تطوير شبكة الحماية لهذه المعلومات.
ومن هنا وجب تعزيز قدرات كوادرنا الوطنية العاملة في أمن المعلومات بالابتعاث إلى الخارج وتعزيز البرامج المقدمة في الجامعات والكليات العمانية. لأنّ القضيّة لم تعد قضية تقنية فحسب بل ركيزة من ركائز أمننا الوطني.