حقيقة التسامح

أمل بنت عامر السعيدية

يتكرر الحديث عن تسامحنا، وفي الحقيقة أرى أن هناك البعض منِّا مستعد للنيل ممن يختلف معه متى ما أتيحت له الفرصة ليفعل. قبل أيام شاركتني الصديقات مقطعاً لامرأة تعبر عن موقف مختلف عمّا يعتقدنه، وسئلتُ عن رأيي في الموضوع، وكان جوابي: لا أعتقد أن ثمة علاقة لي بهذا، هي حرة فيما تفكر فيه، وإن كان لديها مشروع ونموذج تريد تقديمه فأنا إنْ خالفتها لدي مشروعي أيضاً. أثار هذا الصديقات وتم تكفيري. هي بذرة فاسدة يجب اقتلاعها هذا هو الجواب الذي رددنه طوال المحادثة، أي أنّه يجب قتلها! كذا الحال إن فكرت فتاة أن تنزع الحجاب أو حتى أن تغير من مظهرها، إذا أسبل الرجل ثوبه، إذا حلق لحيته، نحن متربصون حتى لمواقف كهذه لنبدأ هواية الإقصاء، وهذا كله مخالف لنهج التسامح .. والحجة القائمة على الدوام والتي تُبرر هذا العنف هي أن مثل هذه السلوكيات فساد للمجتمع، وأننا برفضنا العنيف لها نغير المنكر، هذا هو تماماً نهج داعش، ببساطة شديدة داعش تدعي أنها تتبنى الإسلام الصحيح وهم وفقاً لهذا يقتلون من يختلف مع نسختهم الخاصة عن هذا الدين. يغيرون المنكر وفقاً لإيمانهم هذا ووفقاً لتعريفهم للمنكر. وهم يطهرون حسب ظنهم أيضاً المجتمعات من الفساد، فكيف تختلفون عن داعش؟ إذا أردتم بلاداً خالية من الإرهاب، هذبوا أنفسكم على تقبل الآخر كيفما هو، والقانون موجود ليحميك من تجاوزه فيما يُختَلف فيه.

لا أعني أن نقبل الأمور التي لا تناسب ذوقنا الشخصي وألا نتخذ موقفاً منها، لكن على هذا الموقف ألا يتحول لسلوك عدائي وعنيف. كما أننا يجب أن ننتبه إلى نقطة هامة جداً وهي أنّ المعايير التي نستخدمها في تحديد ما هو صحيح وخاطئ هي معايير نؤمن بها نحن، والآخر لا يراها سوى محض معايير مرفوضة.

هنالك نقطة مهمة أخرى يجب أن تثار في هذا السياق، حديثنا عن التسامح يجب أن ينطلق من وجود انفتاح فكري وإدراك حقيقي لطبيعة الاختلاف مع الآخر، حينها فقط نستطيع أن نقول إننا متسامحون. فيما عدا ذلك لا يعدو الأمر كونه تغييباً بفعل السلطة. عندما يكون هنالك قانون ينظم هذا لهو أمر يستحق الإعجاب، لكن ما هو أجدى، هو الانفتاح الحقيقي على الآخر والذي لن يمسه شيء إن مُس القانون. نحن في مرحلة صعبة جداً. درست في الكويت، وحزنت في الأيام الأخيرة على تفجير جامع الصادق هناك والذي ذهب ضحيته أناس بلا ذنب. لكن كل شيء كان يمهد لهذا، بداية بالخطاب السائد على مستوى المؤسسات والأفراد حتى وإن كان ذلك مستتراً.

يجب أن يبدأ الإنسان كل إنسان في هذه المنطقة باستشعار المسؤولية تجاه ما يحدث وأن يكون الخطاب الجديد هو خطاب المواطنة، لا خطاب القبيلة ولا الطائفة ولا العرق. فلنتحلى بالشجاعة من أجل تجاوز هذا كله، مع الأخذ بعين الاعتبار تجربة أوروبا وصراع الكنيسة فيها بين طائفتين والدمار الشامل الذي تسببتا به. إننا متأخرون عن أوروبا بما يزيد عن 300 سنة ويجب أن ندرك أننا جميعاً مساهمون في هذا فأدوات المعرفة متوافرة لدينا جميعاً ونستطيع أن نكرسها من أجل حال أفضل. إن الدولة الاسلامية عبر تاريخها كله منذ وفاة الرسول وحتى اللحظة لم تظهر موحدة أبداً، وربما حديثنا عن الوحدة لا يعدو كونه كلاماً رومانسياً، فكل طائفة تفسر الدين وفق ما تتخذه من مفهوم. ولأن الدولة هي وحدها القادرة على ضبط الأمور اليوم، فإننا لا نسأل وحدة بقدر ما نطالب بمساحة يجد فيها كل طرف نفسه، بعيداً عن الموت والكفر، إنه لا خيار لنا إلا علمنة هذه الدول بدءًا بالتعليم. علمنة تحترم التراث، نخرج صيغتها التي تناسبنا. الجدير بالذكر أن هنالك قراءات تقول إننا لابد وأن نمر بهذه المرحلة، مرحلة العنف والحروب الدينية الضارية حتى نجد أنفسنا في موقع آخر، والسؤال هو كيف نمر بدون هذه الخسائر الفادحة؟ حنة أرندت المنظرة السياسية بدورها شرحت في كتاب لها بعنوان "في العنف" كيف أن العنف ناتج عن غياب العدالة، وبذلك نطلب من الحكومات العربية أن تعيد النظر في استبدادها ولتشرك الشعوب في معرفة مصيرها فإن كانت تتعرض لضغط دول العالم الكبار فوحدها الشعوب ستستطيع مع السلطة مواجهة الموقف ومعرفة أسبابه. علينا أن نبدأ بقراءة الموقف من موقعنا الآن وأن نأخذ بعين الاعتبار أن القراءات التي تقدمها السلطات العالمية بحاجة للقراءة النقدية أيضاً. سلمنا الله وكل الناس في كل مكان من العنف والإرهاب.

تعليق عبر الفيس بوك