أمريكا دولة عنصرية بامتياز

عبيدلي العبيدلي

"عندي حلم بأنه في يوم من الأيام سيعيش أطفالي الأربعة في شعب لا يكون فيه الحكم على الناس بألوان جلودهم، ولكن بما تنطوي عليه أخلاقهم".. تفرض كلمات الداعية والثائر الأمريكي مارتن لوثر كينج نفسها عندما نستمع إلى ما جاء في مقابلة للرئيس الأمريكي باراك أوباما مع برنامج إذاعي أمريكي بُث قبل أيام، أكد فيه أنَّ "التمييز العنصري لا يزال يرخي بظلاله على المجتمع الأمريكي".. مضيفا: "لا يتعلق الأمر بمسألة العنصرية الكامنة. لا تمحو المجتمعات تماما بين ليلة وضحاها ما حصل قبل 200 أو 300 سنة"، متابعا: "إرث العبودية (...) التمييز في كافة أوجه حياتنا تقريبا لكل ذلك آثار دائمة تلازمنا". جاءت هذه التصريحات إثر مقتل تسعة سود يحملون الجنسية الأمريكية "برصاص شاب أبيض في كنيسة بكارولاينا الجنوبية".

وفي منتصف شهر فبراير 2015 "لقي ثلاثة طلاب مسلمين من عائلة واحدة مصرعهم على يد متطرف أمريكي بعد إطلاق النار عليهم في منزلهم الواقع في ولاية كارولينا بالولايات المتحدة الأمريكية". وأسفرت التحقيقات الأولية للشرطة عن الاشتباه بشخص يدعى كريج استيقن هيكس يبلغ من العمر 46 عامًا.

مثل هذه الحوادث، وأخرى كثير غيرها ليست ظاهرة استثنائية؛ فهناك قائمة طويلة لحوادث مشابهة ومختلفة، تأتي ضمن هذا الإطار. ومن هنا؛ فإن هذه الحادثة، كما يقول الكاتب عادل محمد الأشطل: "ليست فريدة من نوعها، بل كانت هناك حوادث مشابهة ومختلفة، تأتي ضمن هذا الإطار، والتي تصل إلى قتل مواطن أسود كل 48 ساعة (الأسود يضم العرب والآسيويين والأمريكيين الجنوبيين؛ وسواء كانوا مسلمين أو يتبعون لِملل ومذاهب أخرى) حيث لا يزالون يُعتبرون داخل المجتمع الأمريكي فئة مهمشة، وتعاني الكثير من مشاكل الفقر والبطالة وتدني مستويات التعليم والصحة والخدمات الاجتماعية، والتي لم تتغير أوضاعهم مع وصول أول رئيس أسود باراك أوباما إلى سدّة الحكم في البلاد؟

وفي حقيقة الأمر أن من يتصفح تاريخ الولايات المتحدة، سيكتشف دونما جهد يذكر أنه مليء بانتهاكات حقوق الإنسان، المستمدة أصلا من جذور العنصرية المتأصلة في سلوك القادة الأمريكان، بمن فيهم أولئك الذين ينحدرون من أصول إفريقية من أمثال الرئيس أوباما؛ الأمر الذي يكشف أن واشنطن "تستخدم موضوع حقوق الإنسان لتحقيق أهدافها السياسية وليس لتعزيز حقوق الإنسان لدى شعوب العالم"-كما تدعي.

ولعلَّ اندلاع أعمال العنف مجدداً في مدينة بالتيمور بولاية ماريلاند الأمريكية، والتي بدأت "إثر تشييع جثمان شاب أمريكي من أصل إفريقي كان قد لقى حتفه، قبل فترة، متأثرًا بجروح أصيب بها أثناء اعتقاله من قبل الشرطة، يحمل الكثير من الدلائل التي تؤكد على أن نفسية التمييز العنصري القائم على اللون، لا تزال مُتأصلة في سياسات الدوائر الحاكمة في واشنطن".

وكما تناقلت وسائل الإعلام، فقد "هزت هذه المجزرة الولايات المتحدة، وأجبرت وزارة العدل الأمريكية إلى الاعتراف بتخوفها من أن يكون وراء تلك الجريمة "عمل إرهابي داخلي".

ومن هنا، فليست الصدفة المحضة وحدها هي التي تفسر الانتقاد الحاد الذي وجهته لجنة إزالة التمييز العنصري التابعة للأمم المتحدة في جنيف، في أغسطس 2001، إلى الولايات المتحدة "بشأن سياسة التفرقة بين الأعراق". وأدى ذلك إلى صدور "تقرير تضمن تلك الانتقادات بعد دراسة استغرقت ثلاثة أسابيع سجلت خلالها ممارسات التمييز العنصري في جوانب تتعلق بسياسات رسمية لواشنطن".

وهناك الكثير من الوقائع التي تؤكد تجذر الاضطهاد العنصري في صلب سلوك ساسة البيت الأبيض من بينها امتناع الولايات المتحدة عن "تأييد برنامج الأمم المتحدة العشري للنضال ضد العنصرية والتمييز العنصري بين (1973-1983)". كل هذا يثبت أن العنصرية الأمريكية ليست موجهة نحو الداخل الأمريكي فحسب، بل يتسع نطاقها كي يسيطر على السياسة الخارجية الأمريكية أيضا.

وليس هناك أفضل من المفكر الأمريكي نعوم تشومسكي، الذي يرصد تنامي هذه الظاهرة، وارتفاع نسبة العنصرية في بلاده؛ فيقول: "إنه لو أراد الانسان قياس أعمال العنف التي یتعرض لها المواطنون الملونون في أمريكا حاليا بفترة الرقيق والعبودية فإن الأعمال القمعية التي یتعرض لها هؤلاء في الوقت الحالي هي أکثر بكثير مما کانت في السابق".

ونجد مثل هذا التشخيص على يد باحثة أمريكية أخرى هي أستاذة الدراسات العرقية في جامعة كاليفورنيا، والناشطة في مجال حقوق الإنسان إليزابيث مارتينيه التي رصدت الجذور التاريخية للعنصرية الأمريكية، في الكثير من دراساتها، مثل تلك التي نشر بعض أجزائها موقع صحيفة "البعث" السورية، وأوضحت فيها أن تلك السياسات العنصرية تستمد جذورها، ومن ثم قوتها، واستمرارها، من ثلاث ركائز هي:

- الأولى: إنَّ الولايات المتحدة دولة وجدت بالاحتلال العسكري الذي تم على مراحل عدة، بنيت أساساً على إبادة السكان المحليين واغتصاب أراضيهم.

- الثانية: إنَّ الأمة الأمريكية لم تكن لتتطور اقتصادياً دون استعباد العمالة الأفريقية لدعم القوة العاملة الضرورية لإحداث النمو الاقتصادي في الولايات المتحدة.

- الثالثة: قيام الولايات المتحدة بالاستيلاء على نصف المكسيك؛ الأمر الذي أتاح لها الوصول إلى المحيط الهادي؛ وبالتالي فتح باب التجارة على مصراعيه مع آسيا، وفتحت الأسواق لتصدير البضائع.

كلُّ تلك الدلائل هي بمثابة إدانات بينة تؤكد أنَّ أوضاع غير البيض في الولايات المتحدة هي اليوم أسوأ من السابق. وكما يعترف علماء اجتماع أمريكيين "فإن فترة العبودية التي عاشها الملونون في المجتمع الأمريكي تم إستصغارها ولم تعالج آثارها السرطانية داخل المؤسسات والأفراد وهي بالتالي قادرة على إنتاج انفجارات من الحقد والكراهية على غرار الأحداث الجارية حالياً".

وكل هذه الظواهر هي شواهد حية، تدين واشنطن وتؤكد بما لا يدعو للشك أن الولايات المتحدة، مهما حاولت أن تنفي، هي دولة عنصرية بامتياز.

تعليق عبر الفيس بوك