شرُّ البليَّة...!

أحْمَد الرَّحبي

يُقال في تعريفِ الضحك أنَّه مجرَّد فعل انعكاسي لا إرادي، وأنه عبارة عن استجابة فيسيولوجية بسيطة لمثير أو مُنبِّه شديد التعقيد (الفكاهة)، وتتمثل هذه الاستجابة في انقباض خمس عشرة عضلة من عضلات الوجه بطريقة مُنسَّقة ومُترابطة، والتي يُصاحبها بعض التغيُّرات في طريقة التنفس. ولا يهدف الضحك إلى تحقيق أية غاية نفعية، وليس له أي هدف بيولوجي واضح؛ فهو بلا هدف ولا غاية بعكس الأفعال الانعكاسية اللإرادية الأخرى؛ مثل: العطاس، أو اختلاج العين (في حال الإحساس بالخوف). والضحك ليس شاهدا على صحة الإنسان النفسية والفيسيولوجية فحسب، بل إنه مُفيد من أجل تقدم الصحة أيضا؛ وذلك عن طريق تنشيطه جهاز التنفس وغيره من أقسام الجسم، فيما يُشكِّل الضحك في الوقت ذاته، واستعداد الإنسان لممارسته، مقياسا لمدى انسجام هذا الإنسان مع الجو المحيط به.

ويقول الفيلسوف الكبير هيجل في تعريف الفكاهة أو الدعابة -التي تعتبر مثيرا أو منبها للضحك- بأنَّها هي مَيْل العقل والقلب إلى قول الحقائق بأسلوب مرح، ويُنظر إلى الدعابة مثل كوكب ذي وجهين، يضحك وجهه الظاهر من بكاء وجهه المستتر، وإذ تحارب الدعابة الشر من وجهة النظر الأخلاقية لعصر من العصور أو من خلال مناقبية مجتمع من المجتمعات، فإنَّها -أي الدعابة- تجلب المتعة وتنشر السرور.

وقيل قديما "شرُّ البلية ما يضحك"، وليس أشد بلية وأكثر شرا مقارنة بالبلايا والشرور التى واجهها الوطن العربي طوال تاريخه، من الواقع المأزوم الذي يعيشه العالم العربي في السنوات الأخيرة، وإنَّ عدم الفهم والاستيعاب وهي الآلية العقلية لدى الإنسان لتبرير وتقبل ما يحدث في محيطه في إطار العقل الذي يتسلح به الإنسان، تحيله دائما كتعويض لعدم الفهم والاستيعاب لما يحدث حوله إلى سبر هذا الواقع المأزوم عن طريق رصد ما أصبح يحفل به هذا الواقع من تناقض ومن مفارقات ومن لا معقولية صادمة تثير الضحك والبكاء في الوقت ذاته. ولتحقيق ذلك فيما يتعلق بالواقع وبالأوضاع الصادمة على الأرض في وطننا العربي، لابد من اعتناق روح الدعابة ومن اللجوء إلى الضحك كعلاج لتحمل وطأة المشقة التي يفيض بها هذا الواقع، فلا يمكن فهم ولا استيعاب المتغيرات المتلاحقة التي تعصف بمنطقتنا العربية ومجتمعاتها منذ 5 سنوات، خاصة في ظل تداعي وتفكك مكونات المجتمع الواحد في بعض الدول العربية كسوريا وليبيا والعراق في السنوات الثلاث الأخيرة، ونضوب للغنى الاجتماعي والثقافي والحضاري في تجربة العيش المشترك منذ عشرات السنين لصالح الفرقة والانقسام والتشظي لهذه المكونات؛ وذلك بفعل السياسة وحماقاتها، وبفعل انتشار خطاب رجعي متخلف لفهم الدين يضيق بهذا الغنى الاجتماعي والثقافي والحضاري، وهذا هو الذي يصل بنا إلى مبلغ الفكاهة السوداء وذروتها، حين يصل التناقض إلى حد يصعب معه أو يستحيل التوفيق بين الصورة الذهنية والأمر الواقع المتعين على الأرض.

ولاستعادة انسجامنا مع الواقع والجو المحيط أو حماية هذا الانسجام من التدني أو السقوط في درك من التشاؤم والاكفهرار بسبب الواقع والجو المحيط، لا بد أن نكون مستعدين للضحك دائما، وكما يؤكد عالم النفس هرمان رايبر أن الضحك وتذوق النكتة ضروريان، خاصة عندما يكون الناس في حالة صعبة أو غير طبيعية؛ فالضحك بالنظر إلى واقعنا العربي المأزوم والذي يعيش الكثير من المتغيرات الصادمة بات ضروريا، بل أصبح متنفسا للكثير من الناس في مجتمعاتنا العربية؛ سواء الضحك السطحي الذي ليس هو في الحقيقة سوى دغدغة ساذجة ورخيصة لمشاعر الناس، أو الضحك الهادف الذي يثير في الإنسان شعورا بالخجل تجاه نقائضه ويدفعه إلى تصحيح أخطائه.

تعليق عبر الفيس بوك