تطوير المنظمة.. من التأسيس إلى الإنتاج

خلفان العاصمي

توجد الكثيرُ من الدلائل التي تؤكِّد أنَّ تطوير المنظمات هو مُحصِّلة تفاعل ما بين البُعد البشري والبُعد المؤسسي والبُعد البيئي للمنظمات ذاتها، وأنَّ نقطة الانطلاق الصحيحة لهذا التفاعل تكون مُمثلة في الوعي بمكونات كلِّ بُعد من الأبعاد وشبكة العلاقات التأثيرية المتبادلة بين الأبعاد ذاتها؛ لأنَّ ذلك يُفيد في التعرُّف على المشكلات وتحديدها؛ وبالتالي دَفْع المنظمات للدخول في طور التطوير والتغيير المخطط، ولقد تناولت أدبيات الإدارة موضوع تطوير المنظمات وأولته عناية واهتماما، وناقشت نوعية المراحل التي يجب أن يمر بها التطوير والتعاقب الذي يجب أن يكون عليه. وعلى وجه العموم، يُمكن القول بأنَّ ثمة إجماعا في الأدبيات على أنَّ هناك أربع مراحل لتطوير المنظمات؛ أولها: مرحلة البدء؛ وهي مرحلة أساسية للتطوير، وتتصل بحالة المنظمات ومتطلبات تطويرها ومدى استعدادها لممارسة التطوير والتغيير؛ فالممارسات المتعددة لتطوير المنظمات برهنت على أن نجاح أسلوب تطوير المنظمة وتغييرها إلى الوجهة المستهدفة يتأثر إلى حد بعيد بطريقة تحديد متطلبات التطوير، وكذلك استعداد النظام الاجتماعي والنفسي في المنظمة للتغيير والتطوير، ويُستدل على الاستعداد الهادف والمرغوب للتغيير من خلال عدة أمور؛ من بينها: اتصاف المنظمة بنمط اتصال مفتوح، ووجود رغبة عامة للعمل التشاركي، وأيضًا التقبل الجيد لأهداف التغيير المتوقع والتجاوب مع ذلك التغيير.

وإذا كان توافر درجة من استعداد المنظمة للتغيير يعد أمرا لازما للبدء في تطبيق أسلوب تطوير المنظمة لضمان فعاليته، فإنَّ دَعْم مُختلف المستويات الإدارية الموجودة في المنظمة يُشكل شرطا أساسيا لنجاح تطبيق أسلوب التطوير، والتأكيد هنا على مساندة ودعم كافة المستويات الإدارية بما فيها المستوى الإجرائي أو التنفيذي، والذي يستهدف ضمان عدم معارضة السلطة التنفيذية للتغيير المرغوب، بل تقبلها لهذا التغيير واتخاذها الإجراءات اللازمة له. ومن جهة أخرى، إيجاد نوع من تكامل الأدوار بين كافة المستويات الإدارية في تحقيق التطبيق الناجح لعملية تطوير المنظمة. أما المرحلة الثانية، فهي مرحلة التحول؛ إذ حتى يتم التوصل إلى مرحلة التطوير، فإنَّ ثمة مُتطلبات أساسية من المهم توافرها، وهي تنحصر في القيام بجهود مدروسة ومخططة لتأهيل وتدريب العاملين في المنظمة؛ فبقدر جَوْدة هذه الجهود كمًا وكيفًا بقدر فعالية وممارسات التطوير وعمقها وتوجيهها الوجهة المرغوبة، وأيضًا بقدر تمكن الأفراد من التعامل الصحيح مع مشكلات المنظمة، وقد أسفرت الدراسات في هذا الصدد عن أنَّ الاستهانة بأمر تأهيل وتدريب العاملين يجعل من ممارسة أسلوب تطوير المنظمة ممارسة سطحية، بعيدة كلَّ البُعد عن ترك آثار إيجابية على أبعاد المنظمة؛ فعلى سبيل المثال فقد أسفرت إحدى الدراسات عن أنَّ التقليل من الزمن المبذول في تأهيل العاملين وتدريبهم وفق ما تستدعيه مُتطلبات التطوير، فإنَّ ذلك لا يُؤدِّي فقط إلى تعامل سطحي مع مشكلات المنظمة، ولكن يؤدي أيضًا إلى فقدان الهيئة العاملة فيها لقدرتها على التعامل الفعال والشامل مع تلك المشكلات.

وبعد ذلك، تأتي المرحلة الثالثة؛ وهي: مرحلة الصيانة المؤسسية؛ وتستهدف هذه المرحلة المحافظة على فعالية برنامج تطوير المنظمة؛ لذلك فهي تتطلب توافر فريق أو كادر من المختصين من داخل المنظمة نفسها، يعملون كمنظومة فرعية داعمة ومساندة لجهود مستشاري تطوير المنظمة، ويتم إعداد هؤلاء عن طريق برامج تثقيفية وتدريبية مدروسة، كما أنهم يُشكلون حلقة وصل مستنيرة تكون قادرة على التعامل والتفاعل مع حاجات المنظمة وصيانة منجزاتها ودعمها. أما المرحلة الرابعة والأخيرة؛ فتتمثل في مرحلة النتائج والآثار؛ حيث إنَّ الآثار التي يمكن أن تتركها برامج التطوير على أية منظمة وعلى العاملين فيها وعلى مكانتها كمنظمة تتزامل مع المنظمات المختلفة للمجتمع هي ذاتها تفيد في الحكم على مدى أهمية وفاعلية برامج تطوير المنظمة ومدى ملاءمتها لهوية المنظمة وبيئتها المحيطة.

ومن الأهمية بمكان التأكيد على أنَّ بعضَ الدراسات والبحوث التي قام بها عدد من المهتمين والباحثين في مجال الإدارة الحديثة للمنظمات المؤسسية قد توصَّلت إلى أنَّ برامج تطوير المنظمة إذا أُحسن اختيارها وتنظيمها واستخدامها، فإنه يُمكن أن تزيد من قدرة المنظمات على ذاتية الإبداع والقدرة على التعامل مع التحديات الداخلية والخارجية التي تواجهها، كما أنَّها تؤدي إلى تحسين العلاقات بين أفرادها وتزيد من إيجابيتهم وتحسن مستوى التناغم بينهم وارتفاع روحهم المعنوية ومن ثم قدرتهم على الإنتاج الجيد.

تعليق عبر الفيس بوك