البلسم الشافي (الجزء الثالث)

حمد بن عبد الله بن محمد الحــــوسني

أيها الأعزاء، لا زلنا نواصل للعام الثالث سلسلة (البلسم الشافي)،وقد ناقشنا في اللقاءات الأخيرة من السلسلة الماضيةموقف العلماء من الإعجاز العلمي، وذكرنا أنه بعد أن ترجمت إلى العربية الكتب المختلفة لفنون العلم التي ألفها علماء الحضارات القديمة بعد أن دخل أهلها إلى دين الإسلام، نجد مثلا أن بعض علماء التفسير يقول معتمدا على ما ذُكِر في كتب الطب المترجمة بأن للخمر منافع بدنية ومعنوية، ويذكر ذلك في معرض تفسيره للآية (219) من سورة البقرة، وذلك عند قول الحق -جل شأنه-: (يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ)!!

ووعدنا أننا سنذكر بعضا من ذلك في هذا اللقاء.

فعلى سبيل المثال يقول ابن كثير في تفسيره: (وقوله: {قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس} أما إثمهما فهو في الدين، وأما المنافع فدنيوية؛ من حيث إن فيها نفع البدن، وتهضيم الطعام، وإخراج الفضلات، وتشحيذ بعض الأذهان، ولذة الشدة المطربة التي فيها، كما قال حسان بن ثابت في جاهليته:

ونشربها فتتركنا ملوكاًوأسداً لا ينهنهنا اللقاء
وكذا بيعها والانتفاع بثمنها، وما كان يقمشه بعضهم من الميسر فينفقه على نفسه أو عياله، ولكن هذه المصالح لا توازي مضرته ومفسدته الراجحة، لتعلقها بالعقل والدين، ولهذا قال الله -تعالى-: {وإثمهما أكبر من نفعهما}، ولهذا كانت هذه الآية ممهدة لتحريم الخمر على البتات، ولم تكن مصرحة بل معرضة).

ونجد الفخر الرازي في معرض تفسيره لهذه الآية يقول: (وأما المنافع المذكورة في قوله -تعالى-: {ومنافع لِلنَّاسِ} فمنافع الخمر أنهم كانوا يتغالون بها إذا جلبوها من النواحي، وكان المشتري إذا ترك المماكسة في الثمن كانوا يعدون ذلك فضيلة ومكرمة، فكان تكثر أرباحهم بذلك السبب، ومنها أنه يقوي الضعيف، ويهضم الطعام، ويعين على الباه، ويسلي المحزون، ويشجع الجبان، ويسخي البخيل، ويصفي اللون، وينعش الحرارة الغريزية، ويزيد في الهمة والاستعلاء).

وجاء في كتاب (أنوار التنزيل وأسرار التأويل المعروف بتفسير البيضاوي) لأبي سعيد عبدالله بن عمر بن محمد الشيرازي البيضاوي (بتصرف بسيط): ({ومنافع لِلنَّاسِ} من كسب المال، والطرب، والالتذاذ، وفي الخمر خصوصاً تشجيع الجبان، وتوفير المروءة، وتقوية الطبيعة).

وجاء في تفسير (البحر المحيط) لأبي حيان محمد بن يوسف بن علي بن يوسف بن حيّان: (والمنفعة التي في الخمر، قال الأكثرون: ما يحصل منها من الأرباح والاكساب، وهو معنى قول مجاهد. وقيل ما ذكر الأطباء في منافعها من ذهاب الهم، وحصول الفرح، وهضم الطعام، وتقوية الضعيف، والإعانة على الباءة، وتسخيةالبخيل، وتصفية اللون، وتشجيع الجبان، وغير ذلك من منافعها.

وقد صنفوا في ذلك مقالات وكتباً، ويسمونها: الشراب الريحاني، وقد ذكروا -أيضاً- لها مضار كثيرة من جهة الطب).

وجاء في تفسير (اللباب في علوم الكتب)لأبي حفص عمر بن علي بن عادل الحنبلي الدمشقي النعماني: (وأما المنافع المذكورة فيهما، فمنافع الخمر أنهم كانوا يتغالون بها إذا جلبوها من النواحي، وكان المشتري إذا ترك المماكسة في الثمن؛ كانوا يعدون ذلك فضيلة، ومكرمة، وكانت تكثر أرباحهم بذلك السبب، ومنها أنها تقوي الضعيف، وتهضم الطعام، وتعين على الباءة، وتسلي المحزون، وتشجع الجبان، وتسخي البخيل، وتصفي اللون وتنعش الحرارة الغريزية، وتزيد من الهمة، والاستعلاء).

وجاء في تفسير (غرائب القرآن ورغائب الفرقان)للحسن بن محمد بن حسين القمي النيسابوري: (وأما المنافع المذكورة فهي أنهم كانوا يغالون بها إذا جلبوها من النواحي، وكان المشتري إذا ترك المماكسة في الثمن يعد ذلك فضيلة ومكرمة، وكان يكثر أرباحهم بذلك السبب قال أبو محجن: أقومها زقا يحق بذا كم يساق إلينا تجرها ونسوقها.

قال أبقراط: في الخمر عشر منافع؛ خمس جسمانية، وخمس نفسانية. فالجسمانية أنها تجوّد الهضم، وتدرّ البول، وتحسن البشرة، وتطيب النكهة، وتزيد في الباه. والنفسانية أنها تسر النفس، وتقرب الأمل، وتشجع النفس، وتحسن الخلق، وتزيل البخل).

والشاهد أنهم كانوا يستفيدون في تفسيرهم من علوم عصرهم، وإن كنا نختلف معهم في بعض القضايا.

* أمين الصندوق بالجمعية العمانية للعناية بالقرآن الكريم (قيد التأسيس)

تعليق عبر الفيس بوك