نجومٌ تأفل .. وأُخرى تبزُغ!

هلال بن سالم الزيدي*

ثمة خيطٌ رفيعٌ جداً يفصِلُ بين المصلحة الشخصيّة والمصلحة العامة.. وثمّة ستار وأقنعة تفصل بين حاجة البشر ورغبة النفس في بلوغ الأماني.. وثمة إيمانٌ ينغمسُ في وحل الحياة بأحقيّة بعض النفوس في تسيُّد المواقف كافة.. وثمّة نفوس تعتقد بأن لها الحق في أن تكون وصية على المجتمع فيحل لها ما لا يحل لغيرها، فالتستر خلف حاجة الناس ظاهرة اجتماعية استفحلت في كثير من الاتجاهات، وذلك لأسباب كثيرة مردُها إلى البحث عن هويّة شخصيّة ووجاهة اجتماعيّة بين أناس وضعتهم الظروف في مقدمة ما..! لكن الحقيقة تكشف تلك الأقنعة عندما تتضارب تلك المصالح وتطفو على السطح ليكيل كل طرف للآخر بأنّه يهتم بمصلحته ليس إلا.. وتلك الحقائق مردها إلى نضوج المجتمع وقدرة أفراده على فهم الواقع.. فالواقع مرير إذا جاء بكل تفاصيله لأنّ هناك ثُلة من البشر جُبلوا على حب الذات وبلوغ النرجسيّة حتى تتمكن "الأنا " من السيطرة على تلك الكُتل المتدحرجة على أرض متعطشة للتغيير، وبالتالي تفقد بعض التشكيلات النخبوية ثقة المجتمع جراء تصرفات الأنانية التي اعتقدت بأنّ النعيق والعويل هو من يسُد سغاب جوعها لتحظى بقبول في تجمعات تريد أن تتكلم وبصوت مسموع حتى يصل صوتها إلى هناك ..

في زاوية "ما" وتحت قبة الرأي فقط وليس الرأي الآخر تشهد التجربة الشوريّة نوعاً من النضوج غير الممنهج في المنظومة البرلمانية، لأنّ النتائج العامة لا تملأ محارة الحاجة والرغبة في إحداث التغيير وفق أسس علمية تتكامل فيها الأدوار، فعلى الرغم من علو الأصوات بالأدلة والبراهين المتفاوتة القوة إلا أن دحضها سهل جداً من قبل من يريد أن يعيش دون حساب.. وفي الغالب تجاهلها هو الحل الذي أبعد شبح الخوف لمن تسوّل له نفسه استغلال صلاحياته، وربما الأطراف هنا في هذا القصد يجتمعون في الحفاظ على المنصب، لذلك تجدهم كل يُغني على همه ليحقق هدفه مع أهداف أخرى تأتي في ذيل القائمة وليست بالأهمية بأن تتحقق.. وتُترك للصدفة بأن توجدها.

إن الترابط الوثيق بين الإنسان ومنصبة الإداري جعله لا يرى إلا نفسه، فخسرانه لمنصبه يعده تجني عليه وعلى تاريخه وخدمته الممتده، فالمبادئ تتكسر عند فقْد الكرسي، فيصب جام حنقه وغضبه باحثا عن الأسباب التي جعلته خارج إطار الصورة، غير آبه بحقبته التاريخية وما حققه خلالها، من هنا تضيع الحقوق العامة وسط هذا النهم الذاتي وتتأخر الكثير من المشاريع، لأنّ "فلان" لا يريد لها أن تكون، وبالتالي تكون النظرة أُحادية المحتوى لا تعترف بالمشاركة والتكامل بين فرد فقد منصبه وآخر قادم ليكمل المسيرة.. فكل واحد لا يعترف بجهد من سبقه، وكم من خطط ومشاريع كانت عناوين بارزة وأصبحت أطلال يُبكى عليها؟ بسبب أننا لا نؤمن إلا بما نراه منفردين، ولا نفكر أبعد من عتبة أنوفنا المزكومة بمصالحنا الذاتية.

العودة من جديد إلى كرسي الشورى لبعض الأعضاء تُصنف ضمن مبدأ "أكون أو لا أكون"، فإن تحقق الهدف فالتجربة تكون بنفس التفاصيل السابقة، وإن لم يتحقق فإن هناك شيء "ما " أو أشخاص "ما" لم يريدوا له إعادة التجربة، لتُفسر فيما بعد بتفاسير غريبة، فتُشحذ حولها الأصوات، لتصبح قضية تتداول وكلٌ يدلوا بدلوه فيها، غير واعين أو مقتنعين بأن لكل له دوره، وعلينا أن نتعاون لمصلحة الوطن لا لوجاهة أردناها، لذلك رأها البعض بأنه نوع من الغُبن، أو ربما تصفية حسابات لإبعاد من يُعتقد بأنّهم صوت الوطن، لكن لو آمنا بأننا نسير في منظومة التكامل والتكافل، لما سخّرنا وقتنا وجهدنا للإجابة عن: لماذا "فلان" أبعد من التشكيلة؟ دعونا نتجاوز هذه المرحلة التي قد تؤخر الشعوب من ملامسة أحلامها، ولنستعد أو لنتعلم بأن نختار لمن يدعم هذه المسيرة، وليس لمن ينعق ويصدر جعجعة وفي النهاية تكون بلا طِحن، دعونا نتعلم بأن المنصب لا يدوم، والكرسي ليس لديه صاحب واحد فقط.

لا يمكن أن نصف منظومة الشورى بحسب توجهات فردية أو أصوات تريد فقط أن تُحدث نوعا من الجلبة، كما أنه لا يجب أن نصف التجربة بأنها تجربة فاشلة أو ناجحة بناء على تصرفات من قبل أشخاص لم يبلغوا مرحلة النضوج في تفسير الظاهرة البرلمانية، وفي عموم القول علينا أن نؤمن ونسلّم بأننا نحتاج إلى الأخطاء والفشل حتى نتبين بأنّ هناك عملا لنصل إلى النجاح، لأنّه لا يمكن أن نحقق إنجازا بدون أخطاء كوننا لم نُعصم من وقوع الخطأ، لكن في ذات الوقت علينا ألا نُكرر الخطأ في مسألة اختيار العضو أو انتهاج بعض الأعضاء فلسفة إثارة الرأي العام وارتداء الأقنعة التي تجعلهم "معصومين"، فكم من عضو بلغ هدفه وبنى مستقبله قبل خروجه؟! وكم من وزير خطب ود عضو حتى يتجنب ثورانه تحت تلك القبة..!

علمتنا الحياة بأنّ توصيل الحجة الدامغة لا تكون بالقوة والصراخ.. وإنّما بالأدلة والبراهين المبنية على سياسة واضحة في التعامل مع الآخر والإيمان بالمحاسبة.. فليس هناك تشريع يحق لفرد أن يحاسب الآخر دون أن يُحاسب هو أيضاً.. ومن يبحث عن الزلات والأخطاء سيأتي يومًا بأن يعيش التجربة ذاتها ويكون "هو" تحت مقصلة السؤال.. فهل يمكن أن نعرف ممتلكات العضو قبل دخوله مجلس الشورى، وكم أصبحت بعد مغادرته ذلك النعيم؟ ربما سنرى ما لا عين رأت ولا أذن سمعت، إلا من رحم ربي..

من أجل نجاح المسيرة الشوريّة نحتاج إلى شروط أكثر صرامة في مسألة الترشح، وأكثر وضوحا في الهدف الذي نريد أن نصل إليه.. فالحياة ومتغيراتها كفيلة بأن تحدث الفرق ونوجد نوعا من التغيير الذي يخدم الوطن.. فالإيمان بتكامل الواجبات بين الأفراد كفيلة كذلك بتحقيق المراد، فمع أفول نجم سيسطع آخر بأكثر توهج.

همسة:

حتى لا يُعد الحديث معكِ تجريحاً سألتزم الصمت.. فمن أجل كيانُك عليّ ألا أخوض في أحاديث الوحدة والغربة والمشاعر المستفزة لوجودك كما تعتقدين.. وسأوكل المهمة للعيون لكي تنقل ما يجول في خاطري. فيقيني بوجودك لا يُقاس بكلمة شذت عن القاعدة أو معنى سقط سهوًا في خضم ثورة المشاعر. فما شذ عن المألوف لا يمكن أن يمحي قوة شخصيتك.. ولا يُعد إهانة لكِ.. لأنك ستبقين كما أنتِ بالنسبة لي.

*كاتبٌ وإعلامي

abuzaidi2007@hotmail.com

تعليق عبر الفيس بوك