نحو علاقة أكثر عدلا ومصداقية

عبيدلي العبيدلي

تكتظ قنوات الأخبار التي تتابع أوضاع الساحة العربية بأنباء الصدامات المسلحة التي تنتشر فيما يزيد على نصف مساحة البلاد العربية، ويشمل أكبر تلك البلدان من حيث الرقعة الجغرافية، والثقل السياسي، والتأثير في مسارات الحركة السياسية العربية واتجاهاتها. ننقل ما جاء في البعض منها على سبيل المثال لا الحصر، ففي سوريا، "تم قتل عشرون درزياً على الاقل برصاص عناصر من جبهة النصرة في محافظة ادلب في شمال غرب سورية إثر مشادة بين الطرفين تطورت إلى إطلاق نار، بحسب ما ذكر المرصد السوري لحقوق الانسان". وفي سوريا ذاتها أيضا، والتي تحظى باهتمام متزايد من وسائل الإعلام ، نقرأ "تراجعت قوات المعارضة السورية المسلحة من عدد من المواقع التي سيطرت عليها في مطار الثعلة العسكري في ريف السويداء (جنوب)، فيما واصل مقاتلو وحدات حماية الشعب الكردية في الرقة شمالي البلاد تقدمهم في اتجاه مدينة تل أبيض الحدودية مع تركيا."

وفي العراق، أعلنت وزارة الدفاع الاميركية "انها تبحث اقامة قواعد عسكرية جديدة في العراق، لتقريب مستشاريها العسكريين من خطوط الجبهة مع تنظيم "الدولة الاسلامية" (داعش). لكن البيت الأبيض "سارع إلى التأكيد على أن أي قرار بهذا الخصوص لم يصدر بعد. وقال الناطق باسم الرئاسة الاميركية جوش ارنست انه لا توجد خطط فورية لإنشاء قواعد جديدة".

وعندما نصل إلى اليمن، ننتقل إلى جنيف حيث تنطلق المحادثات هناك تحت رعاية الأمم المتحدة، كي تفتح "نافذة صغيرة للبدء بالخروج من النزاع المحتدم في اليمن منذ أطلق التحالف العربي بقيادة السعودية عمليته العسكرية ضد الحوثيين. ويشارك في المحادثات المعسكر السياسي المؤيد للرئيس المعترف به دوليا عبدربه منصور هادي المقيم في منفاه بالرياض، والمتمردون الحوثيون الذين يسيطرون على صنعاء منذ أيلول 2014. كما يشارك في المحادثات أيضا ممثلون عن حزب الرئيس السابق المتحالف مع الحوثيين علي عبد الله صالح الذي يحظى بولاء القسم الاكبر من القوات اليمنية المسلحة، وهي قوات تقاتل إلى جانب المتمردين".

بين ثنايا هذا الكم المحزن والمثير لليأس والإحباط، من الأخبار الذي لا عمل له سوى نقل إحصاءات ضحايا المعارك، يبرز خبر في مساحة متواضعة يعلن فيها "البنك الإسلامي للتنمية"، الذي يتخذ من جدة غرب السعودية مقرًا له، و"مؤسسة بيل ومليندا غيتس Bill & Melinda Gates Foundation"، عن مشروع "إطلاق صندوق الحياة والمعيشة بمبلغ 500 مليون دولار يهدف إلى العمل على معالجة الفقر والأمراض وتقديم الدعم لبرامج الرعاية الصحية والحيازات الزراعية الصغيرة، وخدمات البنية التحتية الأساسية الريفية في الدول الأعضاء في البنك. وسوف تساهم مؤسسة بيل ومليندا غيتس بنسبة 20% بنحو 100 مليون دولار أمريكي".

ولمن لا يعرف عن مؤسسة بيل ومليندا غيتس، فهي "مؤسسة خيرية، أسسها بيل ومليندا غيتس في العام 2000، وتضاعف حجمها بمجيء وارن بافت في العام 2006. ومن الأهداف الرئيسية للمؤسسة على الصعيد العالمي هي تعزيز الرعاية الصحية والحد من الفقر المدقع؛ وفي الولايات المتحدة، توسيع فرص التعليم والوصول إلى تكنولوجيا المعلومات. وقدرت أملاك المؤسسة، في العام 2007 بـ 37.6 مليار ".

لا بد من الإشارة إلى أنها كمؤسسة خيرية، تتحاشى قدر المستطاع - باستثناء مشروعاتها في الولايات المتحدة -الدخول في أية مشروعات ذات علاقة بتقنية المعلومات، وتحرص على تمويل الأخرى التي تحارب الفقر والمرض في الدول الفقيرة، من بينها على مشروعات مثل " Omni processor، وهو عبارة عن آلة ذاتية يمكنها تحويل مياه الصرف الصحي والفضلات البشرية إلى مياه شرب نظيفة ونقية". ويذكر أن غيتس شخصيا، حرص على أن "يقوم بشرب تلك المياه بنفسه أمام العالم، ليثبت أنها صالحة للشرب ولا يوجد بها أي مشكلات وليثبت أنه واثق من النتائج".

أما بالنسبة لبنك التنمية الإسلامي، والذي تعتبر نسبة مساهمة الحكومة السعودية الأعلى من المساهمين (23.6%) فهو الآخر يمول الكثير من المشروعات الخيرية في البلدان الإسلامية النامية. من بينها على سبيل المثال تلك التي نفذها في أفريقيا مع مؤسسة المنتدى الإسلامي البريطانية، مثل مشروع "مكافحة الكوليرا في مالي والنيجر.

أهمية هذا التعاون بين مؤسسة بيل ومليندا غيتس وبنك التنمية الإسلامي اليوم، أنه يأتي في مرحلة تتسم بشن حملة ممنهجة ضد الإسلام، وتجريده من أي مظهر من مظاهر السلوك الإنساني. ليس القصد هنا الدفاع عن الإسلام كدين، فللإسلام رب يحميه، لكن من الضرورة بمكان، أن الإسلام، وفي القلب منه العرب، دون الأديان السماوية أو القوميات الأخرى على التوالي، هو اليوم هدف، وبشكل ممنهج، لسهام المؤسسات الغربية. ويجري ذلك من منطلقات سياسية - اقتصادية أكثر منها دينية، كي لا نزج بالمؤسسات الدينية الأخرى في هذه المعركة. فمن الخطأ تصوير ما يتعرض له الإسلام اليوم على أنه حربا صليبية جديدة. فمثل هذا الطرح يضر بالإسلام ويحرف المعارك التي تدور فوق الساحة العربية، ونقلنا بعض ما تفرزه من تداعيات في مطلع هذه المقالة، عن مسارها الصحيح.

ربما، يدعونا التعاون بين المؤسسة الأمريكية والبنك الإسلامي، وهذه الأخيرة هي عربية في نهاية المطاف، إلى إعادة النظر، وبشكل جدي في طبيعة العلاقة التي تربط بين المؤسسات العربية ونظيراتها الغربية، وبدلا من حصر تلك العلاقة في استيراد للمعدات العسكرية من جانبنا، ونهب للنفط من جانبهم، يتسع نطاقها كي يشمل الكثير من المشروعات الإنسانية التي تنظم تلك العلاقة، وتعيدها إلى مواقعها الصحيحة بدلا من الأماكن غير المنصفة التي تحتلها اليوم.

حينها ستكون العلاقة أكثر عدلا ومصداقية.

تعليق عبر الفيس بوك