التدريب .. بين الاحترافية والربحية

د.سُليمان بن عُمير المحذوري

لا يختلف اثنان على أنّ العنصر البشري هو ثروة وطنيّة ينبغي استثمارها بما يُحقق أهداف وتطلعات الدول للمساهمة في تنميتها الاقتصاديّة والاجتماعيّة المرجوة. وفي هذا الصدد يقول محمد عواد في كتابه "تأملات في إدارة الموارد البشريّة" تتجه معظم المُؤسسات في عصر العولمة في شتى أرجاء العالم نحو الاستثمار في رأس مالها البشري بهدف رفع مستوى أدائها وتحقيق أهدافها" .

ويُعدّ التعليم والتدريب من المُرتكزات الأساسيّة لتأهيل الكوادر البشريّة وصقل مهاراتهم، وإكسابهم المعارف ذات العلاقة بالجوانب العلميّة والفنيّة والتقنيّة. فالخطط الإستراتيجية لأيّ مُؤسسة سواء أكانت حكوميّة أو أهليّة أو خاصّة لابد أن تتضمن خططاً تتعلق بتأهيل وتدريب الموظفين؛ وذلك لتحفيزهم من ناحية، وإكسابهم معارف إضافيّة تتصل بالمُستجدات في مجال عملهم لا سيما في وقتنا الحاضر وما يتسم به من طفرة معرفية وتكنولوجية. يذكر د. حمد آل الشيخ في كتابه "اقتصاديات الموارد الطبيعية والبيئية" أنّه كلما ارتفع المستوى النوعي والتأهيل الفني للموارد البشرية أدّى ذلك إلى زيادة القدرة الإنتاجية للمُؤسسة. ويضيف د.عيسى الأنصاري في كتابه "من التعليم إلى العمل" أنّ التعليم والتدريب يُكسب القوى العاملة المعارف والمهارات التي تعينها على أداء واجباتها بأفضل الطرق والوسائل. كما أنّ للتدريب أهميّة بالغة في صقل وتنميّة القدرات والكفاءات البشريّة في جوانبها العلميّة والعمليّة والنفسيّة والسلوكيّة. وفي وقتنا الحاضر كُثرت المُؤسسات المعنية بالجوانب التأهيليّة والتدريبيّة في السلطنة؛ إلا أنّ أكثرها لا يمت للتدريب والتأهيل بصلة سوى الاسم. واتخذت هذه المُؤسسات من "التدريب" وسيلة لتحقيق غايتها في كسب الأموال فقط وبغض النظر عن مستوى الخدمة المُقدمة، وأصبح التدريب مهنة من لا مهنة له. لذا ينبغي على الجهات الإشرافية ذات العلاقة مراقبة أداء هذه المؤسسات وتقييمها بشكل مُستمر، واتخاذ الإجراءات اللازمة ضد المؤسسات ذات الأداء المتواضع. وفي هذا الإطار، حضرت دورة تدريبيّة في مجال عملي ومنذ اليوم الأول اكتشفت أنا وزملائي المتدربين مدى ضعف المُؤسسة التدريبيّة المُنظمّة للدورة؛ فموضوع الدورة في وادٍ، والمحتوى في وادٍ آخر، فضلاً عن عدم تخصص المُدرب وغيرها من المُلاحظات التي لا داع للتطرق إلى تفاصيلها في هذا المقام.

على أيّة حال هذا نموذج من كثير من الدورات التدريبيّة التي لا تُضيف جديداً للمتدرب؛ بل على العكس تماماً؛ إذ تُعتبر بامتياز هدراً لوقت المُتدرب، وهدراً للأموال التي أُنفقت على هكذا تدريب. وفي المُقابل تمّ تسجيل اسم المتدرب على أنّه نال دورة تدريبية؛ بينما كان في الواقع ضحية لمؤسسات ربحية ليست لها علاقة بالتدريب. وهناك أمثلة عديدة لمُؤسسات من على شاكلة "بتاع كله" أو " أنا في معلوم كل شيء". لذلك وحرصاً على التدريب النوعي ينبغي على الجهة التي ترغب في تنظيم دورات تدريبية لموظفيها أن تتحرى عن المؤسسات التي تُقدم هذه الخدمة، وانتقاء الأفضل بما يتناسب مع احتياجاتها واحتياجات موظفيها؛ حتى لا تقع في فخّ مُؤسسات"مش حالك" ، وبالتالي تضيع الأموال سدى. كما أنّ العبرة ليست بطول الفترة الزمنيّة المُخصصة للتدريب، وإنما بنوعية البرامج المُقدّمة، وكذلك نوعية المدربين وخبراتهم التدريبيّة في مجال التخصّص، وينبغي الحذر كذلك من سياسة اختيار"الأرخص سعراً" عند المُفاضلة لاختيار المُؤسسات المُنفذة للبرنامج التدريبي، وإنما ترجيح كفّة "الأجود أداءً" فالعالم المُتقدم اليوم يتحدّث عن التدريب الاحترافي وليس التدريب من أجل سد خانة "الموظف حصل على دورة تدريبية".

abu-alazher172@hotmail.com

تعليق عبر الفيس بوك