المبادئ أولا

نائب بن ربيع بيت مبروك

تغنت الشعوب العربية كثيرًا ورددت بصوتٍ عال، إذا الشعب يوما أراد الحياة فلابد أن يستجيب القدر، ولابد لليل أن ينجلى، ولابد للقيد أن ينكسر، ومن لا يحب صعود الجبال، يعش أبد الدهر بين الحفر، في كثير من الأوقات وأغلب الأحيان عندما أكتب أحاول قدر المستطاع أن أبعد نفسي تمامًا عن مشاكلي الخاصة أفضل تجاوزها والإفلات من قبضتها، ولكن الأحداث التي تجري من حولي تهز وجداني خاصة عندما يصل إلى مسامعي صوت الشعوب الحرة وهتافاتها التي تراقص أسنتها صليل السيوف التي لمعت، وتوهج بها بارق ثغر عبلة المتبسم، حينها تشدني تلك الأناشيد الحماسية والوطنية وكأن بيني وبينها عشق يجذبني صداه، ويعصرني هواه عندما أشاهد تلك الجموع التي تخوض عبابا أليما غير آبهة بمصيرها، تقذف نفسها بين العواصف العاتية وتستقبل طوفان المواجهة بكل صبر وجلد غيرمكترثة لهدير الأمواج وصخب الخضم، تسابق الزمن وهي تزف أفراحها قبل الزفاف، وتعيش فرحة النصر قبل انتهاء المعركة، بعد أن تخطت عتبة الخوف وقشعريرة الذل والخور والضعف، هان كل شيء لديها النفس والروح والجسد، أي نوع من المشاعر هذه التي لا ينضب معينها، وأي أحاسيس تلك التي لا يخبو لهيبها ولاينطفئ بريقها، وكيف لها ألا تذوب بعد أن عسعس الليل وتنفس الصبح وانبلج الفجر وعزفت أوتار الغسق تنهدات الليل وأطياف السحر، يطيب للصب في تلك اللحظات أن يتذكر قول المتنبى (وما صبابة مشتاق على أمل، من اللقاء كمشتاق بلا أمل والهجرأقتل لي مما أراقبه، أنا الغريق فما خوفي من البلل ) إنها الطاقة التي تستمدها الشعوب الحرة من رحيق الأنفاس المنعشة، ودوافع القوة المعنوية التي يستجيب لها القدر، والقدر لا يستجيب إلا عندما تتغنى الأمم باسمه، وتدفع نفسها نحو التفاؤل والأمل، ويشدها صعود الجبال، ويستفز خيالها الإرادة والطموح ويستلذ لها ركوب المخاطر، وتعشق في ذاتها وباطنها وخيالها كسر الحواجز والقيود والسؤال وهل استجاب القدر عندما أرادت الشعوب تحقيق المعجزة عطفًا على ثورتهم، والتي تشاءم الكثير منها حتى أطلقوا عليها (الربيع المشؤوم) ولا أدري كيف يتشاءم البعض، وأنى لعاقل أوحر أو مثقف ينال منه الإعياء مبلغ الاستخفاف بغيره أن ينصف من لم يشاركه محنة إخفاقه واستخفافه، وكيف لحر يمتلك نزعة الكبرياء والأنفة ودوافع القيم السمحة والثوابت أن ينال منه العجز شيئاً من إرادته وأهدافه لذلك الذين تشاءموا من هذا الربيع لا يعرفون ثقافة الاستعلاء وقيمة الانفعال الديموقراطي ويظنون بأولئك الظنون، وإن كان بعض الظن إثم، وليتهم يدركون أن سبب كل ذلك قد يكون بعض الممارسات السلبية والتي انعكست آثارها الاجتماعية على أحوالهم ونفسياتهم وأدت بهم إلى الشعور بالإحباط والانكسار، بعد انعدام الحل وإخفاق الأطباء في الوصول لعلاج للقضاء على المرض وليس على المريض ولو أنّ الناس شعرت بأنّ هناك هامشًا من الحرية وشيئاً من العدل، هل كانت ستلجأ إلى مثل تلك المغامرات غير المحسوبة، ولو أنّ تلك المؤسسات المسؤولة حققت التوازن وخففت شيئاً من الضغوط ووفرت الجوانب الإيجابية هل كان سيحدث شيء من ذلك، كنت أتمنى ولازلت أن تخلق في المجتمعات التي تضيق ذرعا بالحياة أن تتواجد في مؤسساتها روح الألفة بين جميع الأطراف حتى لا يكون هناك غالبا أو مغلوبا، وبدلا من المطادرة والقوانين الصارمة والتضييق والتحزبات أن تكون قيادة هذه المؤسسات تدرك أبعاد ردة الفعل المعاكس، فالمرونة والاحتواء هي أعظم ثقافة يحافظ بها المرء على التوازن ويزرع بها الأمن ومسارات الطمأنينة بدلاً من المطاردة وسفك الدماء، وكان ينبغي أن تستخدم قبل كل شيء أدوات الخير بدلا من الدخول مباشرة في العنف وأدوات الشر فمثل أولئك الناس إذا ما تمّ استغلال طاقاتهم يصبحون فيما بعد القوة التي تمد أي أمة بالقيم والمبادئ والطاقة التي يستفيد منها المجتمع فمن يدفع حياته ثمنًا لإيمانه ومعتقداته الإيجابية دفاعًا عن شرفه وكرامته وأرضه ودينه وحريته وأمته يستحق أن يمنحه الوطن وسام العزة والفخر والعدل لايؤتى أكله، ولا تتم موازينه والكفة يشوبها النقص والخلل، ويصبح العدل ذا قيمة وفعلا عندما تتاح فرصة التعبير والمناقشة والحوار الحُر وكافة الآراء ومعرفة الظروف التي أحاطت وأسباب المشكلة كيف بدأت وكيف نشأت وكيف لم تخفت؟ فالذي يطالب بحقه ينبغي الإصغاء إليه أولا والاستماع له ثانياً لأنه يتصرف بأطهر ما يملك ويعبر بأصدق المشاعر والأحاسيس وعندما رفضت بعض المؤسسات الاستجابة وفضلت الحل الأمني شهدنا ولا زلنا نشاهد كيف تحولت الأوطان إلى نكبات وصراعات بين أبناء الوطن والإخوة وكيف اشتد النزاع حتى تفجرت المواقف وانتهى الأمر إلى المواجهة المسلحة، ويبقى السؤال الأهم ما هو الحل حتى يتوقف كل هذا النزيف الحاد في الوطن العربي وكيف؟ ومن حول هذا الربيع إلى صيف ساخن وبراكين مستعرة من؟ يأتي الحل بالتسامح من خلال العلاقة الجيدة بين الأطراف وزرع الثقة وهي إحدى أقوى المرتكزات التي يستند عليها نجاح العمل والتسامح هنا ينبغي ألا يأتي على حساب التساهل والعفو والعفو لايأتي على حساب العقاب وتطبيق القانون، كيف ذلك والمحاسبة مطلوبة ولا ينبغي لأحدٍ أن يكون فوق القانون أوالعدالة، والجميع يجب أن يخضعوا لنظامه ولشرائعه بعيداً عن المحاباة والمحسوبية، الإصلاح والتغيير مهم والتطور في كافة الأساليب الإنسانية والاجتماعية والسياسة والصناعية إلخ هو الأهم، بمعنى أن نتجاوز جميعاً وطنا وشعبا، وشعبا ووطنا، طريقة التفكير البائد القديم، وأن تكون هناك قيادة نموذجية تعكس الأطر التى ورثتها وتجاوزها الزمن، تلتزم بالقيم وتكون لديها القدرة على حل المعاناة والأزمات التي تصادفها فالناس لهم أيضاً أهداف وطموحات وآمال والحياة العصرية الحديثة لها من الضغوط النفسية والمادية المكلفة والتعقيدات المخيفة ما يزيد الطين بلة، وكيفما وضعت الخطط والإستراتيجيات والبرامج فإنّ قيمتها تنفذ بعد برهة من الزمن عندما تواجه التغييرات والتطورات المستمرة تفقد فاعليتها والناس كما قال المولى عزّ وجلّ (وخلق الإنسان ضعيفا) صدق الله العظيم، سورة النساء، والضعف مصدر من مصادر النفس لا يمكن علاجه إلا من خلال الابتعاد عن التحيز وتبادل الاحترام ومستوى العلاقة بين أفراد المجتمع، بعيدا عن أي تصفية أو حسابات خاصة، فالقيادة يقع عليها العبء الكبير وتحمل القسم الأكبر من المسؤولية هذا إذا ما أرادت أن تحقق العدل والنجاح على المستوى الخاص والعام، وأخيرا يجب أن يرتقي المستوى الإداري والتنظيمي إلى أعلى وأفضل المستويات في كل المؤسسات وأن تأتي الاختيارات بناء على الكفاءة والقدرة والأمانة والنزاهة والإخلاص وفقا لمعطيات المسؤولية التي تجعل العمل والحركة أساس البناء والنجاح وكسب الثقة حتى يكون التعاون إيجابيا ومثمرا وتكون المشاركة مبنية على روح التآخى والصدق والمحبة، لتأتي ثمرة الإبداع والحرفة والاحتراف مماثلة في كل الأصعدة وبالقيم والمبادئ تستطيع أيّ أمة صنع المستحيل والمعجزات، وبها أيضاً تحقق العدل والكرامة والأمن والاستقرار للوطن والمواطن.

تعليق عبر الفيس بوك