حق الطفل.. كيف نصل بالنص إلى الواقع؟!

زينب الغريبيَّة

لدى كلِّ طفل الحق في طفولة آمنة ومستقرة. والحق في أن يذهب إلى المدرسة، وأن يلعب ويشارك. ولكل طفل الحق في الحماية والرعاية. الوالدان أو أولياء الأمر الآخرون هم المسؤولون الأساسيون عن رعاية الطفل وتربيته، إلا أنه لديهم الحق في الحصول على المساعدة من مؤسسات المجتمع في تأدية هذه المهمة؛ باعتبار المجتمع وعاءً واحدا يحتوي جميع فئاته تؤثر وتتأثر ببعضها البعض، عندئذ يكون من واجب المجتمع تقديم العون لهؤلاء الأطفال على اختلاف انتماءاتهم القبلية ومستوياتهم المجتمعية. وفي هذه الحالة، يكون الهدف حماية الطفل وضمان الصحة البدنية والنفسية له. وفي الواقع، يُعد تفعيل حقوق الطفل تفعيلا لحقوق الإنسان، وهي حقوق تجعل الطفل ينمو بشكل طبيعي ليقوم بواجباته ومسؤولياته بشكل أكثر إنسانية وأكثر فاعلية لمستقبله ومستقبل دينه وأمته ووطنه والإنسانية جمعاء.

ومن أجل ذلك، اعتنى الإسلام بالطِّفْل من قبْل وجود الطفل؛ فوجه إلى تكوين أسرة طيِّبة تتكوَّن من والدٍ تقي ووالدة صالحة؛ من أجل احتضان أطفال في جو من الصلاح والاستقرار؛ فحثَّ رسول الله -صلَّى الله عليْه وسلَّم- الزَّوجة وأهلَها بقوله: "إذَا خَطَبَ إلَيْكُم مَنْ تَرْضَوْنَ دِينَهُ وخُلُقَهُ، فزَوِّجُوه"؛ رواه الإمام الترمذي في السنن. وحثَّ الزَّوج بقوله -صلَّى الله عليْه وسلَّم- كما جاء في الصَّحيحَين: "فاظْفَرْ بِذَاتِ الدِّينِ تَرِبَتْ يداك"، فإذا تكوَّن الطفل في الرحم حرَّم الاعتِداء عليه بحجة الخوف من الفقر أو عدم المقدرة من العناية المادية به، وأجاز لأمِّه أن تفطر في رمضان؛ تمكينًا له من أحسن ظروف النُّمو وتمام الخَلق، وجعل له حق الرضاعة الطبيعية من حليب أمِّه؛ وقد ثبتتْ قيمة هذه الرَّضاعة وأثرُها على الطفل صحيًّا ونفسيًّا، وبعد ولادته له العقيقة، كتكريم له، وفرحة به وصدقة عنه بذبْح شاة للمولود للذَّكَر والأنثى على حد السواء، وكفل له في مراحل حياته اللاحقة حقوق الملاعبة والملاطفة والصحبة والأدب كما ورد في سنة نبينا الكريم.

... إنَّ مرحلة الطفولة المبكرة من أهم مراحل حياة الإنسان؛ إذ تعتمد عليها مراحل النمو التالية في حياته، ويرى بعض المربيْن أن أثر الأسرة ترجح كفته على أثر عوامل التربية الأخرى في المجتمع، وأن آثارها تتوقف على الأسرة فبصلاح الأسرة تصلح آثار العوامل والوسائط التربوية الأخرى وبفسادها وانحرافها تذهب مجهودات المؤسسات الأخرى هباء؛ فثقافة الوالدين وتربيتهما المسبقة وخبرتهما في الحياة تلعب دورا رئيسيا في توجيه الطفل، وأن الكثير من العادات والأخلاق والمفاهيم والأفكار إنما يكتسبها الطفل من والديه؛ فانسجام الأبويْن داخل الأسرة وتعاملهما بما أمر الله ورسوله في كل شأن من شؤون الحياة هو الطَّريق التي يسلكها الطِّفْل خلف أبويْه، وهذا حقُّه على والديه؛ فمن حقِّه أن يجد المودَّة والرَّحمة قائمتَيْن في البيت، ومن حقِّه أيضًا أن يجد توجيهَه نحو الخير والصَّلاح، والحماية من كلِّ شرٍّ خارجي، وأن يتحصَّن بالخلق الرَّفيع؛ لأنَّنا نعيش في زمن كثرت فيه وسائل الإعلام والاتصال الفاسدة والمفسدة، المخربة للأخلاق بشاشاتِها الواردة من كل حدب وصوب؛ فماذا نفعل لنحمي أبناءنا من هولها؟ ويأتي في هذا السياق دَوْر بقية أفراد الأسرة من أخوة وباقي أفراد العائلة -إن كانت عائلة ممتدة في نفس المنزل- ومساهمتها في التأثير على الطفل أيضا.

ومن أجل الطفل ومستقبله علينا مراعاة حقوقه؛ وبالتالي لا بد من إنشاء وحدات ومراكز للتوعية والتدريب والتأهيل في مجالات دور الأسرة والإعلام والمدرسة...وغيرها من المؤسسات للتوعية بحقوق الطفل، ووضع البرامج التربوية الملائمة للأطفال، ولتوعية وتثقيف المعلمين وأولياء الأمور بدورهم في تربية أبنائهم.

كما لابد من نشر ثقافة حق الطفل سيما البالغ 12 عاما من العمر فما فوق في المشاركة برأيه في حياته، وما يتعلق بقرارات مصيرية لمستقبله وحقوقه تماماً مثله مثل الكبار. وله الحق في التعرف على الوثائق، التي تتعلق به، والاستماع إلى رأيه بشكل داخلي في الأسرة أو رسمي عندما يتم إجراء القرارات الخاصة بالأطفال وحقوقهم؛ فلديه الحق بالمطالبة بالخدمات التي يرغب بها ويحتاج إليها، والاعتراض على القرارات المتعلقة به، والتي يرى عدم مناسبتها له وتبرير ذلك بوجهة نظره. وإعطائه معلومات حول القرار الذي سيتم إجراؤه وحول إمكانية الاعتراض عليه؛ بمعنى أن الطفل يشارك في دراسة الأمور المتعلقة فيه شخصيًّا، ولكن لا يمكننا القول المطلق بأن الطفل يمكنه أن يقرر، بل إن إصدار القرارات وتحمل مسؤوليتها تعتبر مهمة الكبار وللصغار حق المشاركة ومعرفة رغباتهم وحاجاتهم.

ويعد تأثير وسائل الإعلام والاتصالات بما تحمل من مواد إعلامية موجهة للأطفال ذات أثر كبير وخطير لا يمكن تجاهله، يسري مفعوله داخل البيت وخارجه، بل أينما تواجد الطفل؛ فهو يحملها بين يديه؛ لذا لابد من التركيز عليها والاهتمام بها لنجعلها نابعة من قيمنا وتراثنا الإسلامي في إطار هويتنا، ولا بد من إسهام جميع الجهات في المجتمع؛ سواء كانت مؤسسات تعليمية أو أكاديمية أو مؤسسات القطاع الخاص ومنظمات المجتمع المدني، إضافة إلى المثقفين ورجال الفكر من أجل أن تكون صياغة هذه المواد حصيلة للجهود النابعة من مجتمعنا والتي تجعل الطفل أكثر انتماء لدينه ووطنه ومجتمعه.

ولا يمكننا أن ننكر جهود السلطنة في مجال حقوق الطفل من خلال سياساتها التنموية خلال الفترة الماضية من مسيرة التنمية في الاهتمام بهذه الشريحة وإعطائها عناية خاصة؛ بتقديم الرعاية الصحية اللازمة للأطفال وبالتالي القضاء على كثير من الأمراض المعدية التي كانت تصيب الأطفال، فضلا عن تركيزها على التعليم ودعمها له والعمل على انتشاره وتطويره، ووفرت له الإمكانات اللازمة، كما بادرت بتقديم بعض الرعاية للأطفال من ذوي الاحتياجات الخاصة، ووضعت التشريعات اللازمة لإنشاء دور الحضانة ورياض الأطفال -وإن ما زالت أغلبها خاصة- ولكن يمكننا القول بأنها شبه متوفرة لمن يرغب بها، وصادقت مع دول العالم على اتفاقية حقوق الطفل وغيرها من الاتفاقيات الدولية المتعلقة بحماية الأطفال، وتوجت أخيرا بإقرار قانون حقوق الطفل، ومع هذا يظل مجال الطفل بحاجة إلى مزيد من الاهتمام، والعبور إلى المرحلة التالية في تنمية هذه الفئة، وتوفير جميع هذه الحقوق له، من لعب وترفيه ومشاركة وإعلام وتعليم في مرحلة الرياض -قبل المدرسة- وبشكل مجاني، ليدعم مسيرة تشكيل الجيل القادم، والمساهمة في البناء القيمي والاتجاهات الشخصية لهذه الفئة المحتاجة للأخذ بيدها كي تنمو بسلام؛ من خلال الجهات ذات الصلة بجهود موحدة موجهة، بجهد مُتكامل كوزارة الإعلام والتراث والتربية والتعليم والتنمية الاجتماعية، والعمل على تنشيط الجهود بدعم رسمي يكون قادرا على مواكبة المتطلبات، ولا ضير في مشاركة القطاع الخاص للتعبير عن مسؤوليته الاجتماعية لفئة من أحوج الفئات للتنمية والتطوير؛ لبناء أجيال قوية تحمل لواء التنمية في الغد.

zainabalgharibi@yahoo.com

تعليق عبر الفيس بوك