المخالفون.. والحسم في ردع المخالفات

د. مُحمَّد الشعشعي

المخالفات جمع مخالفة، والمخالفة من معناها الدارج هي كل عمل يُقدم عليه الفرد وهو في المسار غير الصحيح. والمخالف هو الفرد الذي يقدم على مُخالفة الأنظمة والقوانين والتشريعات؛ فالمخالف لا يلتزم بالأطر التشريعية والقانونية التي تسنها السلطة التشريعية لتنظيم العمل والحياة.

والمخالفة لاشك أنها مقيتة؛ لأنها تعرقل سير الحياة وتبعد البشر عن كينونة النظام الذي يعتبر الأساس نحو السمو والتطور والرخاء.. وبالمخالفات -ونحن هنا بصدد المخالفات في الأراضي- تنتشر الفوضى وتتعرقل مشاريع التنمية الحيوية وتزداد البغضاء والفتن والمشادات بين أبناء المجتمع الواحد.. وبالتوسع يتسرب الجشع إلى النفوس لتلهث وراء المطامع والكسب غير المشروع، سالكة أساليبَ مُلتوية وطرقًا محرمة دينيا، ومجرَّمة تشريعيا وعرفيا.

هذه الأساليب الملتوية التي يقترفها البعض، تقف سدًّا أمام قطار التنمية وتعرقل مسيره؛ فعندما تكون هناك مساحات فضاء لمخطط مستقبلي لإنشاء مشاريع معينة أهلية أو حكومية أو عامة؛ فوجود المخالفة في هذه الفضاءات يعرقل إقامة تلك المشاريع النفعية؛ مما يُكلف الدولة مئات أو ملايين الريالات عند البحث عن أماكن أخرى. ناهيك عن تبعات ذلك الضرر من تكاليف مادية لإزالة تلك المخالفات، ومن تشكيل فرق وإدارات لرصدها ومتابعتها وإزالتها وما تستخدمه من معدات وآلات ثقيلة مكلفة، وتحتاج إلى جُهود بشرية تؤثر سلبا على الإنتاجية العامة للدولة، وتهدر تلك الأموال في غير مكانها الصحيح.. وللأسف، هذه النظرة لم يدركها من جعل مصالح الوطن العليا وراء ظهره، واتجه إلى مآرب شخصية أو مصلحة ذاتية ضيقة.

ومن المؤلم أن هذه المخالفات اجتاحت كل ربوع السلطنة من أقصى شمالها إلى آخر جنوبها, واستشرى مرض المخالفات في الجسم ونخرت سمومه العظام؛ لهذا لا يجب علينا أن نجامل أو نغض أبصارنا تجاه هذه التصرفات غير القانونية، وإنما يقع على كل منا مسؤولية ومهام ينبغي القيام بها لمواجهة هذه الإشكاليات، وللحد من التوسُّع الجنوني في هذه المخالفات التي تنوعت في أشكالها، واختلفت في أحجامها وطريقة تكوينها ومبررات إنشائها.

ونحن اليوم لسنا بصدد أن نوجِّه عتابًا أو لوما إلى جهة دون أخرى، أو أن نبرِّئ أو ندين سين دون صاد من المؤسسات، أو ننوي التحري لمعرفة السبب؛ لأننا نوجه التهمة أولا وأخيرا إلى الذي أقدم على ذلك العمل الخطأ، بعد أن سوَّلتْ له نفسه مع سبق الإصرار والترصد, ولا ننسى أن التراكمات السابقة التي لم تردع من قبل وقد تكون مشجِّعة وبيئة مساعدة وأرضية خصبة لإقدام البعض على هكذا عمل؛ لأنه شاهد غيره استفاد أو قد يستفيد من عمله المخالف، والنفس بطبيعتها طمَّاعة وأمارة بالسوء، وتجنح إلى تقليد الآخرين أحيانا حتى ولو كانوا على خطأ.

ولمخالفة القانون تأثيرات سلبية على البلاد والعباد، والغريب أنَّ المخالفين تجدهم من كافة طوائف المجتمع وشرائحه وفئاته. وهذا يعطي مؤشرا خطيرا ويُثير تساؤلات جوهرية إذا كان الحال وصل بنا إلى أنَّ الذي يقدم على المخالفة هو الشخص المعتبر في المجتمع؛ فقد يفسر هذه الظاهرة البعض بعدم تطبيق اللوائح القانونية وبسبب علة المجاملة والمحسوبية والتردد والخوف أحيانا من الإثارة والبلبلة عند إزالة تلك المخالفات، وما يلحق بها من تبعات.

ومن هنا، يجب ألا نترك الحبلَ على الغارب لكلِّ من هبَّ ودبَّ، وألا نشجِّع من يسلك طريق الخطأ,بل يجب تلاحم الجهود والتصدي لردع أي مخالفات تسيء إلى الوطن وسمعته وتهدر ثرواته الوطنية. ومن المهم أيضا الرجوع إلى طاولة القانون وميزان العدالة وأحكام القضاء، كما نؤكد على ضرورة ربط المخالفة بهوية الفرد المخالف وإيقاف كل معاملاته حتى يزيل المخالفة.

تعليق عبر الفيس بوك