وقفات مع اﻹسراء والمعراج

عيسى الرَّواحي

تُعتبر حادثة الإسراء والمعراج من الأحداث الإسلامية المهمة في تاريخ الإسلام. وما من حادثة من حوادث الإسلام أو مناسبة من مناسباته إلا وتحمل في طياتها الكثير من الدروس والعبر.. وهنا تبرزُ الحكمة من إحياء هذه المناسبات والاحتفال بها، وهو أن يعيش المسلمون في ظلالها ويستفيدوا من دروسها وعبرها؛ ليطبقوها في واقع حياتهم، وليس كما قد يظن أو يدعي بعض الناس بأنها إضاعة للوقت، وإحياء لبدع وضلالات.

ولو أنَّ المسلمين جميعا أخذوا من كل مناسبة إسلامية ما فيها من دروس وفوائد وعبر، وطبقوها منهاجا حقيقيا في واقع حياتهم لاستقامت أوضاعهم، وتحسَّنت أحوالهم، وارتفع شأنهم، وعادت عزتهم وكرامتهم، واستردوا أمجادهم وتاريخهم المجيد.

وحادثة الإسراء والمعراج تحوي الكثير من الدروس والعبر التي تعني المسلم على صعيده الشخصي، أو تعني الأمة الإسلامية جمعاء، وقد أعطت كتب السيرة النبوية -بمختلف الأزمنة- هذه الحادثة العظيمة حقها من البحث والدراسة والتحليل، واستخلاص ما فيها من دروس وفوائد، ولا ريب أنه ليس بإمكاننا في مقال عابر أن نستطرد ونبحث في وقائع هذه الحادثة أو سرد تفاصيلها أو احتواء جميع الدروس المستفادة منها، وإنما هي وقفات سريعة قد تكون تذكيرا للقارئ الكريم أكثر من كونها تعليما وإفادة بجديد؛ ومن أبرزها:

أولا: حادثة الإسراء والمعراج ثبتت على رأي جمهور العلماء والمفسرين بنص القرآن الكريم والسنة النبوية؛ فرحلة الإسراء التي بدأتْ من المسجد الحرام بمكة المكرمة وانتهت بالمسجد الأقصى في القدس الشريف ورد ذكرها في مطلع سورة الإسراء، حيث يقول الله تعالى: "سُبْحَانَ الَّذي أَسْرَى بعَبْده لَيْلًا منَ الْمَسْجد الْحَرَام إلَى الْمَسْجد الْأَقْصَى الَّذي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لنُريَهُ منْ آيَاتنَا إنَّهُ هُوَ السَّميعُ الْبَصيرُ" (سورة اﻹسراء: 1)، ورحلة المعراج التي بدأتْ من المسجد الأقصى وانتهت بالسماوات العُلى، ورَدَ ذكرها في سورة النجم؛ حيث يقول الله تعالى: "وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى عنْدَ سدْرَة الْمُنْتَهَى عنْدَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى إذْ يَغْشَى السّدْرَةَ مَا يَغْشَى مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى لَقَدْ رَأَى منْ آيَات رَبّه الْكُبْرَى" (سورة النجم: 13-18).

فإلى أولئك الذي يُمارون في رحلة المعراج بأنها ضرب من الخيال، مُتخذين من العقل -أحد مخلوقات الله تعالى الذي لم يستوعبهاـ الحكم والفيصل في هذه القضية وكافة قضايا دينهم، وأنه لا يوجد لها نص صريح من القرآن الكريم، ولا اعتبار عندهم بالسنة النبوية، نذكِّرهم ونحن نُجزم بأنَّ من هو أعلم منا وأفقه قد أبلغ في وعظه وتذكيره وتبصيره بأن العقل يبقى مخلوقا قاصرا عن استيعاب جميع أحداث الكون، وأنَّ الإيمان بالغيبيات يسلم أمره لله تعالى وما جاء به الوحي المتمثل في القرآن الكريم والسنة النبوية الثابتة؛ إذ لا يستطيع العقل استيعاب جميع حقائق الكون والحياة، ناهيك عن أن هذه الحادثة من المعجزات التي يُؤيد الله بها رُسله وهي بذلك أمرٌ خارق للعادة يجب التسليم لها والإيمان بها، ولعل أروع دروس اليقين في التصديق بهذه الحادثة ما ضربه لنا أبو بكر الصديق -رضي الله عنه- عندما بلغه الخبر، فقال قولته الشهيرة الخالدة: "إن كان قال، فقد صدق".

والأمر الآخر أنَّ القول الفصل في قضايا الدين ومسائله المختلفة هو للراسخين في العلم من العلماء والمفسرين الذين يملكون الأهلية الكافية والشروط الوافية والمقدرة التامة على بيان ما جاء في القرآن الكريم والسنة النبوية الثابتة، التي نؤمن إيمانا جازما بأنها وحيٌ من عند الله تعالى مصداقا لقوله: "وَمَا يَنْطقُ عَن الْهَوَى إنْ هُوَ إلَّا وَحْي يُوحَى" (سورة النجم: 3-4).

ثانيا: إلى أولئك الذين يعيشون تقلبات الأحوال والأزمان وسرعة انقضاء الليالي والأيام، ويرفلون في ثياب الصحة والعافية، نقول إنَّ حادثة الإسراء والمعراج هي المناسبة الأخيرة التي تفصلنا عن شهر رمضان الكريم، وما هي إلا أيام معدودات وسيحل هذا الشهر الكريم ضيفا عزيزا، سائلين الله تعالى أن يسلمنا له ويسلمه لنا؛ فإلى كل مسلم ومسلمة أن يعد العدة لاستقباله ويحسن ضيافته بصنوف الطاعات والقربات؛ فلعله يلقاه ولعله غير ذلك، فإن بلغنا الله إياه هذا العام فهي نعمة عظمى قد لا تعود ثانية، فيكفينا تقصيرا وتسويفا.

ثالثا: إلى أولئك المضيِّعين لصلاتهم المقصرين فيها الساهين عنها، نذكِّرهم بأنَّ حادثة الإسراء والمعراج ترتبط بهذه العبادة العظيمة ألا وهي الصلاة -ثاني ركن من أركان الإسلام- التي فُرضت أثناء هذه الحادثة واختصَّها الله تعالى بأن فرضها في السماوات العلى في رحلة المعراج، وأنها أول ما يحاسب عليه العبد يوم القيامة، وجُعل مناط قبول الأعمال بها، فإن صلحت صلاته صلح سائر عمله، وإن فسدت صلاته فسد سائر عمله، وهي الفيصل والبوصلة في استقامة سلوك الفرد؛ إذ إنها تنهى عن الفحشاء والمنكر، حيث يقول تعالى: "اتْلُ مَا أُوحيَ إلَيْكَ منَ الْكتَاب وَأَقم الصَّلَاةَ إنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَن الْفَحْشَاء وَالْمُنْكَر وَلَذكْرُ اللَّه أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ" (سورة العنكبوت: 45)، ويقول تعالى عن تاركها: "مَا سَلَكَكُمْ في سَقَرَ قَالُوا لَمْ نَكُ منَ الْمُصَلّينَ" (سورة المدَّثر: 42-43)، ويقول عن المقصر فيها والساهي عنها: "فَوَيْل للْمُصَلّينَ الَّذينَ هُمْ عَنْ صَلَاتهمْ سَاهُونَ" (سورة الماعون:4-5).

رابعا: إلى أولئك المتناحرين من أبناء الشعوب الإسلامية والمتقاتلين فيما بينهم والمتآمرين ضد بعضهم، التاركين عدوهم الحقيقي الغاصب المحتل للمسجد الأقصى الذي كان منتهى إسراء الحبيب المصطفى ومبتدى معراجه إلى السماوات العلا، نقول بأن ثالث الحرمين وأولى القبلتين هو الأولى والأوجب أن تُعد العدة، وتُؤكد الوحدة، وتُجهز الجيوش، وتُعلن الحرب لتحريره واسترداده والدفاع عنه والذود عن حماه؛ حيث بارك الله فيه وما حوله، وليس من شؤم أشد على الأمة الإسلامية أن تقتتل فيما بينها، وتترك المسجد الأقصى وما حوله من الأراضي التي باركها الله في يد الغاصب المحتل.

خامسا: إلى كلِّ داعية نال صنوفا من الأذى والعنت والمشقة في سبيل الدعوة إلى الله أن يتخذ من حادثة الإسراء والمعراج أُنسا وتخفيفا ونبراسا؛ حيث الشدة يعقبها الفرج، والعسر يلزمه اليسر، وحيث المحنة تتبعها المنحة، وحيث الصبر مآله النصر، وحيث معيَّة الله لا تعلوها معية، ولا تفوقها كرامة، ولا تغلبها قوة؛ فحادثة اﻹسراء والمعراج منحة ربانية وكرامة إلهية لخاتم النبيين سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم؛ تخفيفا عنه وتنفيسا لكرباته وتثبيتا له بعد ما لاقاه من شدة أهله وأذى قومه وبطشهم عليه، وبعد ما آلمه وزاده محنة من فقد زوجه وعمه.

... نسألُ الله تعالى العلي القدير ونحن نعيش هذه الحادثة الجليلة أن يكون عونا لنا ولأبنائنا في إقامة الصلاة والمحافظة عليها، وأن يُبلغنا رمضان غير خزايا ولا مفتونين، وأن يثبتنا على اتباع شرع الله وتطبيق سنة نبيه، وأن يجمع شمل الأمة الإسلامية، ويأخذ بيدها لتحرير المسجد الأقصى الشريف من أيدي الصهاينة الغاصبين.. إنه سميع مجيب.

issa808@moe.om

تعليق عبر الفيس بوك