تشطير اليمن .. من المستفيد ؟

 

عبدالنبي العكري

تجتاحُ وطننا العربي حُمَّي التعصب والتكفير والانفعال, والتي تفاقمتْ مع حرب اليمن؛ بحيث لا يُمكنك أن تصدق ما تقرأ وتسمع وترى في النقاشات والإعلام والفضاء الإلكتروني من وسائط التواصل الاجتماعي...وغيره.

ويجرى تشطير العرب كنظام سياسي وشعوب وهوية، ورغم عضويتهم في جامعة الدول العربية فهم مُنقسمون حول الحرب والأطراف اليمنية متصارعة؛ فهناك مجموعة التحالف والتي تشنُّ الحرب، دعما لطلب الشرعية مُمثلة بالرئيس هادي، والمبادرة الخليجية وإفرازاتها، وضد سيطرة تحالف الحوثي/صالح بالقوة على الدولة والبلاد، وهناك مجموعة أخرى مثل العراق والجزائر وآخرين يُعارضون بصَمْت هذه الحرب، وهناك مجموعة ثالثة ترفض الحرب لكنها تتحرَّك إيجابيا من أجل وقفها واستئناف المصالحة والحوار ما بين الأطراف اليمنية المتنازعة، وفي مقدمتها سلطنة عمان.

لكنَّ الملاحظ أنَّ الأنظمة العربية كعادتها تريد أن تؤيدها شعوبها وقواها السياسية ونخبها في الموقف الذي تتخذه دون تحفظات حتى ولو بالإكراه، وتسخر جميع وسائل تأثيرها على الشعب، بمزيج من التهديد والإغراء وهو ما فاقم حاله الانقسام داخل الشعب الواحد وداخل الأمة. وبالطبع؛ فليست الحكومات وحدها مسؤولة عن هذا الانقسام؛ فقد تدهور الفضاء الفكري العربي منذ أن تراجع المد القومي، وتفاقم بنشوب الحروب والاحتلالات العربية العربية، لكنه وصل إلى ما نعتقد أنه الحضيض، باتخاذ الصراعات طابعا دينيا ومذهبيا وعقائديا. الحرب في اليمن صراع على السلطة، بعد ما قارب اليمنيون على الاتفاق على شروط وأجندة الانتقال الديمقراطي، لكن هناك بالتأكيد أطراف إقليمية ودولية تغذِّي هذا الصراع. وفي ظلِّ خلفية الأجواء العربية والإقليمية المحمومة؛ فقد أسبغ على الصراع طابع طائفي وقومي وعنصري؛ فبالنسبة للبعض فإنَّ الحوثيين هم حملة الرسالة المحمدية الحقيقية، وأنَّ السيد عبدالملك الحوثي هو سليل الرسول -صلى الله عليه وسلم- وهو أحق بالحكم حسب العقيدة الزيدية الجارودية، في حين أن الحوثيين بالنسبة للفريق الآخر هم رافضة مارقون عن الإسلام، وأعداء السنة والجماعة، وعملاء لإيران. وهكذا ازدحم الفضاء العربي بالفتاوى الدينية وخطب الجمعة، كما تزاحمت التحليلات والتعليقات في الفضائيات وامتلأت الصحافة بالكتابات المنحازة لهذه الرؤية أو تلك, ويسبغ عليها أيضاً صراع بين ما يُدعى تحالف الممانعة لأمريكا وإسرائيل والذي تقوده إيران، وتحالف يقوده مجلس التعاون يُدَّعى أنه مُتحالف مع أمريكا وحتى إسرائيل. ويضفى على الحرب تعبير الجهاد المقدس بالنسبة للبعض والردة بالنسبة للبعض الآخر. والقاسم المشترك هو غياب العقل والمنطق والمصلحة الوطنية اليمنية والمصلحة القومية... إنها حرب على العقول والنفوس إلى جانب كونها حرب تدمير لليمن أرضا وشعبا ووحدة. وفي اعتقادي أنَّ الأخلاقيات لا مكان لها في معظم الحروب، ومنها حرب اليمن؛ فهناك مصالح أنانية وشهوة للسلطة عند الأطراف اليمنية، وهناك صراع على النفوذ فيما بين الدول الإقليمية بل والدول العظمى؛ حيث اليمن يطل على البحرين والبحر الأحمر وبحر العرب، ويتحكم في مضيق باب المندب -عصب الملاحة الدولية- وهو خاصرة الجزيرة العربية؛ لذا فإنَّ الخطورة تكمن في أن تسبب هذه الحرب -إلى جانب ما تلحقه باليمن واليمنيين من دمار- في دمار أكبر لما يربط كل شعب عربي من وشائج وطنية، وما يربط الشعوب العربية من روابط قومية، وما يربط شعوب المنطقة من روابط تاريخية، إلى جانب المصالح بالطبع. إنه الخراب القادم. أما المستفيد من كل ذلك، فهي إسرائيل بالطبع التي تنام هذه الأيام على وسادة من حرير مطمئنة إلى أنَّ العرب وأصدقاءهم يدمِّرون ذاتهم بذاتهم، وبعدها أمريكا والدول العظمى التي تغرفُ من خيرات العرب نفطا وغازا وغير ذلك. وتصدر إليهم أسلحة الدمار، وتقيم القواعد لتحرس الشقيق من شقيقه، ولتعيد إعمار ما تخلفه الحروب ببلايين الدولارات. إذا العقل والمنطق والمصلحة كل ذلك يحتم على من بقي لديه شيء من التفكير والضمير من الأنظمة والنخب السياسية والثقافية التحرك سريعا؛ لحثِّ سلطنة عمان على أن تقدم على مبادرة شجاعة، لإيقاف هذه الحرب فورا، وتنظيم حملة إغاثة للشعب اليمني المنكوب، وتنظيم مؤتمر حوار وطني يمني بإشراف ودعم مجلس التعاون الخليجي والقوى الإقليمية المتصارعة والأمم المتحدة. للاتفاق على سلطة وطنية توافقيه، وبرنامج للانتقال السلمي لنظام ديمقراطي تعدُّدي ودعم مجلس التعاون أولا والدول العربية والعالم ثانيا لمشروع إنهاض اقتصادي لليمن يُؤمِّن الحياة الكريمة لليمنيين والازدهار لليمن والاستقرار في المنطقة، وتحييد اليمن عن الصراعات الإقليمية والدولية.

تعليق عبر الفيس بوك