3 بيانات تضع اليمن على عتبة حرب طويلة الأمد

عبيدلي العبيدلي

أشارتْ الولايات المتحدة الأمريكية إلى "أن المتمردين الحوثيين هم من عطلوا عملية الحوار السياسي في اليمن، مؤكدة أن العملية العسكرية التي تنفذها قوات التحالف وتقودها المملكة العربية السعودية ليست سبباً في تعطيل عملية الحوار".. جاء ذلك على لسان المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية جيف راثكي، في الإيجاز الصحفي اليومي، الذي أشار إلى "أن الأعمال العدوانية من قبل الحوثيين ومؤيديهم هي السبب الأساسي لاضطراب عملية الانتقال السياسي في اليمن، وأن "عاصفة الحزم" ضد الحوثيين في اليمن شنت رداً على الأعمال العدوانية من المليشيا الحوثية". وفي ردِّه على سؤال عن سبب انهيار الاتفاق السياسي؟ هدد راثكي الحوثيين قائلا: إذا "لم يلتزم الحوثيون بهذا الاتفاق، هناك جهود بذلتها الأمم المتحدة وتم دعم هذه الجهود من قبل المجتمع الدولي ورفض الحوثيون الانخراط في عملية الحوار ولجوؤهم إلى العنف هو ما أوصل إلى الوضع الذي نجد أنفسنا فيه الآن".

وعلى نحو متصل، رحَّب البيان الصادر عن أعمال اللقاء التشاوري الخامس عشر لقادة دول مجلس التعاون الذي عقد مُؤخرا بمدينة الرياض برئاسة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود، بقرار "الرئيس عبدربه منصور هادي بعقد مؤتمر تحت مظلة الأمانة العامة لمجلس التعاون في الرياض في 17 مايو 2015، تشارك فيه جميع الأطراف والمكونات اليمنية المساندة للشرعية وأمن اليمن واستقراره".

وفي الوقت ذاته، وجهت الأحزاب والقوى السياسية اليمنية المساندة للشرعية الدستورية والتحالف العربي الداعم للمقاومة الشعبية اليمنية خطاباً للرئيس باراك أوباما رئيس الولايات المتحدة الأمريكية "التزاماً منا بقرار مجلس الأمن 2216 الذي ينص على حث جميع الأطراف اليمنية على الرد بالإيجاب على طلب رئيس اليمن حضور مؤتمر يعقد في الرياض تحت رعاية مجلس التعاون الخليجي، فإننا نجدد التزامنا بإنجاح مؤتمر الرياض المقرر عقده في 17 مايو 2015 من أجل استعادة الدولة من قوى الانقلاب والتمرد ومع نتائجه وكل ما سيسفر عنه، ونؤكد على التزامنا بأي معالجات سياسية برعاية دولية للأزمة اليمنية تستند إلى مقررات مؤتمر الرياض وتعترف بها وتلتزم بها".

3 بيانات سياسية تزاحمت في وقت قصير نسبيا، دعتْ جميعها إلى وقف الاقتتال في اليمن، وناشدت القوى السياسية اليمنية، بمختلف تلاوينها، إلى الجلوس إلى طاولة الحوار المزمع عقده في 17 مايو 2015.

تنبئ هذه الدعوات الثلاث المنادية بالكف عن الاحتراب والجلوس إلى طاولة الحوار بحقيقة واحدة، ربما تكون في غاية المرارة، لكنها قادمة، وعلى اليمنيين، قبل العرب، أن يهيؤوا أنفسهم لها، وهي أن اليمن على أبواب الدخول في نفق طويل تتناوب عليه خلالها "هبات" من الاستقرار الهش، القصير المدى، والحذر تعكر صفو سمائها فترات من الاقتتال الدموي والصدامات العسكرية المتصاعدة. تؤكد ذلك مجموعة من الشواهد والأحداث التي عرفتها المنطقة العربية منذ ما يزيد على أربعين سنة يمكن رصدها في الشواهد التالية:

1- الحرب الأهلية اللبنانية، التي اندلعت في فبراير 1975، عندما أطلقت النار على الزعيم اللبناني معروف سعد، وتلتها حادثة الحافلة في 13 أبريل من العام ذاته. ومنذ ذلك العام، وحتى يومنا هذا، تناوبت على لبنان "هبات" من الاستقرار الحذر الذي نتحدث عنه، مزقت نسيجها صدامات عسكرية متتابعة، لم يكن الغزو الإسرائيلي للبنان في العام 1982، إلا أحد علاماتها البارزة. دعوات السلام، وجلوس الفرقاء المتقاتلين، من لبنانيين وجهات إقليمية، وأطراف دولية لم تتوقف. لكن الحقيقة المرة أن الاقتتال في لبنان لم يتوقف أيضا، بل على العكس من ذلك تماما، نجده يتصاعد، حتى وإن تباعدت دورات اندلاعه.

2- الإطاحة بنظام صدام حسين في العراق على يد تحالف أمريكي-إيراني، أدى إلى إسقاط النظام القائم، لكنه فشل في تفاد دخول العراق في نفق حروب أهلية متلاحقة باتت تهدد بتمزيقه، ليس على المستوى السياسي فحسب، وإنما على المستوى الاجتماعي أيضا. فكانت المحصلة النهائية دخول العراق في أتون حرب، يبدو أنها ستكون طويلة الأمد، ومنهكة للعراق اقتصاديا، ومرهقة له سياسيا، ومدمرة له اجتماعيا، لدرجة أفقدت العراق دوره الإقليمي الذي يفترض أن يمارسه.

3- الاقتتال السوري الذي يدخل عامه الخامس، والذي اختلطت أوراقه، فلم يعد صراعا سوريا محضا. بل ربما أصبحت الأوراق الإقليمية، أكثر حضورا في مجريات الصدامات العسكرية المستمرة، وأشد تأثيرا في تحديد مسارات الأزمة السورية التي تصاعدت حتى باتت تقترب من الحروب التقليدية، من حيث التنظيم، والمعدات، وطبيعة المعارك. وليس من دليل أقوى على احتمال طول أمدها من تعاقب أكثر من ممثل للأمين العام للأمم المتحدة على الملف السوري، دون أن يقود ذلك إلى تزحزح الأوضاع هناك عن متاريسها العسكرية، بعد فشل الجالسين على كراسي طاولات الحوارات السياسية، في التوصل إلى حل يوقف الصدامات الدموية، ويأخذ بيد البلاد نحو سلام وطني شامل مستقر.

واستنادا إلى تلك الشواهد، وقراءة إستراتيجية للمشهد اليمني، دون الغوص في تفاصيله، يمكن القول -بعيدا عن الوقوع فريسة سهلة لتمنيات ليست واقعية- بأن اليمن سواء جلس الفرقاء إلى طاولة الحوار المزمع عقده في 17 مايو أم أجلوه إلى وقت لاحق، مقدم على الدخول في نفق صدامات عسكرية طويلة الأمد، يصعب التكهن بمداها، ستكون محصلتها النهائية يمن مجهد اقتصاديا، ومنهك عسكريا، ومتهالك سياسيا، ومتشظ اجتماعيا، ما لم يتوصل اليمنيون، بمختلف ألوان طيفهم السياسي، أن القوة لا تستطيع أن تحسم الصراع، وأن المنتصر على شعبه لا يمكنه أن يستفرد بالسلطة دون غيره، وأن نفي الآخر أمر لا يقود إلى بناء وطن. وفي حال تعذر ذلك، فإنَّ ما جاء في البينات الثلاثة جميعا يحذر من إقدام اليمن على حرب طاحنة طويلة الأمد.

تعليق عبر الفيس بوك