تساؤلات

أسماء القطيبي

تساؤل1:

لا يخلو أيُّ مجتمع من أولئك الأشخاصِ الذين تدور غالب أحاديثهم حول الأخبار والأحداث السيئة في الحياة بمختلف أنواعها. وهؤلاء يملكون مخزونًا كبيرًا من القصص المأساوية عن الأمراض والحوادث والوفيات، لأناس يعرفونهم وآخرين سمعوا بقصصهم بطريقةٍ ما. ولهم قدرة عجيبة على تحويل مسار الحديث - مهما كان نوعه - إلى تذكر الحزن والألم والمعاناة في الحياة. لا أفهم حقًا هؤلاء الأشخاص وسبب اهتمامهم بهذه الأخبار تحديدًا دون غيرها. هل ينقلونها بغرض تحذير النَّاس مما وقع للآخرين؟ أم لأسباب تتعلق بالتعاطف الإنساني وتذكر نعمة العافية؟ أم لأنّ هذه الأخبار تشد الانتباه أكثر من غيرها؟ أيًا يكن السبب فأنا أرى أنّ كل شخص لديه من الضغوط والمخاوف ما يكفيه ويغنيه، وغالبًا يجتمع بالآخرين للاستئناس، وتبادل الأحاديث الودية وليس لتعكير مزاجه بقصص مرعبة تقض مضجعه، وتعظم مخاوفه.

ولعل لانتشار هذه الفئة النكدية من النّاس في المجتمع علاقة بميل الناس في المجتمع للخوف من الفرح والتحرز من التعبير به أو عيشه بشكل كامل، فما أن تجلس في مجلس يغلب عليه طابع المزاح والضحك حتى تجد أحدهم يرفع صوته "اللهم أجعله خير"، محولاً الضحك إلى نذير شؤم. رغم أثره في تأليف القلوب وتوطيد العلاقات. هذا التطير ناتج عن مخاوف دفينة في الناس تجعل من الاندماج في هذه الحالة الشعورية ذنب يجب الاستغفار منه، والندم على التماهي فيه، ولا يسري هذا الأمر - بالطبع- على الأحاديث المأساوية والقصص الحزينة التي هي عبرة لمن لا يعتبر، وتذكير لمن يعتبر.

تساؤل 2:

كاتبة خليجية أعلنت في حسابها على الانستجرام عن مسابقة "أجمل تصوير لاقتباس من كتابها"، عدَّ البعض هذه المسابقة طريقة تسويقية ذكية ومواكبة للعصر، خاصة وأن الكاتبة من جيل الشباب الذين يملكون متابعين كثر على مواقع التواصل الاجتماعي، وبالتالي فهي تروج لكتابها بين متابعيها بطريقة تضمن أن يقرأ لها عدد كبير منهم. بينما اعترض البعض على طريقة تسويق الكتاب كونه ليس كأيِّ سلعة تُباع وتُشترى في السوق، فهو مادة فكرية بالدرجة الأولى، ومسابقة التصوير هذه قد تزيد مبيعات الكتاب لكنها لا تعني نجاحه، فلعل البعض يشتريه بغرض تصوير أيِّ صفحة منه مركزا على ضبط عدسة كاميرته وزاوية التقاطها أكثر من تركيزه على محتوى الاقتباس. فهي مسابقة تصوير بالدرجة الأولى ومعنى النص أمر ثانوي لا يدخل ضمن تقييم المسابقة التي لا أظن أن هناك محكمين لها عدا الكاتبة الصاعدة وذوقها.

أتساءل كيف سيُصبح الأمر لو أنّ كل كاتب استخدم مثل هذه الطريقة لتسويق كتابه؟ هل سيصير الكتاب متعدد الاستخدامات؟ وتستبدل عبارة "كم كتابا قرأت؟" إلى "كم كتاب صورت؟".

تساؤل 3:

بعض أنواع التجارة التي لا تحظى بتدخل قانوني صارم في تحديد الأسعار ومراقبة ارتفاعها غير المبرر، مثل حملات الحج وشركات تعليم القيادة في بعض المحافظات، تجعلني أتساءل عن تلك النزعة البشرية في حب المال واستغلال حاجة الآخر دون مراعاة لأحواله، ودون مبررات واقعية حقيقية. هل هذه النزعة متأصلة فينا بحيث تظهر عند أول فرصة متاحة؟ هل نحن ميالون أصلاً إلى استغلال البشر وما يحدنا فقط هو الرادع القانوني؟ خاصة وأنّه من المفترض أننا نعيش تحت مظلة عقد اجتماعي من أهم بنوده مراعاة الآخرين وعدم إيذائهم ماديا ومعنويا.

مبادئ من قبيل التعاون والمواطنة والأمانة تحتاج إلى إيمان حقيقي بها وإلا فإنها ستتلاشى عند أول فرصة ثمينة تتاح دون رادع سلطوي. فما حدث قبل عدة أعوام إبان الاعتصامات في البلد من حرق أحد المراكز التجارية بدا وكأنه مشهد خارج من فيلم عن المجاعة، حيث تهافت الناس (لسرقة) ما طالته أيديهم من أجهزة إلكترونية وكهربائية وحتى مؤن غذائية. حدث هذا في مجتمع يعيش غالب أفراده في حال ميسور يجعلهم في غنى عن السرقة. مما يؤكد لنا أنّ الدافع الحقيقي للسرقة لم يكن الحاجة، بل عدم قدرة هؤلاء على كبح نزعتهم لاستغلال الفرص التي تتنافى مع مبادئ يتشدقون بامتلاكها ولا يطبقونها إلا في نطاق ضيق بما يلمع واجهتهم الاجتماعية أمام الآخرين. وكم هو مخيب للآمال أن تكون المبادئ شعارات لا تحتمل التطبيق في حالة معارضتها للمصالح والرغبات الشخصية!.

Asmaalqutibi@gmail.com

تعليق عبر الفيس بوك