تراثنا العُماني ثروات عظيمة

حمد بن سالم العلوي

تصريح معالي وزير السياحة في محافظة الظاهرة، حول إنشاء (شركة التراث) منبثقة من شركة عمران الحكومية، من أجل تطوير وإدارة وتشغيل القلاع والحصون والقرى القرى القديمة، يعد بشرى سارة لتدارك هذا الموروث العظيم من الاندثار، أو التصرف العشوائي به، وذلك نتيجة لجهل البعض بقيمته المعنوية والمادية والتراثية، وعندما نطلق على هذا التراث مصطلح ثروات عظيمة، فهو بالفعل كذلك، فإن أنت نظرت إليه بنظرة تاريخية عميقة، ستجده يمثل القوة والرابط الأصيل بين الإنسان والأرض، وإنه يمثل منشأة حضارية تعني الرسوخ والثبات، فوقار سلوك المجتمع العُماني، وأسلوبه الحضاري في التعامل مع الآخرين، إنما ينبع من حياته المعيشية المستقرة، فمنها يقدّس الجيرة ويحترم العشرة، على عكس الساكنين في الخيام، أو تحت ظل الأشجار، فطبيعة الترحال وتبدُّل الأحوال من تبدل المصالح في السكن والجوار، وقد أثر ذلك في طبائع الشعوب وتعاملهم مع بعضهم البعض بين ساكن ومتغير. كما إنّ السُّكنى الحضرية في القلاع والحصون تعلم الصبر والوفاء، على عكس السُّكنى في القصور التي تعود على الترف والرهف، وكذلك السُّكنى في المنازل العادية المبنية بثبات في الأرض، وجدت على هذا النحو للضرورة التي كان يفرضها واقع الحال المتأثر بالمحيط والبيئة، فعندما تجد القرى الصغيرة متراصة بعضها ببعضا، رغم سعة المساحة، وتستكمل إطارها الاجتماعي والديني بالسبلة العامة والمسجد، ثمّ تتممها بالقواسم المشتركة الأخرى كمورد الماء، والرحى التي يُطحن عليها القمح، والجنُّور الذي تستخلص فيه ثمار القمح والحبوب، إنما في ذلك دلالة أكيدة على الحياة الاجتماعية التي يغلب عليها طابع التعاون، والمودة والألفة بين الناس، ونبذ الفرقة والاختلاف، فهكذا نشأ النسيج المجتمعي العُماني، واستمر على صيغة التجاذبية في العشرة الطيبة الصادقة، والإدارة الجماعية المتسامحة الممزوجة بالشورى والرأي السديد.

إذ نحتاج اليوم إلى الاهتمام بهذا التراث والموروث الثقافي الوطني، ولكن نريد هذا الاهتمام برعاية خاصة من وزارة السياحة مباشرة، حتى تُبعد مورثنا الوطني عن التعقيدات البيروقراطية، والإجراءات المعقدة التي ترسخت في معظم المؤسسات الخدمية - للأسف الشديد - فقد أصبح الهم للموظف كيف يوجد العقد المستحكمة وليس كيف يوجد الحل ويسهل المهمة، وكان عشمنا في كل موظف عام، أن يكون عادلا في تسيير أمور الناس، وهو يفعل ذلك فقط إذا سبقتك إليه مكالمة هاتفيّة، أو وبروة تعريفية، أو حتى (يسلم عليك فلان من الناس) فضاع المجدون على الطريق المستقيم، وتعثرت مشاريعهم، وخسروا الأموال الطائلة، فيئسوا من التجارة المباشرة، إلا عبر وسيط (وافد) عرف بالحدس من أين تؤكل لحمة الكتف.

إن إدارة القلاع والحصون اليوم، إدارة تُراثية تاريخية سياحية، بعدما انتهى دورها التاريخي بتغير الظروف والوسائل، وكذلك الحارات والقرى القديمة، تعد افضل أماكن للسياحة والإيواء، خاصة للناس الذين ملّوا المباني الزجاجية، والضجيج العمراني، فأصبحت حاجة الناس اليوم مُلحة للعودة إلى زيارة التاريخ، حتى لو لبرهة من الوقت، وليس فقط للسياحة الأوروبية للذين يهربون من طغيان الماديات والحداثة المبهرة هناك، وإنما للأجيال العُمانية الحديثة، التي شبّت وكبرت بين البيوت الفخمة، والعمارات العالية، وأخذهم الظّن أنّ هذا الوضع له ما بعده، ولكن ليس له ما قبله، كحياة حضرية راقية، فأصبح البعض منهم ينظر إلى بيته الجميل، وأثاثه الوثير، وسيّارته الفخمة، وكل هذه المقتنيات وفّرها المال، أمّا الحارة القديمة وبيت الطين، قد وفّرها الجهد، والعزم وتعاون الناس، لذلك كان الجار يفتقد جاره، إن لم يره في اليوم خمس مرات على أقل تقدير، فيسأل عنه ويهتم به.

وبالطبع لا يعرف قيمة القرية العمانية القديمة، إلا القلة من الناس، فالبعض يقول لك، بناء قديم حان استبداله بجديد، دون أن يقيِّم الجهد الكبير الذي بُذل في قيامه، ففي ذات مرة ذهبت لأستنجد بوزير من الوزراء أصبح اليوم في خانة (سابقا) ليساعدني في الحفاظ على قريتي الصغيرة القديمة، فقد حمتها صعوبة المنطقة من الهدم والتغيّر، ولكن بمرور الوقت تفضلت علينا وزارة النقل والاتصالات بطريق ترابي يوصل إليها، فقال لي ذلك الوزير الله يذكره بالخير، قصّة جعلتني أشعر أنه اقتنع بمكانة الحارات القديمة وقيمتها، قال: كنت في زيارة لليابان، وأرادوا أن يكرموني ويروني شيئا من تراثهم، فأخذوني بالسيارة لمسافة ثلاث ساعات، ليروني أثرا من ثلاث حُصيّات فوق بعضهم، وقد أحاطوها بسور للحفاظ عليهم، قال - والحديث للوزير السابق- ونحن في عُمان نجد من يجرف حارات بأكملها بالشيول، وذلك ليعمل بدلا منها مبنى بالطابوق والأسمنت، فعلا شيء مؤلم سوء التقدير، إذن انعش في النفوس الأمل معالي وزير السياحة بهذه التوجه الحميد.

safeway-78@hotmail.com

تعليق عبر الفيس بوك