الصورة ليست كما تتصور

أسماء القطيبي

الصورة النمطية هي تصور ذهني تم تكوينه تجاه شيء معين أو جماعة بعينها، تم الترويج له قديما عبر القصص الشعبية - كونها كانت وسيلة إعلامية فعّالة ومؤثرة- ولعل سبب انتشارها هو رغبة كل جماعة في إظهار تفوقها على الآخر عن طريق تشويه صورته، أو لعلّ الجهل بالآخر وعدم التواصل معه هو سبب هذه التصورات. أمّا حديثا فالصور النمطيّة مازالت حاضرة عبر بعض مناهج التعليم المتعصبة، ورسائل الإعلام العنصري، وإن كانت اتخذت أشكالا أقل وضوحا ومباشرة مما كانت عليه سابقا لتحقيق أغراض سياسية وإجتماعية غير معلنة.

المشكلة في الصورة النمطية المتعلقة بالجماعات أنها معممة وتتجاهل الفروق الفردية وخصوصية المجتمعات، فهي تبني أحكامًا مسبقة بناء على أمور ظاهرية كتصرف فردي لا يقصد به تمثيل الجماعة، أو صفات خَلقية لا دخل للإنسان بإختيارها مثل الجنس أو لون البشرة. وهذه الصور تحشد معها مجموعة من العواطف التي تكون ردات فعل إرادية ولا إرادية تجاه الأخر. ومن أبرز الأمثلة على سرعة تكون الصور النمطية وتأثيرها أنه في الغرب وبعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر، تم تكوين صورة نمطية عن العرب المسلمين بأنّهم إرهابيين، هذه الصورة النمطيّة سببت الكثير من المضايقات للعرب المُبتعثين للدراسة أو أولئك الذين كانوا يعيشون هناك؛ لأنّ الناس قاموا بالتعامل معهم على أنهم أعداء، مما اضطر بعضهم للعودة إلى بلدانهم رغم ألا ذنب لهم سوى أنّ مجموعة من الأفراد مثلتهم بصورة سيئة. وقس عليه جميع الأحداث التي مازالت تدعم هذا التصور تجاه العرب المسلمين في الفترة الأخيرة، وتؤكده للمجتمع الغربي.

والصور النمطية تتكون كذلك في داخل المجتمعات نفسها، فالتعصب القبلي ناتج عن الشعور بالفوقية الذي تظهره قصص الأمجاد والبطولات التي قام بها أفراد القبيلة، مما يترتب عليه التقليل من شأن القبائل الأخرى وإظهار ضعفها وتذكر هزائمها. وهي صورة نمطية موغلة في العنصرية والدونية. المضحك أن أولئك الذين يبدون متعصبين أكثر من غيرهم للقبيلة ينتهزون الفرص لتحسين صورة القبيلة عن طريق التغني بالماضي محاولين ترسيخ الصورة النمطية للقبيلة لدى الأجيال الجديدة دون القيام بفعل يعزز أقوالهم. وهي وسيلة جيدة للحصول على مكانة إجتماعية لكنها قصيرة المدى وضئيلة التأثير، فقصص الأجداد عادة تحمل الكثير من المبالغات مما يقلل من مصداقيتها، كما انها لا تعمل إلا كمخدر لتجاهل الواقع الذي يفرض نفسه أخيرا، ويعطي الأولوية الاجتماعية لمن يستحقها أو لمن يسعى لتحقيقها بأفعاله.

وبرأيي فإنّ كثيرًا من الصور النمطيّة المتعلقة بالمجتمعات بدأت في الاختفاء بسبب العولمة وانفتاح المجتمعات على بعضها بعضا، فالفضاء المفتوح المتمثل في وسائل التواصل أتاح المجال للاحتكاك بالآخر والتعرّف على ثقافته عن قرب مما قلب المفاهيم وأظهر الوجه الغامض له. ولأنّ الآخر أصبح معروفا فإنّ السفر لبلاده والتعرف على حضارته بما تحمله من اختلاف صار حلم الكثير من الشباب اليوم. المشكلة في الصور النمطية داخل المجتمع نفسه، فرغم أننا نعلم إنه اختزال غير منصف إلا اننا ما زلنا نتداولها عن طريق الأمثال والدعابات وكأننا لا نريدها أن تنتهي، وهو ما يحتاج لدراسة متعمقة لأسباب ظهورها أولا وأسباب تمسكنا بها - رغم عدم صحتها- ثانيا.

شاهدت مؤخرًا حلقة (يوتيوبية) تحكي قصة مجموعة شباب خليجيين قاموا بالتنكر والظهور كأفراد عصابة مكسيكيّة، بعد أن لاحظوا تحاشي أفراد المجتمع الغربي لهم بسبب مظهرهم العربي، وتعرضهم للمتاعب أينما ذهبوا، ورغم أنّ الحلقة تدور في أسلوب فكاهي إلا أنّها تحمل أبعادًا اجتماعية ونفسيّة تتعلق برغبتهم في التخلص من الصور النمطيّة عن طريق التمرّد على هويتهم، كون مواجهة مجتمع بأكمله ومحاولة قلب تصوراته أمر صعب، لأنّ الصورة النمطية - خاصة تلك التي تكونت في سن مبكر من عمر الإنسان- تترسخ في العقل اللاواعي، بحيث إنّ الشخص لا يعرف تحديدًا لماذا يحمل هذا التصور أو ذلك، ولعلّ الحل في الانتباه لتصوراتنا مرة بعد مرة مما قد يفيد في التحكم في ظهورها، ويؤخر تصنيف الآخر في قوالب المجتمع الجاهزة. وعلى مستوى أوسع على الإعلام والساسة عدم استخدام هذه التصورات لأهداف تتعلق بمصالحهم لأنه فعل يتنافى مع مبادئ الإنسانية، ويقصي حق الفرد في تمثيل نفسه كما يريد.

Asmaalqutibi@gmail.com

تعليق عبر الفيس بوك