لا تصالح.. وصايا "الأولمبية"

المعتصم البوسعيدي

إنَّ أجملَ نقد هو النقد الذاتي الذي يزيد من اتساع القمَّة ويجعلها أرضًا مُتساوية واسعة؛ حتى يُتيح مساحة من الحرية المضافة للحفاظ على نسق الإبداع والتألق والتفاعل بين المتفوقين بروح تنافسية عالية، على أن يكون الطريق واضحَ المعالم ليس كمثل "خارطة طريق" حل القضية الفلسطينية والمقدمة من اللجنة الرباعية والتي يقول عنها أنيس منصور في كتابه "اللعب غريزة منظمة": "المشكلة ليست في خريطة الطريق، وإنما في الطريق إلى خريطة الطريق".

وبالنظر إلى ساحة الرياضية العُمانية، فقد تعالى بين ثناياها صوت جميل ومسؤول صدح بـ13 توصية أتت من حنجرة اللجنة الأولمبية العُمانية وصفت -هذه التوصيات- بخريطة الطريق للنهوض والارتقاء بالرياضة العمانية، والجميل أنَّ ردة الفعل من اللجنة لم تأتِ عقب إخفاق مباشر -كما هو سائد- بل بعد سلسلة نجاحات في الفترة الماضية رغم أنَّ برناردشو يقول: "إنَّ النجاح يغطي عورات كثيرة"، ولكن حسنًا فعلت اللجنة الأولمبية، وأعادت كتابة توصيات لطالما "أوصى" بها كُثر قبلها "وماتت" دون أن يكون لها "مهلهل" لا يُصالح إلا على تنفيذ كل منها.

شدَّني في التوصيات "وضع خطة إستراتيجية بعيدة المدى لإعداد المنتخبات الوطنية خلال 2015م-2024م وفق أسس علمية"، والغريب أنَّ مرحلة بدء التنفيذ أصبحت متأخرة من الآن فالوقت سبق التوصية، ولكنْ الدعوة لتنفيذ ذلك مما يُحسن الظن فيه مع التمني أن يُحدد المنفذين والمتابعين للتنفيذ. ومن الجيد أنْ يُشرك المجتمع المدني في متابعة التنفيذ؛ فذلك مما يُعزِّز من قيمة الحرص على العمل الشفاف، ويحقِّق مبدأ بات واضحًا في كثيرًا من السياسات وعلى أعلى المستويات، إضافة إلى إشراك الإعلام والذي يُمكن أن يكون لاعبًا كبيرًا في دفع النظريات للوجود الفعلي لتأثيره وقوته متى ما استخدم "أسلحته"، بل وإنَّ الإعلام في ظل تناوله لهذه التوصيات يجب أن "يقحم" نفسه للقيام بدوره الأصيل دون انتظار دعوات من هنا وهناك.

التوصيات أراها أحلامًا معلقة تدغدغ المشاعر ما لم تتحقَّق ستغدو كسراب الصحراء للاهث الظامئ، ولا يعني ذلك بطبيعة الحال الانتقاص من أي دراسة أو ندوة أو حتى فكرة للتطوير فمالك المال قد لا يستطيع وضع حجر لبناء بيته، لكنه يستطيع أن يخطط ويجمع ويفكر ويستشير ثم يُقرر المنفذ الذي سيعتمد عليه ومن ثم يتابعه، ولقد وضعت اللجنة يدها على الجرح بل الجروح؛ فالمنشآت أولاً والمواهب ثانيًا وطرق الإعداد ومراكز التدريب والرياضة المدرسية ثالثًا، ثم سلطت الضوء على حجر العثرة المرئي منذ الأزل والمتمثل في الموازنات. ومن المعروف أن المال هو عصب حياة لا الرياضة فقط، وبالتالي فإن الدفع بالتوصيات لا يتم إلا عبر "إراقة" الكثير من الأرصدة الحكومية كانت أم الخاصة، والتي يجب أن "يُسال لعابها" مع أهمية أن تعي هي دورها المرحلي في دعم الرياضة ذات القاعدة الشعبية الكبيرة والمستهدفة لفئة الشباب قوام الأمم والدول.

.... الجمهور الرياضي على وجه الخصوص -وبصراحة- لا يهتم بكل النظريات والفرضيات وطريقة تحقيق النجاح المأمول؛ فهو عندما يتزاحم على ناظريه الكلام الكثير ويقرأ: "ولكي يتحقق الجانب النوعي في عمل وإنتاج هذه المراكز يجب أن يتحقق التوازن ما بين التوسع في الكم والارتقاء في النوع وتنويع توظيف الكم..."، فإنه يهرب بكلمة "شبعنا" نريد ذهب أولمبي وصعودًا عالمي لنحكم على العمل، ورغم قسوة هذا الحكم في أحيان كثيرة من باب الإدارة ونتائج الخطط على المدى البعيد، إلا أنه مُبرَّر بعد أربعة عقود وهو أمر أخذته اللجنة في توصياتها بلفت الانتباه بأهمية "إعداد مشروع متكامل للبطل الأولمبي"، وحتى لا نعود خطوة للوراء، فقط نلفت النظر إلى أن الحديث الآن عن المشروع هو إدانة للجنة الأولمبية ما لم تكن هناك خطوات كبيرة متحققة في هذا الجانب.

أحب أنْ أركز أخيرًا على توصيات اللجنة الأولمبية العُمانية من حيث الإيجابية في التعامل مع النجاحات بأنها دافع لمعرفة واقعنا "الصعب"، إضافة لشمولية التقرير، وأكرِّر أنَّ الحديث الأهم هو نطاق العمل والمنفذين والمتابعين مع وجود "المهلهل" الذي لا يصالح ولا يساوم على تحقيق الوصايا او التوصيات الجادة لتطوير الرياضة والنهوض بها، وإن كان "سقراط" يقول إن "الدهشة بداية المعرفة"، فإن التوصيات -رغم أهميتها- لم تقدم الدهشة، إلا أن الدهشة المنتظرة يجب أن تكون في صدى التوصيات والتعامل معها عمليًّا؛ لأن المعرفة هنا هي بطولات منجزة وصعود على المنصات، وهو ما يبقى لينفع الأرض والناس. وأما دون ذلك فسيذهب جُفاءً!

تعليق عبر الفيس بوك