- البحر الميت.. معجزة طبيعية تشفي الروح وتُسعد القلب
"جرش" و"عجلون" و"البتراء" والمغطس المقدس.. معالم تحكي عن أصالة أرض النشامى
ما إن تتناهى إلى مسامعك كلمة الأردن حتى تطوف بذهنك عشرات المواقع السياحية التي تتباين مابين تراث "جرش" الخالد، وقلعة "عجلون" الصامدة، إلى جمال "البحر الميت" أخفض بقعة على وجه الأرض ناهيك عن خواصه العلاجية، وشموخ "البتراء" إحدى عجائب الدنيا السبع الجديدة.. والمغطس حيث موقع تعميد السيد المسيح عليه السلام..
معالم تحكي عن أرض ذات جذور ضاربة في القدم والتاريخ، حيث تعاقبت على سهولها وصحاريها ومدنها العديد من الحضارات كحضارة إرم، والأنباط والعمونيين والمؤابين والأمويين والعباسين والأيوبين والمماليك.. ولم تقف عراقتها عند هذا الحد فهي موطن معظم الرسالات السماوية، وقد وطئتها أقدام معظم الأنبياء والرسل فمنهم من عاش ومات ودفن فيها، ومنهم من مرّ بها ليباركها أبد الدهر.. ففيها أقام إبراهيم ولوط وشعيب والياس وهود ويوشع بن نون، وأصحاب الكهف، كما أنّها أصبحت قبلة لذى كثير من الباحثين عن مواقع وآثار الأنبياء والصحابة، لاسيما وأنّ الأردن كانت بوابة للفتوحات الإسلامية في أرض الشام، وشهدت أراضيها معارك تاريخيةكغزوة مؤتة واليرموك، وتضم رفات وأضرحة الصحابة الكرام أمثال جعفر بن أبي طالب وعبدالله بن رواحة وزيد بن حارثة وأبو عبيدة بن الجراح وشرحبيل بن حسنة وضرار بن الأزور ومعاذ بن جبل رضي الله عنهم.
شاء قدري وحظي السعيد أن أكون ضمن قافلة الإعلام السياحي العاشرة التي حطت رحالها هذه المرة بالأرن، التي استضافت حفل توزيع جوائز الإعلام السياحي العربي.وقد رحّبت بنا كعادتها دوما منذ عهد الأسلاف، مما حفز قلمي ليبحر راصدًا بعض مشاهدات الرحلة..
عمّان (موفدة الرؤية)- فايزة سويلم الكلبانية
في مساء اليوم الأول من وصولنا وعند المطار كنا على موعد مع أول مستقبلي الوفد بمطار الملكة علياء.. نون النسوة كانت حاضرة.. فتاة شابة في مقتبل العمر، تحيط بها الحيوية والنشاط من كل جانب، تحمل وجهًا بشوشًا ناضرًا.. وبابتسام عفوي صادق رحبت علا التي تعمل بهيئة تنشيط السياحة الأردنية بنا أيما ترحيب.. ولتأخذنا بعد ذلك إلى المقر المخصص لإقامتنا.. وفي سبيل الوصول إليه اعتلينا حافلة العم "خالد" لنقطع مسافة متوسطة البعد.. ومن خلال نافذة السيارة كانت أعيننا وبشغف وفضول جم ترصد وتصور مناظر السهول, والجبال.. الطرق والعمران، والزينة التي تعلو بعض المباني الشاهقة الارتفاع والمصممة بتشكيلة معمارية جذابة تحيط بها أوضاع وتصاميم متباينة الأضواء والألوان والإنارات لتجذب الأنظار من بعيد، ولتضفي نوعا آخر من الجمال الممزوج بروعة المساء والطقس البارد، وحبات المطر المتساقطة زخات وزخات.
وصلنا فندق "ميريدان" بالعاصمة عمّان، هناك التقينا بإخواننا الإعلاميين، بعضهم التقينا بهم سابقا في إحدى محطات قوافل الإعلام السياحي العربي، ومنهم من نلتقي بهم للمرة الأولى.. الترحيب والضيافة كانت قيمة عربية خالصة تحيط بتلك اللحظة من كل الجوانب.
في صباح اليوم التالي كنا على موعد مسبق مع شاب آخر وهذه المرة اسمه إبراهيم سمرين.. عرفنا إبراهيم بنفسه قائلا أنه سيكون مرشدنا السياحي في الرحلة لزيارة مختلف المناطق السياحية بالأردن.. كان له دور كبير في تعريفنا بمختلف المواقع السياحية والأثرية وغيرها من المواقع التي زارها الوفد الإعلامي العربي
نبذة عن "الأردن"
حدثنا إبراهيم ونحن في طريقنا لزيارة أحد المعالم عن الأردن قائلا: تعرف الأردن رسمياً بالمملكة الأردنية الهاشمية.. دولة عربية تقع غرب آسيا، تتوسط الشرق الأوسط بوقوعها في الجزء الجنوبي من منطقة بلاد الشام، والشمالي لمنطقة شبه الجزيرة العربية. لها حدود مشتركة مع كل من سوريا من الشمال، فلسطين التاريخية الضفة الغربية من الغرب، العراق من الشرق، وتحدها شرقاً وجنوباً المملكة العربية السعودية، كما تطل على خليج العقبة في الجنوب الغربي، حيث تطل مدينة العقبة على البحر الأحمر، وتعتبر المنفذ البحري الوحيد للأردن.
مسمى الأردن
وحول تسمية (الأردن) بهذا الاسم أوضح سمرين بأنّ ذلك نسبة إلى نهر الأردن الذي يمر على حدودها الغربية. وأضاف أنّ الأردن بلد يجمع بين ثقافات ولهجات عربية مختلفة بشكل لافت، ولا تفصله أي حدود طبيعية عن جيرانه العرب سوى نهر الأردن ونهر اليرموك اللذين يشكلان على التوالي جزءاً من حدوده مع فلسطين وسوريا. أمّا باقي الحدود فهي امتداد لبادية الشام في الشمال والشرق وصحراء النفوذ في الجنوب، ووادي عربة إلى الجنوب الغربي. وتتنوع تضاريس الأردن بشكل كبير، وأهم جباله جبال عجلون في الشمال الغربي، وجبال الشراة في الجنوب، أعلى قمة تلك الموجودة على جبل أم الدامي 1854 متر، وأخفض نقطة في البحر الميت والتي تعتبر أخفض نقطة في العالم.
المناخ
السمة العامة لطقس ومناخ الأردن هو الاعتدال الملاحظ على الرغم من أننا عايشنا بعض تقلبات المناخ، حيث إن مناخ الأردن هو مزيج من مناخي حوض البحر الأبيض المتوسط والصحراء القاحلة، إذ يسود مناخ حوض المتوسط المناطق الشمالية والغربية من البلاد (حار جاف صيفًا دافئ ممطر شتاء) بينما يسود المناخ الصحراوي غالبية البلاد. هناك تنوّع مناخي في الأردن حيث يسود المناخ المداري الجاف وادي الأردن، أمّا مناخ الاستبس الدافئ فيسود في المرتفعات الجبلية والسفوح الشرقية، ومناخ البحر المتوسط يسود في المرتفعات الجبلية كعجلون، أما المناخ الصحراوي الجاف فيسود في البادية الشرقية.
إحصائيات
ارتفع دخل الأردن السياحي في الأشهر السبعة الأولى من عام 2014 بنسبة 10% مقارنة بالفترة ذاتها من العام الماضي ليصل إلى 2.5 مليار دولار، بحسب بيانات للبنك المركزي الأردني. والذي عزا الارتفاع إلى زيادة أعداد السياح من الجنسية القطرية والليبية والكويتية والإماراتية والأمريكية إضافة إلى الأردنيين غير المقيمين". وأضاف أن "المملكة تحولت إلى مقصد سياحي للعديد من دول المنطقة نظرًا لتعدد المواقع السياحية والترفيهية ولما تتمتع به من استقرار أمني وسياسي في ظل التوترات الأمنية والسياسية التي تشهدها دول المنطقة".
جرش.. مدينة الألف عمود
وتعد إحدى المحطات السياحية التي لابد لكل زائر للأردن أن يعرج إليها ويقضي بين أعمدتها الشامخة أروع أوقاته، فهي تضم آثارًا من العهدين اليوناني والروماني.
وجرش هي عاصمة محافظة جرش وأكبر مدنها، يقطنها قرابة 41,500 نسمة من أصل 153 ألف نسمة يقطنون المحافظة، تبعد عن العاصمة عمّان حوالي 48 كلم إلى الشمال، وتقع جرش في الجزء الشمالي من المملكة الأردنية الهاشمية، وترتفع عن سطح البحر قرابة 600م، تبلغ درجة الحرارة فيها 26 درجة مئوية، واتجاه الرياح شمال- شرق بسرعة تبلغ 19 كم/ ساعة، ورطوبة تبلغ 22%.
ويمكن الوصول من عمّان إلى جرش عبر المدخل الجنوبي أو الشرقي، ومن عجلون من الغرب، ومن أربد من الشمال. وتقع جرش في واد أخضر تجري فيه المياه. وكانت آثارها وما تزال محجة الزائرين ومحط أنظار الرحالة والسياح والعلماء وطلاب المعرفة من جميع أنحاء العالم. وعايشت المدينة عصورا وحقبًا عديدة، منذ عصر اليونان فالرومان ثم عصر الفتوحات الإسلامية ومن ثم دخلت دفتر النسيان إلى إن تم إعادة اكتشافها في أوائل القرن التاسع عشر.
وكما علمنا خلال جولتنا بهذه المدينة الأثرية أنّ زلزالا عنيفا دمر أجزاء كبيرة من هذه المدينة سنة 747 ميلادية كما أدت الزلازل المتلاحقة ومعها الحروب والفتن التي ضربت المنطقة لاحقًا إلى دمار إضافي أسهم في خرابها وبقيت أنقاضها مطمورة في التراب مئات السنين إلى أن اكتشفها الرحالة والمستشرق الألماني أولريش ياسبر زيتسن سنة 1806 للميلاد، ليبدأ التنقيب عنها وإعادة الحياة إليها لتنهض (جرش) الحالية على يد أهل القرى ثم تلتهم بعد 70 عامًا جالية من المسلمين الشراكسة الذين هاجروا إلى الأردن من بلاد القفقاس عام 1878 للميلاد إثر الحرب العثمانية الروسية، وجالية كبيرة من أهل الشام في بداية القرن العشرين.
وتحتل جرش المرتبة الثانية في قائمة أفضل الأماكن المحببة للزيارة في الأردن بعد البتراء، وتتألف جرش من شوارع معبدة ومعمدة، ومعابد عالية على رؤوس التلال ومسارح أنيقة وميادين وقصور، وحمامات، ونوافير وأسوار تفضي إلى أبراج وبوابات. بالإضافة إلى طابعها الخارجي اليوناني- الروماني، فإن جرش أيضا تحافظ على مزيج من الطابع الشرقي والغربي في آن واحد. وفي أيامنا هذه يستطيع الزائر أن يتجول بين هياكل المدينة ومسارحها وحماماتها وشوارعها المبلطة ذات الأعمدة الشامخة والتي تحيط بها أسوار واسعة النطاق. ويشار إلى أنه تم البحث في إدراج المدينة الأثرية بجرش في لائحة مواقع التراث العالمي في الأردن.
مهرجان جرش
يعقد المهرجان في المدينة، في يوليو من كل عام، ليحول المدينة الأثرية إلى واحدة من أكثر المدن حيوية وثقافة. ويمتاز المهرجان بالعروض الفولكلورية الراقصة التي تؤديها فرق محلية وعالمية، ورقصات الباليه والأمسيات الموسيقية والشعرية، والمسرحيات وعروض الأوبرا، وأمسيات غنائية لمغنين محبوبين، علاوة على مبيعات المصنوعات اليدوية التقليدية.
البتراء
"البتراء أو البترا" مدينة أثرية وتاريخية تقع في لواء البتراء بمحافظة معان جنوبي المملكة الأردنية الهاشمية، على بعد 225 كيلومترا جنوب العاصمة الأردنية عمّان، وإلى الغرب من الطريق الصحراويالذي يصل بين عمّان ومدينة العقبةعلى ساحل خليج العقبة. يقع اللواء في الجهة الغربية من مدينة معانمركز المحافظة، ويبعد عنها 36 كلم. ويتواجد على امتداد سلسلة جبال الشراهالمطلة على وادي عربةوطبيعتها الجغرافية المنحدرة والمحاطة بالجبال. تبلغ مساحة اللواء 900 كلم2، أما مساحة المحمية الأثرية فتبلغ 264 كم2. وتُعتبر البتراء إحدى مناطق هذا اللواء، ومركزه مدينة وادي موسى.
تتميز مدينة البتراء بأنّها مدينة محفورة في الحجر الرملي الملون في صخور جبال وادي موسى الوردي، حيث تشتهر بعمارتها المنحوتة بالصخور ونظام قنوات جر المياه القديمة. أُطلق عليها قديمًا اسم "سلع"، كما سُميت بـ "المدينة الوردية" نسبةً لألوان صخورها الملتوية. ويمكن للزائر أن يصل إليها بواسطة السيارة وبعدها يبدأ في السير بين جنبات مدينة ضخمة محفورة في الصخر، ومختبئة خلف حاجز منيع من الجبال المتراصة التي بالكاد يسهل اختراقها يطلق علية اسم السيق.
تُعتبر الخزنة المنحوتة في الصخر، أشهر معالم البتراء وأكثرها أهميّة، حيث اختار الأنباط موقعها بعناية كأول معلم يواجه الزائر بعد دخول المدينة. وقد سُميت بهذا الاسم لاعتقاد البدو المحليين سابقًا بأنّ الجرة الموجودة في أعلى الواجهة تحوي كنزًا، ولكنها في الواقع ضريح ملكي. تتكون واجهة الخزنة من طابقين بعرض 25 مترا وارتفاع 39 مترا. وقد تمّ إفراغ مئات الآف الأمتار المكعبة من الحجر الرملي من الخزنة عندما اُعيد اكتشافها في القرن التاسع عشر، لتظهر الواجهة بوضعها النهائي الحالي. يتكون الطابق السفلي من ستة أعمدة على طول الواجهة الأمامية تقف فوق مصطبة في وسطها درج، وتتوج الأعمدة من الأعلى بثلاثة أرباع عمود، يبلغ طول العمود في الطابق السفلي حوالي 12 متر، وفي الطابق العلوي 9 أمتار، كما يبلغ ارتفاع الجرة في الأعلى حوالي 3,5 متر. ويظهر التناظر الكبير في الواجهة، بالإضافة إلى المزيج بين الفنون المعمارية المصرية والهلنستية مع الطابع المعماري النبطي. هناك عدة آراء حول هدف إنشاء هذا المبنى، فيرى بعض علماء الآثار أنه بُني كمعبد أو مكان لحفظ الوثائق، ولكن الحفريات الأثرية الحديثة في البتراء أثبتت وجود مدافن أسفل ساحة الخزنة، والتي يمكن مشاهدتها الآن من الأعلى من خلال الشبك الحديدي الموجود فوقها. كما أنّ هذه المدافن قُطعت لبناء الخزنة مع المحافظة عليها. وبذلك تكون الخزنة مدفنًا. ويثبت مع القرن الأول الميلادي زمن الملك الحارث الرابع ملك الأنباط .وعلى الأغلب تشكل مدفناً لهذا الملك. وتحوي البتراء عددًا كبيرًا من الفنادق ذات تصنيف خمس نجوم وما دون لاستيعاب الأعداد الكبيرة من الزائرين لمحمية الآثار في المدينة، حيث بلغ عددهم قرابة 480,000 زائر في عام 1999، فيما ارتفع العدد إلى 900,000 عام 2010. كما تحوي هذه المحمية بدورها على عدد كبير من الأسواق الشرقية. من الجدير بالذكر أن جرش تلي مدينة البتراء من حيث عدد الزوار، تليهما كل من المناطق التالية تنازليًا: عجلون ومادبا والكرك وأم قيس ووادي رم.
ويُقام في البتراء سنويًا ومنذ عام 2005، مهرجان البتراء السياحي الثقافي، لتشجيع السياحة الداخلية والعربية. كما أُقيم في نفس العام مؤتمر للحائزين على جائزة نوبل في العالم، ولقد قامت سلطة إقليم البترا بالتعاون مع هيئة تنشيط السياحة في عام 2012، بإحياء احتفاليات تضم العديد من الأنشطة والفعاليات، بمناسبة مرور 200 عامًا على اكتشاف البتراء، والتي تهدف إلى تعريف المواطن المحلي والسائح العربي والأجنبي بأهمية هذه المناسبة ودورها الريادي في وضع البتراء على خارطة السياحة العالمية.
البحر الميت
البحر الميت هو بحيرة ملحية مغلقة تقع في أخدود وادي الأردن ضمن الشق السوري الأفريقي، على خط الحدود الفاصل بين الأردن وفلسطين التاريخية. في أخفض بقعة في العالم تحت سطح البحر، يقع وادي الأردن والذي يتوسطه البحر الميت بمقدار 400م، مشكلاً مشهداً طبيعياً لا مثيل له، وعلى حافة الوادي تأخذ الأرض بالارتفاع غرباً مكونةً سلسلة مرتفعات جبلية من أبرزها مرتفعات القدس وشرقاً تقع مرتفعات البلقاء وهضاب السلط. حيث لا يوجد في العالم كله سطح مائي يشبه البحر الميت من حيث انخفاضه عن سطح البحر ومياهه الشديدة الملوحة رغم أنها تتغذى على مياه نهر الأردن العذبة. وإذا كانت تسمية هذا البحر بالميت لتعذر وجود الكائنات الحيّة فيه فإنه بحر حي وغني بالأملاح والمعادن والتي تشكل ثروة هائلة يمكن الاستفادة منها في مجالات متعددة سواء في الصناعة أو مجالي الطب والعلاج، حيث تعتبر مياه البحر الميت الغنية بالأملاح والطين المستخرج منه علاجاً ناجحاً للعديد من الأمراض الجلدية، إلى جانب سهولة السباحة فيه نظراً لارتفاع نسبة الملوحة في مياهه حيث لا يحتاج الأنسان إلى إلمام بفنون السباحة اذ يستطيع المرء أن يستلقي على ظهره ويترك مياه البحر الميت تحمله دون عناء.