لماذا هي تتفوق عليه دراسيًّا؟

خلفان العاصمي

تُعدُّ ظاهرة تفوُّق الطالبات على الطلاب في التحصيل الدراسي من الظواهر التربوية العالمية، والتي قد تتفاوت من بلد إلى آخر، ولكن يُسجل التفوق في كثير من الأحيان لصالح الإناث، وفي السلطنة تبرز هذه الظاهرة وبقوة، ويمكن قياس ذلك مع ظهور نتائج دبلوم التعليم العام.

ومؤخرا، قامت مجموعة "آفاق تربوية" -وهي مجموعة رقمية تضم نخبة من التربويين والأكاديميين- بعقد حلقة نقاشية للبحث عن أسباب هذه الظاهرة والحلول المقترحة؛ حيث استندت الحلقة في موضوعها إلى دراسة أجراها الدكتور الألماني هيرمان؛ من خلال اختبار عينتين من الطلاب والطالبات؛ حيث أظهرت الدراسة التكافؤ بينهما في أسئلة مختلفة تخص النوعين، بينما أثبتت البنات تفوقهن في بعض أنواع الذكاءات، وأثبت الأولاد تفوقهم في ذكاءات أخرى، وخرجت الدراسة بأن الذاكرة المكانية عند الذكور أقوى من الإناث. أما الذاكرة المرتبطة بمواقف لها طبيعة عاطفية -مثل الحزن والغضب والفرح- فهي أقوى عند الإناث.

الحلقة النقاشية أكَّدت كذلك على مجموعة من الرؤى؛ أبرزها: أن مثلث النجاح يتألف من الفرصة والرغبة والاجتهاد؛ فالفرصة للنوعين متماثلة، ويبقى الركنان الرغبة والاجتهاد، وهما محكومان بعوامل مثل التشجيع والملهيات والدعم، وهما رُكنان أقوى لدى الإناث، وهذا ما يجعلهن أكثر تفوقا تحصيلا. ومن الأسباب أيضاً -حسب ما خرجت به الحلقة النقاشية- هو ضعف التنافسية في مدارس الذكور، وانخفاض الدافعية لدى الطالب، وكذلك عدم تربيتهم على تحمل المسؤولية، وأسباب أخرى مُرتبطة بطبيعة البنت والتزامها في المنزل. وفي المقابل، الأنشطة الرياضية والاجتماعية التي ينتسبُ إليها الطلاب، والتي تكون أغلبها خارج المنزل، كذلك ففي وقت سابق كان للمقاعد الدراسية الجامعية ومحدوديتها بالنسبة للطالبات دَوْر في إيجاد جو من المنافسة بينهن، والرغبة في العمل ببعض الوظائف الحكومية والتنافس الشديد عليها من قبل الإناث كان أحد الأسباب التي طُرحت، وكذلك وجود فكرة وجوب الحصول على وظيفة لدى البنت كشرط أساسي عند البعض للزواج منها. وعزا عددٌ من المعلمات والإخصائيات الاجتماعيات والأمهات في مدارس الحلقة الأولى، سببَ تدني مُستوى الذكور إلى عدم مقدرة بعض المعلمات في الحلقة الأولى على ضبط الطلاب في الصف -خاصة طلاب الصفين الثالث والرابع- وعدم رغبة الطالب الذكر في أن تكون معلمة أنثى هي من تعلمه؛ حيث يحسُّ بحرج بين أقرانه من ذلك، وهناك جزءٌ من الظاهرة يعود لأسباب فطرية مرتبطة بالتركيبة الطبيعية للإناث، والتي تمنحهن قدرة أكبر على الجلوس لفترات أطول، وبتركيز أعلى أيضا القدرة اللغوية عند الإناث أعلى من الذكور، كذلك فإن بيئة مدارس الإناث أكثر تهيئة من مدارس الذكور بحكم طبيعة الأنثى واهتمامها بالبيئة الموجودة بها. ومن أسباب التباين بين مستوى الذكور والإناث -حسب وجهة نظر بعض المشاركين في الحلقة النقاشية- هو غياب القدوة داخل البيت، ووجود الملهيات للذكور خارج نطاق المدرسة، وانخفاض الدافعية لدى الذكور نحو التعلم، ووجود رفاق السوء وغياب دور المجتمع المشجع للتحصيل الدراسي، ودور الوالدين السلبي في التشجيع على الدراسة (القسوة في أحيان والتساهل في أحيان أخرى).

... التوصيات التي خرجتْ بها الحلقة النقاشية جديرة بأن يُؤخذ بها، وتُترجم إلى واقع بغية تقليل الهوَّة على أقل تقدير؛ حيث جاء من أبرزها: الحاجة إلى دراسات تتناول العوامل البيولوجية للطلاب والطالبات، وعقد حلقات نقاشية لمديري المدارس لمناقشة المشكلة وإيجاد الحلول لكون مدير المدرسة هو الأقرب للواقع، وتفعيل الزيارات الإشرافية لردم الفجوة بين مدارس الذكور ومدارس الإناث من خلال متابعة البرامج المنفذة وتعميم البرامج والإستراتيجيات الناجحة واقتراح البدائل المناسبة، وكذلك إقامة برامج وفعاليات لتعزيز الدافعية نحو التعلم لدى الطلاب، وإجراء دراسات مقارنة بين الممارسات اليومية التي تتم داخل مدارس الذكور والإناث وعلاقتها بالتحصيل الدراسي، وتسويق الدراسات الرصينة في هذا الجانب في الحقل التربوي ونشر ثقافة استمرارية طلب العلم وأهميته ووضعه في أعلى سلم أولويات التنمية الاجتماعية. وطرحت التوصيات حلولًا تتعلق بممارسات المعلم داخل الغرفة الصفية، والتعامل مع محتوى المناهج كتطويع محتوى الكتاب من قبل المعلم بما يتوافق مع خصائص الذكور؛ فمثلا صياغة الأنشطة من واقع طبيعة الذكور، وكذلك التعزيز والمدح للذكور، وإشراكهم في أنشطة حركية تتلاءم مع طبيعتهم، وتساعد على دمجهم في العملية التعليمية.

تعليق عبر الفيس بوك