تضخم الرفاهية يُضيِّق مساحة القيم

حمد بن سالم العلوي

إن الرَّفاهية الضخمة إذا حلّت بقوم على حين غرة، خذلتهم فأهلك الزرع والضرع، وأفسدت الحرث والنسل، والخالق عزت قدرته قال:{وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ} إبراهيم (7) إذن الرفاهية نعمة منَّ الله بها على الناس، وحُكم التعاطي مع النعم وشَرطه، وضَّحه العزيز الجبَّار في هذه الآية القصيرة جداً، والواضحة جداً، وبمعنى آخر أنّها لا تحتاج لعَالم راسخ في العلم ليفسرها بجهد خاص، وأن جيل زمن الكفاف والعفاف لم ينقرض بأكمله، وما زال شاهدا على زمن الجوع والعوز، حتى لا ننسى ذلك الزمن، ونغفل أخذ الحكمة منه، والقرآن الكريم الذي يقصّ القَصص علينا، لم يغادرنا ولن يغادرنا بحفظ من الله العزيز الجليل علينا، وحتى يظل شاهداً علينا أبد الدهر، لأن معظمنا قد فرَّط فيه، وأتبع اليهود والنصارى، وقسَّم الدين الإسلام إلى أديان كثيرة، وذلك تحت مسمّيات مذهبية باطلة، لكي نحترب ونتقاتل على الباطل، وحُكم الباطل ليس إلا باطلا مثله جملة وتفصيلا.

إنّ نور الدين السالمي العالم العُماني الفذّ (رحمه الله) قال عن شرط الأخوة في الإسلام " من أتى بالجملتين قلنا إخواننا وبالواجبات قمنا" ولكن تضخم الرفاهية وطغيان المادة، أوجد لنا أئمة يمتلكون دين الله كما يزعمون، ويقسِّمونه بينهم شيعا ونواصب، ويختلقون الذرائع تلو الذرائع، وذلك لإركاع الآخرين لتبعيتهم بالمال، أو بالتجويع والقهر والقتل، ليجبروهم ويخضعونهم لسطوتهم وجبروتهم، وهذا بالطبع خارج عن شرع لله، وليس لهذا الجبروت أيّة صلة بدين الإسلام الحنيف، وإنّ إخضاع الدين للسياسة يُعد جريمة نكراء، وقد حذر سماحة العلامة المفتي العام للسلطنة من ذلك، وكان الواجب أن تُخضع السياسة لخدمة الدين . وليس العكس، والقرآن الكريم وضّح ذلك في قصة سيدنا يوسف عليه السلام، كيف وظَّف الحكمة والسياسة في خدمة الحق والعدل، ولكن ما الحل؟ وقد ترك البعض الدين وراء ظهره، ولهث وراء السياسة على الطريقة الغربية، التي تقوم على قوة الكذب، ثم الكذب حتى صار الناس الضعفاء يصدقون كذبهم.

إنّ الأمة تفترق اليوم وتحترب وتحترق، وتدمر نفسها بذاتها بفتنة خسيسة مريضة، وتنفذ خطط أعدائها في تشتيت عُرى الوحدة والقوة، فبعدما تحكم الغرب في مفاصل الدولة الإسلامية، وقيّض لها قادة يفتقرون إلى الحكمة والموعظة، صار زمام الأمة في يد عدوها، يرسم لها الخطط، ويوجّه ناصيتها حيث هو يشاء، فإذا قيل للناس جاهدوا في كذا، هبوا للجهاد دون تردد، وإذا قيل لهم، أبيدوا الشعب في بلد الفلاني من بلاد المسلمين، فلا يترددون مطلقاً عن التعليمات، حتى صارت دماء المسلمين وأكبادهم، تراق وتمضغ دون تردد، وإذا زعيم دولة لا ينصاع لتعليمات الغرب، فهود ديكتاتور وغير ديمقراطي ولا يراعي حقوق الإنسان، وهم ما شاء الله، يقيمون العدل والشورى بالقسطاط المستقيم، والشاهد على ذلك ابوغريب العراقي، وغوانتنامو الشهير، وباجرام في أفغانستان، كل هذه السجون تشهد على الديمقراطية الغربية.

إنّ تعاظم الغرور والكبرياء، أتى بتضخم المال في أيدي الظلام، فأصبح الكون ملك أيدي من يملك قوة المال، وليس قوة القيم والأخلاق، فأشعلت الحروب في كل مكان، إشباعا للإناء الذي تعاظم في النفوس المريضة، وغُيِّب العقل والحكمة، وصار من ليس تحت أمرتي وطوعي، بالحتم عدوي وخصمي اللدود، وليس أمامه إلا واحدة من اثنتين إمّا الركوع والخنوع، وألا الموت الزؤام والقهر الذي لا يرام، فليس هناك وسطية بين الناس، عدا ما يزعم به في وسائل الإعلام، المدجنة بالدرهم والدينار.

يا أمة "حقاً" ضحكت من جهلها الأمم، وإلا كيف تُقتل الشعوب، وتدمر البلدان على خلاف بين بعض الأشخاص، إلا من خوف يردع النفس من عسر يوم الحساب، عندما يسأل الناس لماذا قتلتم؟ فيجيبون لأننا فقط رفضنا الطغيان، ولماذا جوّعتم وشردتم وقهرتم؟ فسيقولون لأننا رفضنا الطغيان، ورفضنا الركوع لغير لله ربُّ الأنس والجان.

وأخيراً حق لنا أن نشكر الله "نحن شعب عُمان" لأننا لم نشارك في سفك دمٍ لأي إنسان، وما لم يُعتد على أرضنا، ولا على عرضنا، وما عدا الظلم، فليس لنا على الناس حق إلا في رد العدوان، فديننا يعصمنا، وخلقنا يمنعنا، وعروبتنا تشد عزيمة نخوتنا، وسلطاننا قدوتنا، وتاريخنا يشهد لنا بعفّة اليد واللسان، اللهم ثبّتنا على النعم التي نحن عليها، وكفّ عنا السوء والمكر والخبائث، وأحفظنا في أرضنا للخير، والمحبة والسلام، إنك سميع قدير، وبالاستجابة يا الله جدير، واللهم أرفع الضر والأذى عن عبادك المسلمين في كل بقاع الأرض يا رب العالمين، اللهم آمين.. آمين.. آمين.

تعليق عبر الفيس بوك

الأكثر قراءة