الجلنداني: حُسن الملبس والتطيب وتجنب الالتفات بالنظر والقلب من أهم ضوابط الصلاة

الرؤية- مالك الهدابي

قال عدنان بن سعيد بن ماجد الجلنداني إنّ على كل مسلم قبل الشروع في صلاته أن يقف قليلا ويتزود بما يعينه على صالح العبادة، ولا يغادرها حتى يتأكد من استيفاء الشروط في كل مراحلها، بداية اللباس الطيب، كما يجب على المسلم أن يحسنَ التطيّب، وضرورة التأكد من ضبط الهاتف لتجنب إزعاج المصلين، فضلا عن عدم الالتفات في الصلاة لأنّها آفة تأتي على الخشوع والتدبر في الصلاة فتنخره نخرًا، كما يجب مصافحة المصلين بعد الصلاة لأنّها من أسمى مقاصد الصلاة لدور ذلك في جمع القلوب والتأليف بينها.

وأضاف الجلنداني في كتابه الجديد "محطات تهم المصلين" أنّ من واجب المسلم أن يتحرى وبدقة الثياب التي يلبسها في صلاته، حيث إنّ كلا منا يحرص على التأكد من ارتداء اللبس الطيب قبل لقاء الشخصيّات المرموقة والتي لها وزنها في المجتمع، فيا ترى ماذا نلبس عند لقاء ملك الملوك؟ أليس حري بنا أن نتخيّر خير اللباس وأجملها للقاء من تذل له الجباه والأعناق؟ وليس من اللائق ذوقًا ولا عُرفًا أن نصلي بملابس النوم مثلا، وتابع: إنّ مما ثبت عن الأسوة الحسنة تحريم الإسبال، وهو إطالة الثوب حتى يجاوز الكعبين، فالجنة غالية ثمينة لن نرضى أن نبيعها بإطالة سنتميترات من الثوب، ولنا في السلف الصالح أسوة وقدوة، حيث كانوا يتجنبون ألف باب من المباح خشية الوقوع في الحرام، فما بالنا بما ورد فيه الدليلُ الصَّحيحُ والوعيدُ الشديد.

رائحة طيبة

وأشار الجلنداني إلى ضرورة التأكد من رائحة الجسم والفم، فمن إحسان المصلي لمن يقف بجواره أن يجد منه رائحةً طيبةً، وفي الصلاة تتقارب الأجساد لتشكل صفًا من المصلين كأنه بنيان مرصوص، ونتيجة هذا التقارب يجدُ من يقفُ بجانبك رائحتك والعكس، ومن المعلوم أنّ موسمَ الصيفِ ترتفعُ فيه درجاتُ الحرارة، مما يشكل فرصةً لخروجِ العَرَقِ والروائحِ الكريهة، فحُريًّ بكل مسلم أن يحسنَ التَّطيُّبَ وأن يُعِدَّ الزَّادَ المناسبَ الذي يَقيه تلك الروائح لكي لا يؤذي أخيه المصلي، كما يجب على المصلي أن يتجنبَ أكلَ الأطعمةِ ذات الرائحة النَّفاذة والقوية التي لا تزول بسرعة وتمكث فترات طويلة - كالثوم والبصل مثلا- قُربَ موعِدِ الصَّلاة، فإنّ ذلك مما يسبب الأذى للمصلين وعدم الارتياحِ، فالصَّلاةُ عبادةٌ هدفُها نيلُ الأجرِ والثوابِ منَ اللهِ تعالى، فلا نَجعلها مدخلا للآثام.

وعن شروط سلامة الوضوء، قال الجلنداني إنّ الصلاة لا تصح دون وضوء، لذلك لزمنا أن نتعلّم الطريقة الصحيحة للوضوء لتجنّب الوقوع في مزالق وأخطاء تؤدي إلى بطلان الصلاة. ويتمثل الوضوء الصحيح في إعطاء كلّ عُضو حقه من الماء دون إسراف ولا تقتير مع اجتناب المنكرات والآثام، كما أن في إحسان الوضوء وأدائه بالطريقة الصحيحة أجر وثواب عظيم، قال المصطفى: "ألا أدلكم على ما يمحو الله به الخطايا ويرفع به الدرجات؟ قالوا: بلى يا رسول الله، قال: إسباغ الوضوء على المكاره وكثرة الخطى إلى المساجد وانتظار الصلاة بعد الصلاة، فذلكم الرباط". ومن التنبيهات المهمة التي تعين المسلم على إحسان الوضوء: التسمية وغسل اليدين جيدًا قبل الوضوء. الوضوء جالسًا - قدر الاستطاعة-. تجنب الإسراف في استخدام الوضوء. تجنب الحديث أثناء الوضوء إلا لضرورة. الحرص على إيصال الماء إلى الأماكن التي لا يصلها بسهولة كالعقبين وبطون الأقدام.

 

ضبط الهواتف

ونبّه الجلنداني في كتابه إلى ضرورة التأكد من ضبط الهاتف، حيث إنّ مما ابتلينا به المساجد في هذا الزمان كثرة ضجيج الهواتف النقالة، فقَلما نُصلي صلاةً ولا نسمع فيها هاتفًا نقالا يرن، بل إن الأدهى والأمرّ أن نسمع الأغنياتِ الماجناتِ الصاخباتِ والموسيقى الهابطةِ التي تؤذي المصلي وتقطعُ عليهِ حبلَ خُشُوعِه. فحري بكل مصلي أن يحرص كل الحرص على التأكد من صمت هاتِفه النقال أو إغلاقه، وأن يجعل ذلك من أبجديات دخوله المسجد.

وحول أهميّة الخشوع في الصلاة، قال الجلنداني إنّ الخشوع هو جوهر الصلاة، بل هو روحها الذي ما إن عدمته أصبحت كالجسد الميت بلا روح، وما أجمل ما عرّف به سماحة الشيخ العلامة أحمد الخليلي - حفظه الله- الخشوع حينما قال: (هو تذليل النفس لله تعالى وحبسها عن التمرد على طاعته والعصيان لأوامره ونواهيه مع استشعار عظمته التي لا تكتنه وكبريائه التي لا تحد)، كما أنّ للخشوع ما لا يخفى على العاقل اللبيب من الفضل والثواب، فعن أبي عبيدة عن جابر بن زيد عن عائشة أم المؤمنين- رضي الله عنها- قالت: قال رسول الله: (لكل شيء عمود وعمود الدين الصلاة وعمود الصلاة الخشوع وخيركم عند الله أتقاكم). كما يجب التنويع في قراءة الآيات حيث إنّ ذلك مما يساعد على الخشوع في الصلاة واستحضار القلب والعقل طوالها، فإنّ قراءة آيات جديدة بعد الفاتحة في كل مرة مدعاة إلى تجنب السرحان في الصلاة، فيكون العقل مشغولا بتدبر وتذكر هذا الموضع الجديد من المصحف الشريف، وبذلك نصل إلى نتيجة طيبة بحول الله تعالى.

 

حضور القلب

ومن ضرورات سلامة الصلاة تجنّب الالتفات بحسب الجلنداني، الذي أكد على أنّ الالتفات في الصلاة آفة تأتي على الخشوع والتدبر في الصلاة فتنخره نخرًا، كيف لا وقد يجد الملتفت ما يجعله مشغولا طوال صلاته غير حاضر القلب، حتى إذا ما سلم الإمامُ انتبهَ وتعجّبَ من كيفية انقضاء الصلاة دون أن يستحضر منها ولو الجزء اليسير. والالتفات في الصلاة مقسّم إلى قسمين، التفات القلب إلى غير الله، والتفات البصر هنا وهناك، وكلاهما منهي عنه لأنّه ينافي صفة الخشوع في الصلاة. ومن العلماء من قال أن ليس للعبد إلا ما عقل من صلاته، أي أنه يثاب على ما كان قلبه وفكره حاضرًا فيه من أعمال الصلاة فقط، فالموضوع خطير جدًا يحتاج إلى مجاهدة وتعوّد، قال ابن عباس - رضي الله عنهما-: "ليس لك من صلاتك إلا ما عقلت منها".

وأضاف الجلنداني أنّ الجهر بالصوت في الصلوات سواء أثناء قراءة آيات من القرآن أو أثناء تكابير الانتقال وأعمال الصلاة الأخرى أمر مذموم يؤذي المصلين، فلا ينبغي رفع الصوت بحيث يسمع من يقف بجانبك ما تقول أو تقرأ، فكما نحب أن تتهيأ لنا الظروف الملائمة والجو المناسب للخشوع في صلاتنا فإنّ الآخرين كذلك يريدون أداء صلاتهم بخشوع وخضوع على أتم وجه دون مضايقات. فيجب أن يحرص المسلم على تجنب كل ما يزعج الآخرين في صلاتهم، وأن يكون عونًا لهم على الخشوع لا منفرًا لهم عن صلاتهم.

 

الذكر والدعاء

 

ومن الأعمال المأثورة بعد الصلاة التي تقرب المسلم من الله زلفى، وترتقي به إلى مصاف الصالحين، قال الجلنداني إنّ للذكر لذةً في القلب، وسموًا في الروح، وطمأنينةً في الوجدان، وارتياحًا في المشاعر، لذلك كان الذكر دأب الصالحين، اتخذوه زورقًا ينتقلون به من عالم الإنس إلى مراتب الأُنس، ومن دار الدنو والجبروت إلى حضرات الملكوت، كما أنّ هناك أذكارًا مخصوصة بعد الفراغ من الصلاة، فاشحذ همتك لحفظها، وحافظ عليها في حلك وترحالك.

وحول الدعاء بعد انتهاء الصلاة، قال الجلنداني إن الدعاء وسيلة تواصل بين العبد وربه، وبه يَنقُلُ هذا العبدُ الضعيفُ سؤالاتِهِ ويَبُثُّ شكواهُ إلى جبارِ السماوات والأرض، فما أجمل تلك اللحظات التي يرفع فيها العبد يديه متضرعًا يسأل ربه بكلِّ ضعفٍ وانكسار، حينها تتجلى لهذا العبد الفقير عظمة من يسأل تخاطب، مشيرا إلى أن أفضل الأوقات للدعاء هو أدبار الصلوات المكتوبة، فيجب على المسلم أن يغتنم المسلم هذه الأوقات ولا يتعجل الخروج من المسجد حتى يدعو وينال الأجر والثواب العظيم، وأن يسأل ربه بكل ذل وضعف فنحن المحتاجون وهو الغنيُّ عنِ العالمين.

وينبه الجلنداني إلى أهمية الحرص على حضور حلقات الذكر لأن من نعم الله تعالى علينا أن نجد الكثير من الدروس والمحاضرات التي تقام بعد الصلوات، وإنّها لفرصة عظيمة بل وخزينة ثمينة يغتنمها طالب الأجر والثواب لما لها من عظيم الأثر في النفس والثواب الجزيل في الميزان، فضلا عما تضيفه من معلومات قيمة إلى حصيلتنا المعرفية. وقد ورد في حضور حلق الذكر الفضل العظيم، فعن النبي أنّه قال: (ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله، يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم، إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده).

وقال الجلنداني إن من المستحب في ختام الصلوات مصافحة المصلين بعد الصلاة فهي من أسمى مقاصد الصلاة لدور ذلك في جمع القلوب والتأليف بينها، وتقوية أواصر أفراد المجتمع، ليكون مجتمعًا صالحًا متوادًا فيما بينه، وذلك مما يعين على الإعمار في الأرض وإفشاء الخير فيها. ومن هذا المنطلق فإنّ الالتقاء بالمصلين خمس مرات في اليوم والليلة لهو نعمة عظيمة حُرم منها غير المسلمين، فإنّ ذلك بلا شك مما ينتج مجتمعًا أصيلًا متماسكًا يمشي بخطى واثقة نحو القمم. فصافح وسامح وتبسم في وجهك أخيك، فإنّها وإن كانت أعمالا بسيطةً إلا أنّ وزنها عند الله عظيم، فتبسّمك في وجه أخيك صدقة.

تعليق عبر الفيس بوك