السلام و"صناعة الحروب"

حاتم الطائي

◄ لا يُمكن للعالم أن ينعم بالرخاء دون سلام حقيقي شامل وعادل

◄ الفقر والجوع والمرض ثالوث يدمر الدول.. والحرب تئد آمال التنمية

◄ مصانع الأسلحة الغربية وتجار الدم المستفيدون من "صناعة الحروب"

لم تنفك أزمات المنطقة والعالم تستعر بين الفينة والأخرى، في ظل التنافس المحموم بين مُختلف القوى، إقليميًا ودوليًا، بهدف توجيه الأحداث حسبما يخدم أهدافها الضيقة ويُعزز مصالحها التي لا تراعي أبدًا الصالح العام للشعوب، وما نشهده على فترات من توترات وتفجيرات وتلاسن كلامي قد يُنذر بإشعال فتيل حرب هنا وهناك، ليس سوى دلالة على الحاجة الماسة للجوء إلى السلام، ونشره في ربوع المنطقة والعالم، تفاديًا لمخاطر تُهددنا كل يوم.

تحدثنا كثيرًا عن السلام كمطلب ضروري من أجل أن يعم الرخاء والاستقرار والأمن، فكم من شعوب تُعاني حتى اللحظة من فقدان ذلك، نتيجة لما تتعرض له من حروب وصراعات مزَّقت أوصال الأوطان، وشردت الملايين، ودفعت ملايين آخرين إلى الهجرة بنوعيها المشروعة وغير المشروعة، فمنهم من نجح في الوصول إلى محطته التي يأملها، وآخرون ابتلعتهم مياه البحر أو سقطوا في مواجهات على حدود الكثير من البلدان. لكننا الآن نتحدث عن السلام كمطلبٍ أساسي ورئيسٍ، لا يُمكن أن نعيش بدونه، نكتب عن السلام باعتباره طوق النجاة لعشرات الملايين حول العالم، في ظل وباء يفتك بالبشر، وما لبث أن يقتل الملايين حتى أصاب مئات الملايين، وما زال يحصد الأرواح ويتسبب في غلق الاقتصاد والدول.

وإذا ما نظرنا إلى ساحات الصراع حول العالم، نكتشف أنَّ البقاع الملتهبة تكاد تكون في كل إقليم وقارة، ففي الشرق الآسيوي، نجد دولتين جارتين على صفيح ساخن بسبب منطقة حدودية متنازع عليها، وكلما أطلق جنديٌ رصاصة طائشة، وقفت المنطقة على أطراف أصابعها، تتحسس أسلحتها الدفاعية بيدٍ، وتضع اليد الأخرى على قلبها، ولسان حالها يقول "لا نُريد الحرب".. وفي نفس المنطقة من شرق العالم، تتزاحم البوارج الحربية وتتقاطر حاملات الطائرات لتُشكِّل ترسانة عسكرية تهدد الاستقرار بدعوى حفظ الأمن الإقليمي هناك!

وفي أوروبا، تتصاعد الأزمة بين روسيا ودول الاتحاد الأوروبي وأمريكا، على خلفية التوترات مع أوكرانيا وحلف الناتو، بينما الخاسر الأكبر في تلك النزاعات هو المُواطن، سواء في روسيا أو أوكرانيا أو دول الاتحاد أو حتى الولايات المتحدة، فبدلًا من التفاف العالم، وخاصة أوروبا وأمريكا، حول الحلول اللازمة للقضاء على وباء كورونا، والعمل على التوزيع العادل للقاحات، نجد هذه القوى تتمترس وتتخندق تحسبًا لأيِّ مواجهة غير محسوبة المخاطر.

الحال لا تختلف في أفريقيا؛ حيث الفقر والجوع والمرض، ثالوث يُدمّر دول القارة السمراء الغنية بمواردها الطبيعية والبشرية، فتجد حربًا أهلية في إثيوبيا، تدور رحاها بين طرفي نزاعٍ، كل منهما يُريد القضاء على الآخر، متناسين هموم النَّاس وحاجاتهم للغذاء والدواء والمسكن وليس لطلقات الرصاص ومدافع الهاون وسماع أزيز الطائرات الحربية وهي تقصف المواقع واحدًا تلو الآخر.

أيُ عالمٍ نعيش فيه؟ أيُ إنسانية نتشدق بها وندَّعي من خلالها أننا نحمل قيم العدل والسلام والمساواة؟ إنه عالم الغاب، الذي يسود فيه القوي المدجج بالسلاح والمتمركز بين أساطيله البحرية وكتائبه العسكرية، عالمٌ لا يعرف معنى حقيقيًا للعدل والخير والسلام، عالمٌ لا يرى سوى المال وجني الأرباح من مبيعات السلاح وتأجيج الصراعات وإشعال نيران الفتن في كل بقاع المعمورة، بينما المستفيد الأول هي مصانع الأسلحة الغربية وتجار الدم، حتى أصبحنا نقول "صناعة الحروب"، فهي سوسة الخراب في العالم.. إنِّه عالمٌ لا يختلف كثيرًا عن مشاهد هوليوود المليئة بالدماء والقتل.. فإلى أين نحن سائرون؟!

لكن ما يضيء الحياة أمامنا ويبث روح التفاؤل في نفوسنا، أنَّ هناك من يسعى بإخلاص نحو بسط السلام ونشره في ربوع العالم، ولنا في سياستنا الخارجية المثل، فعُمان على مر الزمان، رسخت دورها الإقليمي والعالمي كصانعٍ للسلام، وبرزت مسقط كقبلة لكل من يُريد أن يجني ثمار السلم والنماء، وهي سياسات راسخة وثوابت وطنية مُتجذرة في قلعة الدبلوماسية العمانية.

إنَّ السلام المنشود لن يتحقق ما لم تتكاتف جهود الدول الكبرى، وأن تجتمع على كلمة سواء، من أجل حماية مصالح الشعوب وإنهاء حالة التوتر المتزايدة التي لم يشهدها العالم منذ الحرب العالمية الثانية، فكفى بالدول إشكالياتها الاقتصادية الناتجة عن الأزمات والضربات الاقتصادية المتتابعة، وكفى بها أزمات الداخل التي يجب أن تعكف على حلها، وأن تتفرغ لخدمة مواطنيها وتحقيق النمو المنشود، وعلى الأمم المُتحدة أن تقود تحالفًا دوليًا للسلام، وأن يجتمع العالم أجمع على ميثاق أممي جديد يضمن حفظ السلام في شتى أنحاء الأرض، ويحمي الضعيف من غدر القوي.