أهلًا بأمير الشباب محمد بن سلمان

حمود بن علي الطوقي

حلّ صاحب السُّمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز آل سعود ولي العهد السعودي، ضيفًا عزيزًا على سلطنة عُمان، وهي الزيارة الأولى له وتأتي أيضًا تلبية لدعوة كريمة من صاحب الجلالة السُّلطان هيثم بن طارق المعظم سلطان عمان الذي حلّ ضيفًا على المملكة في 11 يوليو 2021.

الزيارة التاريخية لسُّمو الأمير محمد بن سلمان للسلطنة تحمل دلالات كبيرة على مختلف المستويات، وتأتي في المقام الأول لتنمية العلاقات الثنائية المتميزة بين البلدين الشقيقين وتأتي للتشاور في عدد من القضايا ذات الاهتمام المشترك وتشكل هذه الزيارة المحطة الأولى ضمن جولة خليجية مرتقبة لولي العهد الأمير محمد بن سلمان التي تسبق انعقاد القمة الخليجية القادمة التي ستعقد خلال هذا الشهر في ضيافة المملكة وضيافة خادم الحرمين الشريفين.

مسقط استعدت لاستقبال ضيفها الكبير والوفد المُرافق رفيع المستوى، ولا شك أن هذه الزيارة ستعمل على مُناقشة العديد من ملفات التَّعاون على المستوى الثنائي والخليجي وحتى الإقليمي. والمتتبع لحجم هذه للعلاقات المتميزة بين البلدين يكتشف أنها لم تكن وليدة هذه الزيارة؛ بل هي علاقات تاريخية وحضارية ضاربة في أعماق التاريخ ولعل اللقاء التاريخي في ثمانينيات القرن الماضي الذي جمع الوفد العُماني رفيع المستوى بنظيره السعودي؛ حيث قال خادم الحرمين الشريفين- وقتذاك- الملك فهد بن عبدالعزيز- رحمه الله- مخاطباً السلطان قابوس بن سعيد- طيب الله ثراه- إنَّ العلاقات بين البلدين الشقيقين تاريخية، وهذا اللقاء تثبيت لهذه العلاقات التي بها صفة الاستمرار وهي علاقات تتطور ببركة الشعبين الشقيقين.

اليوم تنعكس حقيقية ومستوى هذه العلاقات وهي علاقات تُرسخ أقدامها نحو مزيد من العمل المشترك، ونحن الآن نجني ثمار استمرار هذه العلاقات المتميزة بين البلدين الشقيقين؛ حيث نرى الرغبة المشتركة لتنميتها في مختلف الأصعدة، نظرًا لتقارب العديد من الوجهات في دفع عجلة تنمية هذه العلاقات إلى مستويات متقدمة.

ملفات اقتصادية واستثمارية ستكون حاضرة على طاولة الحوار، وسوف تتم مناقشة رغبة البلدين لتفعيل كافة الاتفاقيات التي تم التوقيع عليها سابقاً بهدف رفد العلاقات الاقتصادية والتجارية ورغم أنَّ المؤشرات التجارية والاستثمارية على مدار الخمسة عقود الماضية تشهد تطوراً ملموساً إلا أنَّ الرغبة المشتركة لتنمية العلاقات بين البلدين الشقيقين أصبحت واضحة المعالم ورحبت السلطنة بتفعيل ورفع مستوى العلاقات إلى إقامة مشاريع تجارية ذات قيمة مضافة حيث أعلنت المملكة العربية السعودية رغبتها الأكيدة في استثمار بنحو 150 مشروعًا ذات قيمة اقتصادية مضافة باستثمارات تقدر بنحو مليار ونصف المليار ريال عُماني. ومما لاشك فيه أنَّ هذا الاستثمار السعودي سوف يُساهم في رفد وتعزيز البنية الاقتصادية العُمانية ويزيد من حجم التبادل التجاري بين البلدين؛ حيث يرى العمانيون أنَّ العلاقات المتميزة بين البلدين لابُد أن تنعكس إيجابياً على مختلف الأصعدة خاصة الجانب التجاري والاستثماري، فما زال متواضعًا ولا يعكس طموح الشعبين الشقيقين خاصة وأن البنية التحتية العُمانية جاهزة لاستقبال المزيد من الاستثمارات السعودية ذات القيمة المضافة. ويمكن أن تترجم سلطنة عُمان جديتها ورغبتها بتعزيز الميزان التجاري وتفعيل حجم المبادلات التجارية والاستثمارية المختلفة؛ حيث يشجع دخول المشاريع السعودية وتوفر المناطق الاقتصادية الحرة في كل من صحار وصلالة والدقم، وهذه المناطق مكتملة الأركان وجاهزة لاستقبال أية مشاريع بمختلف الأحجام سواء كانت صناعية أو سياحية أو زراعية ومشاريع الطاقة المتجددة وكذلك المشاريع المتعلقة بالخدمات اللوجيستية، وهذه الأخيرة قد تكون فرصة مشتركة؛ حيث ستشهد هذه الزيارة- كما ذكرت مصادر- افتتاح المنفذ البري المُشترك في صحراء الربع الخالي، ويُعد هذا المنفذ أحد أهم المشاريع التي ستُعزز تنمية العلاقات التجارية والسياحية، وسوف يفتح هذا المنفذ البري المهم الباب لانتقال السلع، وبالتالي سينعكس على استفادة البلدين ورفع حجم العلاقات والمبادلات التجارية بين البلدين الشقيقين.

من المهم حاليًا أن نناشد صناع القرار في البلدين بالعمل على تسهيل الإجراءات لكي تتحقق الرؤية المشتركة التي تتطلع إلى تجاوز التحديات بحيث نرى دوران عجلة هذه المشاريع وقد أخذت مواقعها على أرض الواقع؛ سواء في مسقط أو الرياض.

وتمضي العلاقات بين البلدين قدمًا في إطار العمل المشترك في ترجمة رؤية البلدين نحو رفع أحجام التبادل التجاري والاستثماري وبلغة الأرقام يصل عدد الشركات السعودية المستثمرة في سلطنة عُمان حتى نهاية عام 2020 نحو 1080 شركة ويقدر حجم استثماراتها بنحو 190 مليون ريال عُماني، ويحدو الأوساط العمانية الأمل برفع نسبة الاستثمارات السعودية إلى السلطنة مستقبلاً بأضعاف مضاعفة لهذا الرقم الذي يعد متواضعا مُقارنة بالمستوى المتميز للعلاقات السياسية والدبلوماسية بين البلدين الشقيقين.

الاستثمارات السعودية في سلطنة عُمان تتوزع في ثلاثة قطاعات أساسية وهي قطاعات التجارة والإنشاءات والخدمات، ويشكل معدل النمو السنوي للواردات السعودية إلى سلطنة عمان في الأعوام الخمسة الماضية (2016- 2020) نحو 7% فيما يشكل المعدل السنوي للصادرات العمانية إلى المملكة العربية السعودية خلال الأعوام الخمسة (2016- 2020) نحو 7.5%.

نحن كشعبين شقيقين فرحنا بهذا التلاقي في الأفكار. وقد أطلق المغردون في البلدين وسماً في تويتر #عُمان_والسعودية _مستقبل _مشرق. وعبر المواطنون عن فرحتهم بالمستوى المتقدم في العلاقات بين البلدين على مختلف الأصعدة، ولعل حكمة القيادتين جلالة السلطان هيثم بن طارق المُعظم - حفظه الله ورعاه- وأخيه خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز- حفطه الله ورعاه- قد رسمت خارطة الطريق لجعل العلاقات بين الشقيقين مصدر فخر واعتزاز.

بالإمكان أن تثبِّت هذه الاستثمارات السعودية الصخمة أقدامها في المناطق الحرة العُمانية لاسيما المنطقة الاقتصادية الخاصة في الدقم، والتي تتميز بموقعها الاستراتيجي بوجود بنية تحتية مكتملة؛ حيث استثمرت الحكومة الرشيدة في تجهيز المرحلة الأولى من البنية التحتية باستثمارات تتعدى 3 مليارات ريال، وهذا مما لا شك فيه سيكون عامل جذب لأية مشاريع من الشقيقة المملكة العربية السعودية، خاصة مشاريع النفط والغاز، وقد تكون منطقة الدقم محطة مهمة لنقل النفط السعودي وتغيير مساره، بدلاً من العبور من خلال مضيق هرمز؛ لتكون الدقم الخط المطل على بحر العرب وبحر عُمان، ويكون خط الدقم هو البديل المناسب لمشاريع السعودية في مجالات الطاقة والبتروكيماويات والخدمات اللوجستية. ويمكن أيضاً للجانب السعودي بما يملك من الخبرات من خلال شركة أرامكو النفطية أن يستثمر في رفد قطاع النفط والغاز وهذا سيشكل منظومة التكامل الاقتصادي وسيوفر فرص عمل لمواطني البلدين الشقيقين.

هناك جهود تبذل ورؤية مشتركة ولابُد أن تدعم من قبل قيادة البلدين ولعل وجود هذه الشركات السعودية الكبيرة سيخلق فرص عمل لتنمية المؤسسات الصغيرة والمتوسطة بين البلدين، كما سيُسهم في انتقال الخبرات بين البلدين، وبذلك ستتمكن كل من السلطنة والمملكة العربية السعودية من تحقيق متطلبات رؤية عمان 2040 ورؤية المملكة 2030.

نسأل الله أن يكلل هذه الجهود بالنجاح وتنطلق العلاقات بين البلدين إلى آفاق جديدة معلنة العزم والحزم في رؤية مُشتركة أساسها الاحترام المتبادل.

وأهلا وسهلا بضيف عُمان الكبير بين أهلك وذويك.