تميُّز بلا نتائج

 

 

 

خالد بن حمد الرواحي

ليس التقييم في جوهره رقمًا يُدوَّن في نموذج، ولا وصفًا يُلصق في تقريرٍ سنوي، بل هو محاولة صادقة للإجابة عن سؤالٍ بسيط: هل نسير فعلًا في الاتجاه الصحيح؟ وهل ما نفعله يُحدِث الأثر الذي نرجوه في الواقع؟

غير أن هذا السؤال يفقد معناه حين تنفصل نتائجه عن الواقع. وعندها تتحوّل منظومة التقييم من أداة إنصافٍ وتطوير إلى "لغةٍ موازية" له؛ تقول شيئًا في الأوراق… بينما يحدث شيءٌ آخر تمامًا في الميدان.

ومن أكثر المفارقات حضورًا أن يُقيَّم فريقٌ كامل في نطاق "الجيد" و"الجيد جدًا"، بينما يُمنح المسؤول المباشر تقييم "ممتاز". هنا لا تبرز مسألة عدالةٍ فردية فحسب، بل يطفو سؤالٌ منطقي لا يمكن تجاهله: أين تجلّى هذا التميّز؟ وكيف تكون قيادةٌ ممتازة، إذا كان أثرها لا ينعكس بوضوح على مستوى من تقودهم؟

فالقيادة، في معناها الحقيقي، ليست امتيازًا يُكافَأ، ولا منصبًا يُحتفى به بمعزلٍ عن نتائجه، بل مسؤولية تُختبَر بقدرتها على الارتقاء بالآخرين. والقائد لا يُقاس بدرجته وحدها، بل بمستوى فريقه؛ بقدرته على أن يجعلهم أفضل بسببه… لا أن يبقوا في مكانهم بينما يرتقي هو في التقارير.

وحين يتكرر هذا النمط- مسؤولٌ ممتاز وفريقٌ متوسط- فإن الخلل لا يكون في الأشخاص بقدر ما يكون في المنطق ذاته: منطقٍ يفصل بين المسؤولية ونتائجها، والفعل وأثره، و"القيادة كدور" و"القيادة كصورة".

وهذا الفصل ليس مسألةً إجرائيةً عابرة، بل له آثارٌ عميقة في ثقافة المؤسسة. إذ يتعلّم الموظف- بغير قصد- أن التفوّق لا يرتبط بالنمو، بل بالظهور؛ وأن النجاح لا يُقاس بما يتحسّن فعليًا، بل بما يُكتب عنه. ومع الوقت، يبرد الحماس، ويضعف الإحساس بالعدالة، وتفقد التقييمات وظيفتها الأهم: أن تكون بوصلة تطوير… لا مجرّد شهادة حسن سلوكٍ إداري.

والأشدّ حساسية أن المؤسسة قد تبدأ في تصديق روايتها الخاصة. فتصبح التقارير أكثر إشراقًا، بينما التجربة اليومية أقلّ تحسّنًا. يعلو المؤشّر… فيما يبقى أثر القيادة على الأرض دون المستوى المأمول فعلًا.

ليس المطلوب أن يُساوى الجميع في التقييم، ولا أن يُدان كلّ مسؤولٍ ناجح، بل أن يستعيد التقييم منطقه البسيط: أن يكون انعكاسًا صادقًا للأثر. فإذا لم يرتقِ الفريق، فهناك سؤالٌ مشروع حول طبيعة هذا "التميّز" الذي لا يترك أثرًا واضحًا في الناس، ولا يُترجم إلى تحسّنٍ ملموس في الأداء.

فالقيادة التي لا تُنمّي قدرات من تقودهم، ولا ترفع سقف أدائهم، ولا تُحسِّن بيئة عملهم، ليست "قيادةً ناقصة" فحسب… بل هي تعريفٌ ناقصٌ للقيادة ذاتها.

ربما نحتاج اليوم، أكثر من أي وقتٍ مضى، إلى إعادة تعريف التميّز القيادي: أن يكون القائد انعكاسًا لما يصنعه في فريقه، لا انعكاسًا لما يُكتب عنه. وأن نفهم أن القائد الذي يرتقي وحده قد يلمع في التقارير… أمّا القائد الذي يرفع معه الآخرين، فهو الذي يبني المؤسسات، ويترك أثرًا لا يزول.

الأكثر قراءة

z