مستقبل "حزب الله" في لبنان

 

د. عبدالله الأشعل **

 

احتمالات مستقبل حزب الله في لبنان ترتبط بالعوامل الآتية:

  1. الصراع الأمريكي الإسرائيلي الإيراني
  2. الطائفية في لبنان، ونلاحظ أن الطوائف جميعًا: المسيحيين والسُنَّة لهم ميليشيات مسلحة، لكن الحديث عن حزب الله يأتي بسبب الصراع الأمريكي الإسرائيلي الإيراني وبسبب أنه موجه لإسرائيل، وقد شهدنا في العام الماضي أكثر أبواب حزب الله شجاعة في مواجهة العدو الصهيوني حتى إن سكان إسرائيل في الشمال غادروا المنطقة بسبب ضربات حزب الله كما أن المستوطنين في الضفة الغربية يشتكون من نقص الخدمات بسبب هجرة الأطباء وأصحاب الخدمات إلى خارج إسرائيل بسبب ضربات حزب الله.
  3. القوة الإيرانية؛ حيث صرحت إيران كثيرا بأنها هي التي ستُبيد إسرائيل. ونظرًا لأن هذا التهديد جدي وممكن التنفيذ، خشيت إسرائيل من أن تتسلح إيران نوويًا فتضعها أمام الأمر الواقع، رغم أن إسرائيل نفسها أعلنت أنها تمتلك السلاح النووي بينما إيران مُتهمة من جانب أمريكا وإسرائيل بالتخطيط لحيازة السلاح النووي.

 ورغم نفي إيران لهذا الاتهام إلّا أنَّ أمريكا وإسرائيل هاجمتا المنشآت النووية الإيرانية وأعلن الرئيس ترامب أنه فخور بالضربات الأمريكية والإسرائيلية لهذه المنشآت. والصراع بين إسرائيل وإيران لن يخفت إلا بزوال إسرائيل أو أفول نجم الولايات المتحدة كقوة عظمى. وفي هذه الحالة تفقد أمريكا التأثير على المنطقة العربية كما تتغير قواعد العلاقات الدولية في هذه المنطقة.

أما احتمالات مستقبل حزب الله فنحاول أن نحصرها فيما يلي:

الاحتمال الأول: أن يظل حزب الله حزبا مقاوما. وقد نشأ حزب الله مقاوما لإسرائيل خلال احتلالها لبيروت عام 1982. ويذكر أن الثورة الإسلامية في إيران قامت في فبراير 1979 وهو العام المفصلي في المنطقة؛ حيث ضغطت أمريكا على مصر بالتخلي عن قيادة العالم العربي ولولا ذلك كانت إسرائيل عانت مطولًا؛ بل إن بعض زعماء إسرائيل ووزير الخارجية آن ذاك وصفوا معاهدة السلام بأنها الجائزة الكبرى لإسرائيل.

ولذلك أنوي كتابة مقال عن حصاد معاهدة السلام، وهل أفادت مصر وكيف أضرتها؟ وهل موقف مصر وفق المعاهدة أم التقارب المصري الإسرائيلي يسبق المعاهدة.

ونذكر أنه لولا مشروع الثورة الإسلامية في المنطقة لما نشأ "حزب الله" خصوصًا وأن المنطقة العربية استسلمت لإسرائيل منذ عام 1979 وكانت مصر في المقدمة.

ومما يُذكر أن إسرائيل وأمريكا تسعيان إلى بتر العلاقة بين حزب الله وإيران عن طريق تدمير القوة الإيرانية، خاصة وأن إيران تقدمت جدًا في مجال المسيرات والصواريخ الفاعلة ضد إسرائيل وقد شهدنا هذا العرض خلال 12 يومًا من سبتمبر عندما هاجمت إسرائيل وأمريكا إيران وأصبحت تل أبيب لأول مرة في التاريخ كأي عاصمة عربية أخرى تعاني من الدمار وكان ذلك فخرًا لكل عربي ومسلم.

ولذلك فإنَّ الشعوب العربية والإسلامية شجعت إيران ولم تتوقف لحظة واحدة عند المؤامرة والفتنة الغربية للتمييز بين المسلمين على أساس الشيعة والسنة ولذلك أفشلت الشعوب العربية هذه الفتنة، ولكن هذا الفشل لن يثني الغرب عن المضي في مؤامراته ضد الإسلام والمسلمين.

الاحتمال الثاني: نجاح إسرائيل أو الجيش اللبناني في نزع سلاح حزب الله واختصاره من مقاوم إلى حزب سياسي عادي. وهذا ظلم لطائفة الشيعة. فإذا أريد نزع سلاح حزب الله يجب نزع سلاح بقية الميليشيات في الطوائف الأخرى. وسوف يظل حزب الله حاميًا للطائفة الشيعية ما دامت الطائفية قائمة؛ لأن فكرة الدولة اللبنانية موجودة على الورق فقط والطائفية حلت محل الدولة أما الجيش اللبناني فإنه رمز للدولة، ولكنه عاجز عن حماية المواطنين من إسرائيل دون تمييز.

فلو أُريد القضاء على حزب الله؛ فليوفر الجيش حماية لكل اللبنانيين. وهذه النقطة لاتزال محل جدل بين حزب الله والجيش اللبناني. ذلك أن حزب الله يفهم تماماً أن القضاء عليه مطلب أمريكي إسرائيلي وربما بعض العرب يريدون ذلك. ولكن حزب الله أكد على لسان الأمين العام أنَّه لن ينزع سلاحه مادام الجيش ضعيفًا.

أمريكا وإسرائيل خططتا للصدام بين الجيش اللبناني وحزب الله، ولكن أرجو أن يتفهم الطرفان المؤامرة على لبنان؛ حيث تريد إسرائيل لبنان خاليًا من المقاومة حتى تحتل الأراضي اللبنانية وتتنقل بحرية بين الأقاليم اللبنانية.

وهناك مؤشر خطر من جانب الحكومة اللبنانية؛ حيث عينت السفير السابق اللبناني في واشنطن وهو القيادة السياسية والدبلوماسية في الوفد اللبناني العسكري الذي يتفاوض مع إسرائيل وأعلنت الحكومة أن المفاوضات وليس المواجهة أفضل طريق للتفاهم مع أمريكا وإسرائيل.

وفي ظني أن الحكومة اللبنانية تتجه إلى عقد اتفاقية سلام مع إسرائيل في ظل توحش إسرائيل وانقسام العالم العربي.

الاحتمال الثالث: زوال إسرائيل وبقاء المقاومة صامدة لكل المتغيرات وأعتقد أن هذا احتمال راجح في المستقبل القريب؛ لأن إسرائيل بدعم أمريكي توحشت في المنطقة وتتجه إلى إنشاء إسرائيل الكبرى، ولذلك أعتقد أن سكوت الدول العربية الواردة في خريطة إسرائيل الكبرى عن الاحتجاج على خرائط نتنياهو الجديدة هي سبب أن إسرائيل تزعم تحقيق إنجازات وهمية ضد المقاومة وإبادة المدنيين في فلسطين وسوريا ولبنان. ولكن هذه الدول سوف تتصدى لإسرائيل إذا بدأت مشروع إسرائيل الكبرى.

الاحتمال الرابع: أن ينجح الغرب في إسقاط النظام الإسلامي في إيران، خاصة وأن أمريكا تشعر بالعار لأنَّ نجاح الثورة الإسلامية في إيران أضر بالمصالح الأمريكية في المنطقة ونشر بذور الكراهية ضد أمريكا وسوف يتسع هذا الاتجاه وقد رأينا ثمرة لذلك في هجوم داعش في سوريا على القوات الأمريكية وقتل جنديين أمريكيين بالإضافة إلى المترجم السوري.

ورغم ضربات الولايات المتحدة ضد "داعش" فإنَّ ذلك لن ينطلي على أحد في المنطقة لأن "داعش" صناعة أمريكية وكل المنظمات الإرهابية صناعة أمريكية، وقد آن الأوان لكي ينقلب السحر على الساحر، خاصة وأن الجماعات الإرهابية أضرت بالعالمين العربي والإسلامي، ولن تصدق الحكومات العربية أن أمريكا تريد القضاء على "داعش"؛ إذ إنها تريد فقط ألا تهاجم "داعش" القوات الأمريكية.

وملخص القول إن بقاء حزب الله حالياً ليس مرتبطًا بمصير إيران إنما بمصير الطائفية في لبنان وبعدوان إسرائيل المستمر على الدول العربية. ومن السهل حصول حزب الله على السلاح الصاروخي؛ لأنه صناعة محلية وليس إيرانية. صحيحٌ أنَّ انتصار إيران على إسرائيل مصلحة لحزب الله، لكن لا يرتبط مصير حزب الله بمصير إيران، وليس هناك معنى لتصريح الحكومة اللبنانية بأنَّ علاقة إيران بحزب الله تعتبر تدخلًا في الشؤون الداخلية. فإذا أراد العدو محو حزب الله أو تحويله إلى حزب سياسي عادي؛ فلينهض رئيس الحكومة بواجباته في حماية المواطنين اللبنانيين بمن فيهم الشيعة.

وأخيرًا، فإن هناك حقائق في لبنان كما يلي:

1-      لبنان لم يكن طرفاً في الصراع العربي الإسرائيلي، ولكنه تحمل فوق طاقته من آثار هذا الصراع.

2-      المقاومة الفلسطينية كانت في لبنان وتستخدم الأراضي اللبنانية في عملياتها ضد إسرائيل ولذلك تأرجح مركز مصر في لبنان؛ ففي عام 1962 كانت الحكومة اللبنانية تُشكَّل في منزل السفير المصري في بيروت، ولذلك تدهورت مكانة مصر في العالم العربي منذ عام 1979، كما إن وَهْمَ بعض الدول العربية في الحلول محل مصر في قيادة العالم العربي شجع إسرائيل على التوحُّش. 

** أستاذ القانون الدولي ومساعد وزير الخارجية المصري سابقًا

الأكثر قراءة

z