عُمان تحمي المنتجات الوطنية بإجراءات قانونية ورسوم رادعة لمكافحة الإغراق التجاري

 

 

◄ الإغراق ممارسة تجارية غير عادلة يمنح المنتج الأجنبي ميزة سعرية مصطنعة

الأهداف البعيدة للإغراق هو إضعاف المنتج المحلي وإقصاؤه من السوق

◄ الآثار السلبية للإغراق تمتد إلى سوق العمل بتسريح العمالة وتقليص فرص التوظيف

إجراءات صارمة لمكافحة الإغراق ضمن اتفاقية الشراكة مع الهند

 

الرؤية- سارة العبرية

تشهد التجارة الدولية تنافساً شديداً بين الدول المنتجة والمصدرة للسلع، وفي خضم هذا التنافس تظهر ممارسات تجارية غير عادلة من أبرزها قضايا الإغراق التجاري التي تؤثر سلباً على الاقتصادات المحلية. والإغراق التجاري هو ممارسة منظّمة يمكن أن تلحق أضراراً جسيمة بالصناعات المحلية إذا تُركت دون رقابة أو استجابة قانونية مناسبة، وتواجه سلطنة عُمان كبقية الدول مخاطر الإغراق في أسواقها، وقد بدأت بالفعل اتخاذ خطوات مهمة لحماية المنتج الوطني من خلال التحقيقات وفرض الرسوم، فضلاً عن تبني الأطر القانونية الضرورية لمكافحة هذه الممارسة وضمان بيئة تجارية عادلة ومستدامة.

الإغراق وأنواعه؟

يُعرَّف الإغراق في التجارة الدولية بأنه قيام شركة أو دولة بتصدير سلعة إلى سوق دولة أخرى بسعر يقل عن سعر بيعها في السوق المحلية للبلد المُصدِّر، أو بأقل من تكلفة إنتاجها الفعلية، بما يؤدي إلى إلحاق ضرر مادي بالصناعة المحلية في بلد الاستيراد.

ولا يُعد انخفاض السعر بحد ذاته دليلاً على الإغراق؛ إذ تشترط القوانين الدولية، وفي مقدمتها اتفاقية مكافحة الإغراق التابعة لمنظمة التجارة العالمية، إثبات ثلاثة عناصر مجتمعة هي: وجود فرق سعري غير عادل، وحدوث ضرر فعلي أو تهديد للصناعة الوطنية، ووجود علاقة سببية مباشرة بين الواردات المغرقة والضرر الواقع.

ويُنظر إلى الإغراق باعتباره ممارسة تجارية غير عادلة، لأنه يُشوّه آليات السوق الحرة ويمنح المنتج الأجنبي ميزة سعرية مصطنعة على حساب المنتج المحلي، ما قد يؤدي إلى إضعاف أو خروج الصناعات الوطنية من السوق إذا استمر دون إجراءات قانونية رادعة.

وينقسم الإغراق إلى 3 أنواع: أولها الإغراق الخارجي ويقع في حالة ما إذا قامت دولة بإغراق أسواق دولة أخرى بتصدير سلعة إليها بأسعار تقل عن تكلفة إنتاجها، وثانيا الإغراق الداخلي ويقع في حال قيام شركة بطرح سلعة في السوق المحلية بسعر يقل عن تكاليف إنتاجها لإخراج المنافسين المحليين، وهناك نوع ثالث هو الإغراق المؤقت، وتلجأ إليه الدول عندما تمرّ بظروف اقتصادية غير مواتية، مثل حالات الكساد أو الأزمات الاقتصادية.

ويلاحظ أن أكثر الدول التي فُرضت على صادراتها رسوم إغراق هي الصين، كما أن أكثر الدول التي تتخذ تدابير إغراق هي الولايات المتحدة الأمريكية، خاصة ضد الصين واليابان وكوريا والمكسيك.

ولا يقتصر الإغراق التجاري على كونه طرح سلع بأسعار منخفضة في الأسواق؛ بل يُعد في جوهره تلاعبًا متعمدًا بالأسعار لتحقيق أهداف استراتيجية بعيدة المدى، أبرزها إقصاء المنتج المحلي وإضعاف قدرته على الاستمرار في السوق، الأمر الذي قد يقود إلى خروجه تدريجيًا تحت ضغط منافسة غير عادلة.

ومع تراجع أو اختفاء المنافسين المحليين، يتمكن المصدر الأجنبي من السيطرة على السوق وفرض حالة احتكار أو شبه احتكار، تتيح له لاحقًا رفع الأسعار وتحقيق أرباح أعلى على حساب المستهلك والاقتصاد المحلي.

كما يؤدي الإغراق إلى تشويه بنية الإنتاج الوطني؛ إذ تتراجع جدوى الاستثمار في القطاعات الإنتاجية المتضررة، وتتقلص الحوافز لتوسيع المصانع أو تحديثها، وهو ما ينعكس سلبًا على العمالة المحلية من خلال تقليل فرص التوظيف أو توقف الإنتاج في بعض القطاعات الحيوية.

وعلى المستوى الاقتصادي العام، تقوم السياسات التجارية العادلة على مبدأ المنافسة الحرة المتكافئة دون تدخلات تشوه الأسعار، في حين يُعد الإغراق شكلاً من أشكال التمييز السعري غير العادل الذي يُخل بتوازن السوق ويقوض أسس التنمية الصناعية المستدامة.

ويُخلّف الإغراق التجاري آثارًا سلبية مباشرة على المنتج المحلي العُماني؛ فيؤدي دخول سلع مغرقة بأسعار منخفضة إلى تقلص حصة المنتجات الوطنية في السوق، وتراجع الطلب عليها، وهو ما ينعكس في انخفاض المبيعات المحلية وتراجع القدرة على تصريف الإنتاج. وتؤكد تقارير اقتصادية أن هذا الأثر يكون أكثر وضوحًا في القطاعات الصناعية التي تعتمد على السوق المحلي كمصدر رئيسي للتصريف.

كما ينعكس الإغراق على أرباح الشركات الوطنية وقدرتها الاستثمارية؛ حيث تجد المنتجات المحلية صعوبة في منافسة الأسعار غير العادلة، ما يؤدي إلى تآكل هوامش الربح وتقليص الموارد المتاحة للتوسع أو تحديث خطوط الإنتاج. هذا الوضع يُضعف جاذبية القطاع الصناعي للاستثمار، سواء من المستثمرين المحليين أو الأجانب.

وتُعد الصناعات الوطنية الناشئة والصغيرة الأكثر تأثرًا بالإغراق، قد لا تمتلك القدرة المالية أو التشغيلية لتحمل خسائر طويلة الأمد، ويدفع بعض المصانع إلى تقليص الإنتاج أو إيقافه بالكامل، مع ما يترتب على ذلك من آثار اقتصادية واجتماعية.

ويمتد أثر الإغراق ليشمل سوق العمل، إذ إن تراجع الإنتاج المحلي غالبًا ما يقود إلى تقليص فرص التوظيف، أو تسريح العمالة، إضافة إلى ضعف فرص التدريب والتأهيل وتطوير المهارات، ما ينعكس سلبًا على جهود بناء رأس المال البشري وتعزيز المحتوى المحلي في القطاع الصناعي.

قضايا الإغراق في عُمان

تواجه سلطنة عُمان بصفتها عضوًا في منظمة التجارة العالمية منذ عام 2000، تحديات متزايدة تتعلق بممارسات الإغراق في عدد من السلع المستوردة، الأمر الذي دفع الجهات المختصة إلى اتخاذ إجراءات قانونية لحماية الصناعة الوطنية من المنافسة غير العادلة.

وفي هذا السياق، باشرت وزارة التجارة والصناعة وترويج الاستثمار إجراءات تحقيق في قضايا مكافحة الإغراق بعد تلقي شكاوى من مصانع محلية تضررت من واردات ذات منشأ صيني وهندي، من بينها أحواض الغسيل والمغاسل؛ حيث أظهرت المؤشرات الأولية بيع هذه المنتجات بأسعار متدنية أثرت سلبًا على المنتج المحلي وقدرته التنافسية.

كما اتخذت السلطنة خطوة أكثر حزمًا بفرض رسوم لمكافحة الإغراق على واردات بلاط السيراميك والبورسلان من الصين والهند اعتبارًا من 29 مايو 2025، وذلك عقب تحقيقات فنية وقانونية استمرت لأكثر من عام، وأثبتت وجود ضرر مادي على الصناعة الوطنية، استنادًا إلى أحكام القانون الموحد لمكافحة الإغراق المعمول به في دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية، في تأكيد على التزام عُمان بحماية اقتصادها الوطني ضمن الأطر القانونية الدولية.

ومؤخرا، أكدت الوزارة أن اتفاقية الشراكة الاقتصادية الشاملة مع الهند تتضمن آليات صارمة لمكافحة الإغراق والتدابير الوقائية؛ بما يحمي الصناعات الوطنية ويمنع أي ممارسات تجارية غير عادلة، إذ تتيح الشراكة للمنتجات العُمانية نفاذًا تفضيليًا إلى سوق يتجاوز 1.4 مليار نسمة؛ ما يعزز الصادرات الوطنية ويقوي حضورها عالميًا، ويسهم في تعزيز مكانة سلطنة عُمان كمركز لوجستي وصناعي إقليمي وبوابة استراتيجية للأسواق الآسيوية.

وتعتمد سلطنة عُمان في مواجهة ممارسات الإغراق على إطار قانوني وتنظيمي واضح يستند إلى اللائحة التنفيذية للقانون الموحد لمكافحة الإغراق والدعم والزيادة في الواردات، وهو الإطار الذي يحدد الآليات الإجرائية لتقديم الشكاوى من قبل المنتجين المحليين، وشروط قبولها، وأساليب التحقيق الفني والاقتصادي، إضافة إلى التدابير المؤقتة والنهائية التي يمكن اتخاذها عند ثبوت وجود الإغراق والضرر.

ويهدف هذا النظام إلى تحقيق التوازن بين حماية الصناعة الوطنية والالتزام بقواعد التجارة الدولية، بما يضمن الشفافية والعدالة في التعامل مع الواردات المغرقة.

وفي السياق ذاته، تنفذ السلطنة التشريعات المعتمدة ضمن الاتفاق الموحد لدول مجلس التعاون لدول الخليج العربية لمكافحة الإغراق والتدابير الوقائية والدعم، والذي يوفر إطارًا خليجيًا مشتركًا للتعامل مع قضايا الإغراق التي تتجاوز حدود دولة واحدة. ويعزز هذا الاتفاق التنسيق بين دول المجلس في التحقيقات وتبادل المعلومات وفرض الرسوم، بما يرفع كفاءة الحماية للصناعات الوطنية الخليجية ويحد من استغلال الأسواق الصغيرة أو المفتوحة.

تعليق عبر الفيس بوك

الأكثر قراءة

z