ريادة الأعمال.. جسر التنمية

 

 

د. علي بن حمدان البلوشي **

تُعد ريادة الأعمال من المفاهيم الحديثة التي أخذت حيزًا كبيرًا من الاهتمام في مختلف دول العالم، لما لها من دور محوري في دعم الاقتصاد الوطني وتحقيق التنمية المستدامة.

ويُقصد بريادة الأعمال القدرة على ابتكار أفكار جديدة وتحويلها إلى مشاريع منتجة قادرة على خلق قيمة اقتصادية واجتماعية، من خلال استثمار الفرص المتاحة وتحمل المخاطر المحسوبة. وتكمن أهمية ريادة الأعمال في مساهمتها المباشرة في تنويع مصادر الدخل، وتحفيز الابتكار، وتقليل الاعتماد على الوظائف التقليدية، إضافة إلى دورها البارز في إيجاد فرص عمل جديدة للشباب والحد من معدلات البطالة، بما يعزز الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي في المجتمع.

وانطلاقًا من هذه الأهمية، برزت الحاجة إلى إدراج مقرر ريادة الأعمال والابتكار ضمن الخطط الدراسية في الكليات والجامعات، لما له من أثر كبير في إعداد الطلبة لمتطلبات سوق العمل الحديث. فدراسة هذا المقرر لا تقتصر على الجانب النظري فحسب، بل تسهم في تنمية التفكير الإبداعي، وتعزيز روح المبادرة، وبناء الثقة بالنفس لدى الطلبة. كما أن تطوير مقرر ريادة الأعمال والابتكار ليشمل محتوى عمليًا وتطبيقيًا يساعد الطلبة على اكتساب المعرفة اللازمة حول أسس إنشاء المشاريع، ودراسة الجدوى، والتخطيط المالي، وإدارة المخاطر، إضافة إلى تعلم المهارات الأساسية التي تؤهلهم ليكونوا رواد أعمال ناجحين في المستقبل.

ومن الجوانب المهمة التي ينبغي أن يتضمنها منهج ريادة الأعمال استضافة رواد أعمال نجحوا في تحويل أفكارهم إلى مشاريع قائمة وناجحة؛ فالتجارب الواقعية تُعد مصدر إلهام قوي للطلبة، وتساعدهم على فهم التحديات الحقيقية التي قد تواجههم، وكيفية التغلب عليها. كما أن لقاء الطلبة برواد أعمال ناجحين يعزز لديهم الدافعية لخوض هذا المجال، ويمنحهم رؤية أوضح لمسارات النجاح الممكنة في عالم ريادة الأعمال.

وفي سلطنة عُمان، توجد العديد من النماذج الناجحة في مجال ريادة الأعمال، مثل المشاريع الصغيرة والمتوسطة في مجالات السياحة، والصناعات الحرفية، والتقنية، والخدمات اللوجستية. وقد نجحت هذه المشاريع بفضل عدة عوامل، من أبرزها دعم الحكومة لرواد الأعمال، وتوفير برامج التمويل والتدريب، إضافة إلى الاستفادة من الموارد المحلية والابتكار في تقديم المنتجات والخدمات. وعلى الصعيد الدولي، نجد نماذج ناجحة في دول مثل سنغافورة وألمانيا والولايات المتحدة، حيث أسهمت البيئة الداعمة للابتكار، والتشريعات المرنة، والتكامل بين التعليم وسوق العمل في تحقيق نجاحات كبيرة لريادة الأعمال.

ورغم هذه النجاحات، يواجه رواد الأعمال بصفة عامة عددًا من التحديات، مثل صعوبة الحصول على التمويل، وضعف الخبرة الإدارية، والتعقيدات القانونية، والمنافسة الشديدة في الأسواق. وفي سلطنة عُمان، يحتاج رواد الأعمال إلى مزيد من الدعم في مجالات الإرشاد والتوجيه، وتسهيل الإجراءات، وتعزيز ثقافة ريادة الأعمال في المجتمع. ويُعد طلبة مؤسسات التعليم العالي ثروة حقيقية في هذا المجال، إذ يمتلك العديد منهم أفكارًا ريادية مبتكرة وقابلة للتطبيق، إلا أنهم بحاجة إلى بيئة حاضنة تساعدهم على تحويل هذه الأفكار إلى مشاريع ناجحة.

ومن هنا تبرز أهمية تفعيل التعاون بين مؤسسات التعليم العالي والقطاعين العام والخاص، من خلال تعزيز اللجان المشتركة والمشاركة الفعلية في تطوير المناهج الدراسية. ويسهم هذا التعاون في مواءمة مخرجات التعليم مع احتياجات سوق العمل، وضمان كفاءة الخريجين في مختلف التخصصات من حيث المعرفة والمهارات الحديثة المطلوبة. كما يُساعد التعاون المشترك على توفير فرص التدريب العملي، ودعم المشاريع الطلابية، وربط البحث العلمي بالواقع الاقتصادي.

وفي الختام.. لا شك أنَّ ريادة الأعمال تمثل ركيزة أساسية لتحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية، وتتطلب تضافر الجهود بين مؤسسات التعليم العالي والقطاعين العام والخاص. ويقع على عاتق هذه المؤسسات دور عملي ومتكامل في تعزيز ثقافة ريادة الأعمال، وتطوير المناهج، ودعم الشباب وتمكينهم من تحويل أفكارهم إلى مشاريع ناجحة، بما يسهم في بناء اقتصاد وطني قوي ومستدام قائم على الابتكار والمعرفة.

** مستشار أكاديمي

تعليق عبر الفيس بوك

الأكثر قراءة

z