حيدر بن عبدالرضا اللواتي
يتساءل البعض إن كانت اتفاقية الشراكة الاقتصادية التاريخية الشاملة الأخيرة لسلطنة عُمان مع جمهورية الهند تدخل في إطار أدوات القوة الناعمة للهند، وما استفادة البلدين من هذه الاتفاقية مستقبلًا؟ خاصة فيما يتعلق بموضوع تواجد العمالة الهندية بكثرة في المؤسسات العُمانية، وهل فعلًا هذه الاتفاقية سوف تقلّل من تواجد العمالة العُمانية في المؤسسات الهندية؟
أسئلة وحوارات عديدة تم طرحها في وسائل الإعلام والإعلام الاجتماعي بعد توقيع هذه الاتفاقية بين الجانبين؛ حيث يرى البعض أن الاتفاقية، وخاصة في مجال التشغيل سوف تؤدي إلى التقليل من العنصر العُماني في المؤسسات الهندية، فيما يرى البعض أن هذه الاتفاقية سوف تفتح آفاقًا أكبر من التعاون بين البلدين ليس في مجالات التجارة والاقتصاد والاستثمار فحسب؛ بل سوف تتعدى الكثير من المجالات والقطاعات الاقتصادية والتكنولوجية والثقافية والاجتماعية التي سوف يستفيد منها الطرفان مستقبلًا في ظل وجود 675 ألف مواطن هندي في عُمان حاليًا.
الاتفاقية يراها البعض بأنها تعد ضمن اتفاقيات القوة الناعمة للهند مع العديد من دول العالم ومنها سلطنة عُمان ودول المنطقة وغيرها من الدول الأخرى، وذلك لعدة أسباب؛ منها: أنها ستعمل على تعزيز النفوذ الاقتصادي والاستراتيجي للهند في منطقة الخليج، بجانب تعميق الاعتماد الاقتصادي المتبادل الذي يعزّز العلاقات السياسية بين البلدين، والعمل على نقل الخبرات والتكنولوجيا الهندية التي سوف تُعزز الصورة الإيجابية للهند كشريك تنموي، إضافة إلى تعزيز الروابط الثقافية والاجتماعية المصاحبة للتعاون الاقتصادي.
لقد صدر بيان مشترك بين البلدين عقب زيارة رئيس وزراء جمهورية الهند ناريندرا مودي لعُمان قبل أيام، وقد مثّلت الاتفاقية علامة فارقة في العلاقات الاقتصادية الثنائية بين البلدين؛ حيث يرى البلدان أنها سوف توفر فرصًا كبيرة في مختلف القطاعات الاقتصادية الرئيسية، وتعزّز من النمو الاقتصادي في كل من عُمان والهند، وتعمل على جذب المزيد من الاستثمارات الهندية إلى عُمان وبالعكس. هذه الزيارة اكتسبت أهمية خاصة لتزامنها مع الذكرى السبعين لإقامة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين؛ حيث تأتي زيارة مودي بعد الزيارة التاريخية التي قام بها حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم- حفظه الله ورعاه- إلى جمهورية الهند في ديسمبر 2023.
القوة الناعمة لهذه الزيارة تكمن في مجالات التعاون التي ستشملها الاتفاقية، بحيث لا تقف عند موضوع التجارة والاستثمار فحسب؛ بل سوف تصل إلى مجالات الدفاع والأمن والتكنولوجيا والتعليم والطاقة والفضاء والزراعة والثقافة والعلاقات الشعبية؛ إذ تُعد وثيقة تاريخية مهمة بين البلدين، وتتضمن جوانب يمكن تطويرها مستقبلا لتصبح شراكة استراتيجية متعددة الأوجه.
عُمان ماضية في التنويع الاقتصادي والتنمية المستدامة في إطار "رؤية 2040"، فيما تمضي الهند لتواصل نموها الاقتصادي في مختلف المجالات لتصبح دولة متقدمة خلال العقدين القادمين وحتى عام 2047، فيما تعمل الدولتان لوضع التجارة في المقدمة لكي تصبح حجر الزاوية في التعاون التجاري والاقتصادي الثنائي لتحقيق مزيد من الإنتاج والنمو بين البلدين. وهناك من الإمكانات الهائلة بينهما لتعزيز التجارة في العديد من المجالات، بما في ذلك المنتجات العُمانية التي يمكن للمؤسسات الصناعية الوطنية تصديرها لدولة آسيوية تتمتع بوجود 1.3 مليار نسمة أو أكثر من ذلك.
الطرفان أكدا أهمية الاتفاقية وتعزيز التجارة الثنائية والتي ستعمل على خفض الحواجز، وإرساء إطار عمل مستدام، وخلق فرص عمل في مختلف القطاعات الاقتصادية، وتحفيز النمو الاقتصادي، وزيادة تدفقات الاستثمار بين البلدين الصديقين، مع العمل على استكشاف فرص الاستثمار في القطاعات ذات الأولوية وذات الاهتمام المشترك، فيما يُمكن للبلدان الاستفادة من صندوق الاستثمار المشترك بين عُمان والهند؛ وذلك من خلال توسيع نطاق الاستثمارات وتيسيرها، وتيسير التجارة الثنائية بالعملات المحلية، وهو موضوع مُهم في وقت تُسيطر فيه العملة الخضراء على مجمل التجارة في العالم؛ الأمر الذي يساعد على خلق بيئة استثمارية قوية وجاذبة بين البلدين، وليشمل التعاون مجالات الطاقة الجديدة والمتجددة التي تحتاج إليها دول العالم.
القوة الناعمة للهند لا تقوم فقط على الثقافة والفنون؛ بل تعتمد بدرجة كبيرة على الأدوات الاقتصادية والتجارية التي تجعل الدول الأخرى ترى في الهند شريكًا جذابًا وموثوقًا. فالقوة الناعمة للهند في المجال الاقتصادي تقوم على الجاذبية، والشراكة، والمنفعة المتبادلة، فيما تعد الاتفاقيات الاقتصادية مع دول أخرى ومنها سلطنة عُمان أداة مركزية في هذا النهج، لأنها تعزز النفوذ الهندي بأسلوب غير مباشر وسلمي.
وعناصر القوة الناعمة للهند في التجارة والاقتصاد تعتمد على حجم السوق والنمو الاقتصاد؛ حيث يمنحها جاذبية كبيرة للشركات والدول الراغبة في الاستثمار أو التصدير. كما تكمن في القدرات التكنولوجية والخدمية باعتبار أنها تعزز صورة الهند كدولة حديثة ومبتكرة وتتمتع بوجود العمالة الماهرة ورأس المال البشري ما يجعل التعاون مع الهند مغريًا لكثير من الدول، إضافة إلى العمل على ممارسة الدبلوماسية الاقتصادية في الاتفاقيات التجارية وفي الاستثمارات الخارجية كوسيلة لبناء علاقات طويلة الأمد، وليس فقط لتحقيق مكاسب اقتصادية مُباشرة.
وأخيرًا.. تكمن القوة الناعمة للهند في الجاليات الهندية في الخارج ودورها في تعزيز التجارة والاستثمار والعمل على الاندماج في الاقتصاد العالمي.
