صرفيت.. أمانة التاريخ وسيادة الأرض

 

محمد بن علي بن ضعين البادي

ليست صرفيت، ولا أي من المدن أو المواقع والخطوط العُمانية، أسماء عابرة أو مفردات عابرة يُمكن استدعاؤها في نزاعات لا تنتهي أو مهاترات خاوية في أي دولة في هذا الإقليم؛ فهي رمزٌ للكرامة، ومقدسٌ في الجغرافيا العُمانية، وحصنٌ للأخلاق والتاريخ، وهي ليست ملكًا لأحد أن يسيء استخدامها أو يحوّلها وسيلة للتهديد والاستعراض.
وصرفيت أشرف من أن تُوظف وقودًا لصراعات إقليمية ضيقة، وأعلى مقامًا من أن تُستغل في تهديدات لا تثمر إلا الفوضى والانقسام؛ فهي شاهد حي على حضارة وأخلاق شعب لم يعرف العدوان، ولم يتآمر على جيرانه عبر التاريخ. وحتى ضمن الحدود المشتركة، فإن للحدود حرمتها، وللأسماء قيمتها، وللمكان قدسه الذي لا يُنتَهك. ومن يستخف باستدعاء المدن والأمكنة في نزاعه، إنما يسيء إلى المكان قبل أن يسيء للمعنى، ويستخف بالتاريخ قبل أن يخاصم الواقع. كل اسم يحمل تاريخًا، وكل مكان يحوي ذاكرة، وكل حدود ترمز إلى سيادة وعراقة، ولا يحق لأحد أن يحرف هذه الحقيقة لخدمة نزاعه الشخصي أو الجماعي.
في بعض التهديدات، ظهر اسم صرفيت كأداة استعراض واستفزاز، وكأن المكان تحول إلى لسان ناطق باسم جماعات أو أطراف متنازعة. وهنا يفرض السؤال نفسه بلا هوادة: من منحكم الحق في استخدام أسماء المدن العُمانية كسلاح لغوي؟ ومن خوّلكم أن تحوّلوا الجغرافيا إلى أداة تهديد؟
صرفيت ليست شخصًا، ولا قبيلة، ولا كيانًا سياسيًا؛ بل اسم موضع جغرافي ارتبط عبر التاريخ بالحرمة والتعايش والأمن. والمكان مهما علت رمزيته، لا يمنح أحدًا تفويضًا أخلاقيًا أو شرعية تاريخية لينطق باسمه أو يوظفه في نزاعات ضيقة. إن محاولة تحويله إلى أداة تهديد ليست مجرد خطأ أخلاقي؛ بل إساءة لتاريخ المنطقة، وانتهاك لقيم الجوار، وتشويه للذاكرة الجماعية التي حملت عُمان ورسالتها عبر العصور.
واستدعاء أسماء المواقع الحدودية في النزاعات هو استقواء رمزي فارغ، يراد به سد فراغ الحجة ورفع الصوت، وصناعة وهم القوة من العدم؛ فالتاريخ لا يُكتب بالتهديد، والجغرافيا لا تُصان بالخوف، والأسماء لا تكتسب معناها من كثرة الترداد، بل من الاحترام والصون، ومن إدراك أن لكل مكان حرمة لا يجوز انتهاكها.
إن كانت بينكم خلافات؛ فالطريق الصحيح لحلها هو الحوار المباشر والاحتكام للعقل والقانون، لا استدعاء الحدود ولا التلاعب بأسماء عُمان. المشكلات لا تُحل بالأسماء، والحدود العُمانية لها حرمتها: ثابتة، لا تُستغل، ولا تُقايض، ولا تُخضع لأهواء أحد. ومن حاول أن يتجاوز ذلك سيواجه حكمة الدولة وعزمها الراسخ؛ فالحدود ليست خطوطًا على الورق؛ بل جدار حماية للأمة، وعلامة احترام متبادل، ومرآة لسيادة عُمان وعزتها.
عُمان اليوم أقوى من أي وقت مضى، وسيادتها راسخة، وحزمها ثابت، وحكمتها راسخة في كل قرار تتخذه. وكل من يظن أنه يستطيع اختبار صبرها أو تجاوز حدودها، سيصطدم بعزم لا يلين وقوة تقف حصنًا لكل حرماتها. عُمان لا تُستفز، لكنها تعرف متى تصبر، ومتى تضع حدودها، ومتى تحمي كرامتها وكرامة أرضها بلا تردد، فهي مثال الحكمة المطلقة والقوة الرصينة في آن واحد.
وإلى الإخوة في اليمن الذين زجّوا باسم صرفيت في خطابات غير منضبطة، كان الأولى بكم أن تحتفظوا بعُمان صديقًا صدوقًا؛ فهي لم تقف يومًا ضدكم، ولم تسع لتفريقكم، بل كانت الحضن الآمن لكم حين اختلفتم. يوم اندلعت صراعاتكم، فتحت لكم الحدود، وهيأت لكم المكان، لا انحيازًا ولا مصلحة، بل التزامًا أخلاقيًا بأن الدم لا يُسفك، وأن الجار يُحمى لا يُستغل. فمن عاد إلى وطنه بعد أن هدأت العاصفة، ومن هاجر إلى بقاع الأرض، عُمان بقيت ثابتة، محافظة على السلام، رافضة الانحياز، محافظة على دماء الأبرياء، شاهدة على أن القوة الحقيقية تكمن في ضبط النفس، والسيادة في احترام الآخرين، والشجاعة في حفظ الدماء.
ومنذ الأزل، لم تكن عُمان دولة عدوان، ولم تسع للتوسع، ولم تحاول أن تأخذ ما ليس لها. على العكس، قدمت الأمن والسلام على الأرض، واختارت التعايش على الغلبة، والاستقرار على الصراع. هكذا ترسخ فكر السلطان قابوس بن سعيد - طيب الله ثراه - الذي جعل السلام خيارًا استراتيجيًا ونهجًا ثابتًا، واستمر على هذا الطريق حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم - أبقاه الله.
هذا هو نهج عُمان، وسيظل نهجها: قوة لا تعتدي، حكمة لا تهتز، وسلام يحمي ولا يُهزم، رسالة ثابتة للأجيال ومبدأ خالدًا في السياسة والأخلاق.
صرفيت ستبقى اسمًا لمكان، لا شعارًا للتهديد، ولا لسانًا لأحد، ومن أراد أن يتحدث باسم التاريخ والجغرافيا؛ فليتحمل المسؤولية، لا أن يلوح بالاسم في فراغ، فالعواقب واضحة، والمكان مصون، وعُمان صامدة، تراقب كل من يحاول انتهاك حرماتها، وتردع كل من يختبر صبرها.

 

تعليق عبر الفيس بوك

الأكثر قراءة

z