أدركت أنَّ…

 

 

 

سارة البريكية

sara_albreiki@hotmail.com

أدركتُ أنَّه مع مرور الوقت من الزمن يتقلص عدد الأحبة والرفاق والأهل، لتصبح الدائرة المحيطة بك صغيرة جداً لا تحتوي على المنافقين؛ فالأهل والصحبة والأحبة المزيفون هم مجتمع منافق ومتى ما وقعت في أزمة ما اكتشفتها جيدا لتدرك مدى صدق تلك المشاعر التي كانوا يغدقونك بها في وقت سابق لنيل مصلحة ما يبتغونها منك، قد تكون مصلحة دائمة، لكنها واضحة للعيان وأنت أيها الساذج تستمر بمسايرة الواقع الذي تعيشه لكي لا تبقى وحيدا على حد زعمك.

عندما تكالبت عليك السنون والأمراض والآهات وجدت نفسك وحيدا إلا من أولئك المخلصين لك دائرتك الصغيرة أما البقية الذين كنت تمجدهم وتحتفي بفهم سريعا ما تلاشوا في مهب الريح فراحت تلك الضحكات والوعود والأحلام والرؤى ولم يبقَ سوى علامات استفهام كثيرة حول ما حدث ويحدث لتدرك متأخرًا أنك من البداية لم تعنِ لهم شيئا وأنك كنت أداة لتنفيذ الرغبات والأوامر فقط.

أدركت مع مضي العمر أن الفرصة التي تذهب لن تعود وأن الأشخاص الطيبين عندما يرحلون لا نجد طريقا لعودتهم إلينا ولو بقينا نبكي العمر كله حسرة على تقصيرنا تجاههم فالراحل بعد الخذلان قنبلة موقوتة يكاد صوت انفجاره يملأ الأرض بما رحبت ولكن هيهات!

سلاما أيها الطيبون الذين ملأتم حياتنا الصعبة بالورود وكنتم بلسماً رغم كثرة الأحزان والمصاعب سلاما أيها العالقون بين حنايا الذاكرة والقلب والوجدان والصميم سلاما يتلى عليكم أينما كنتم وحيثما حللتم وحضرتم سلاما يشبه النقاء الداخلي الذي يملأ سريرتكم ويستقر به.

كانت قلوبكم مفتوحة وعيونكم يملؤها الصدق والسكينة والطمأنينة كنتم تقفون بقربنا وتساندون أيامنا وأوقاتنا العصيبة وكنتم لنا النور والأمل والدفء الذي كان له أثر عظيم في حياتنا وفي قلوبنا وفي قلوب كل من تأثر بكم فأنتم أيها الأنقياء قليلون جدا.

أدركت مع مرور الساعات أن الانتظار سيطول وأن أولئك الذين أمنتهم على روحي استباحوها وكسرو جزءا منها وتركوها لبحر الدموع والأسى، أدركت أن الأعذار كثيرة وأن كثرتها لا تعني لي شيئا مقابل صبري وكدي وجهدي وسهري وسنين طويلة راحت في حب من لا يقدر حبي وليالي من عمري ولت وانقضت ولن تعود إلا بذكريات بائسة سوداء كسواد الليل الدامس.

أدركت أن أمواج البحر مهما تلاطمت وتنازعت لا تخونه رغم أن البحر غدار ورغم أن الأعاصير تأتي عميقة إلا أنها تبقى مكانها بعد حالة الغضب الذي ينتابها وأدركت أن القطط التي تموء على صغارها بعنف ونزاع ما كان ذلك إلا حبا وخوفا عليها من ذئاب القدر وأدركت أن العمر يمضي في تناقص وتناقض. وأنا بين ذلك وذاك، أقلب الأفكار والذكريات وأنظر إلى وجهي في كاميرا الهاتف الأمامية لأدرك أن التجاعيد البسيطة لا تعني أنني كبرت، وأن ملامحي السعيدة لا تعني بأنني سعيدة في أغلب وقتي وأن والمرآة لا تعكس دائما شخصيتي الحقيقية أو حتى كاميرا هاتفي وأنني لا أحب النفاق ولا أحب التظاهر ولا أحب المجاملات الواهية وأنني هنا رغم كل ذلك باقية وحدي لا شريك معي التقط أنفاسي ببطء.

الأكثر قراءة

z