فايزة بنت سويلم الكلبانية
مع انعقاد القمّة السادسة والأربعين لمجلس التعاون لدول الخليج العربية، وبمشاركة حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم- حفظه الله ورعاه- يتجدّد الحديث عن التكامل الاقتصادي الخليجي بوصفه أحد أقدم الطموحات التي حملها مجلس التعاون منذ تأسيسه قبل أكثر من أربعة عقود.
وأكّد بيان القمة الخليجية التي استضافتها مملكة البحرين، على تعزيز العمل المشترك، وتطوير التعاون الاقتصادي، ودعم مسارات التنمية المستدامة، وهي رسائل تعكس إدراكًا واضحًا لأهمية الانتقال من التنسيق إلى مراحل أعمق من الاندماج الاقتصادي الذي ينتظره المواطن الخليجي.
ورغم ما تحقق خلال السنوات الماضية من إنجازات في مجالات الجمارك، والمواصفات القياسية، وتسهيل حركة المواطنين والسلع، إلّا أن التكامل الاقتصادي ما يزال دون مستوى الطموح العام؛ فالمواطن الخليجي يأمل أن يرى خطوات أكثر وضوحًا على الأرض، تُترجم إعلان القادة عن دعم السوق الخليجية المشتركة وتحسين البيئة الاستثمارية، وتوحيد الأنظمة ذات العلاقة بالتجارة والضرائب والرسوم.
بيان القمة ركّز على أهمية مواصلة العمل لاستكمال الاتحاد الجمركي وتعزيز السوق الخليجية المشتركة؛ وهما ركيزتان أساسيتان لتحقيق اقتصاد خليجي متماسك. غير أن تحقيقهما يتطلب معالجة عدد من التحديات التي ما زالت قائمة، من أبرزها اختلاف السياسات الضريبية بين دول المجلس، وتباين التشريعات التجارية والاستثمارية، إضافة إلى تفاوت الهياكل الاقتصادية لكل دولة. هذه العوامل مجتمعة تجعل حركة السلع والخدمات ورؤوس الأموال أقل سلاسة مما يتطلع إليه المواطن.
ومع ذلك، فإن تأكيد القادة على دعم مسارات التنويع الاقتصادي، وتشجيع القطاعات الجديدة مثل الطاقة المتجددة والصناعات المتقدمة والتقنيات الحديثة، يعكس وعيًا بأن المستقبل يتطلب اقتصادات أكثر مرونة وقدرة على مواجهة التحوّلات العالمية؛ حيث إن تعزيز هذه القطاعات لا يسهم فقط في النمو؛ بل يفتح أبوابًا واسعة لتكامل جديد يستند إلى الابتكار والمعرفة، وليس فقط إلى النفط وأسواقه.
البيان شدد على أهمية تطوير مشاريع البنية الأساسية المشتركة، ومنها ربط شبكات النقل والطاقة والخدمات اللوجستية؛ فهذه المشاريع تُعد حجر الأساس لأي تكاملٍ اقتصاديٍّ فعليٍّ؛ إذ تُسَهِّل التعاون التجاري وتمنح الشركات والمستثمرين بيئة متقاربة وقابلة للتوسع. ويشكّل مشروع ربط السكك الحديدية الخليجية مثالًا مهمًا على مبادرات يمكن أن تغيّر واقع التكامل إذا اكتملت في السنوات المقبلة. والاهتمام بمنظومة الاتصالات والمياه والغذاء، وتعزيز تكامل البنية الأساسية الرقمية، وتيسير التجارة الإلكترونية، ودعم تطوير الأنظمة المشتركة للدفع الرقمي والخدمات السحابية، بما يسهم في تحقيق المواطنة الاقتصادية الكاملة ودعم التنمية الشاملة والمستدامة.
قناعتي أننا كمواطنين خليجيين لا نطالب بما يفوق الممكن؛ بل بما هو منطقي وطبيعي بين دول تربطها وحدة التاريخ والمصير، إننا نريد سوقًا خليجية حقيقية تحفظ لنا حرية الحركة والعمل، ونظامًا اقتصاديًا متقاربًا يقلّل الفوارق في كلفة المعيشة، ومبادرات مشتركة تتيح فرصًا أوسع للشباب ورواد الأعمال، وتعزز استقرار الأسرة الخليجية في تنقلها واستثماراتها.
إن القمّة السادسة والأربعين، بحضور جلالة السلطان- حفظه الله ورعاه- وإخوانه قادة دول المجلس، أعادت التأكيد على أن مسار التكامل لا يزال هدفًا محوريًا، وأن الطريق مفتوح لتحقيقه عبر خطوات عملية متدرجة، تراعي قدرات الدول ومستوى تقدمها، وتستند إلى رؤية خليجية موحّدة للمستقبل.
وفي نهاية المطاف، يبقى التحدي الحقيقي في تحويل كل هذه المشاريع والخطط إلى واقع ملموس يشعر به المواطن في حياته اليومية؛ واقع يثبت أن التعاون الخليجي ليس إطارًا تنظيميًا فحسب، بل مشروعًا تنمويًا كبيرًا يصنع مصالح مشتركة ويقود المنطقة نحو استقرار اقتصادي أكثر رسوخًا، وتكامل يليق بتطلعات شعوبها.
